استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ما فعلته بنا العولمة.. وما نفعله بها!

الخميس 19 أكتوبر 2017 02:10 ص

حولنا وفي وسطنا جيل كامل من الشباب لم يعاصر العولمة في قمتها وتألقها.

جيل لا يعرف أنه ثمرة تجلياتها وهي في أزهى مراحلها، هو مدين لها بكل ما يملك من تجارب وما تلمسه أصابعه من حروف، وربما بما ينطق به لسانه من حروف وكلمات غريبة، وبما يرتديه بناته وصبيانه في الصين وروسيا ومصر وتونس والمملكة المتحدة والهند والأرجنتين.

هؤلاء جميعا توحدوا فب ارتداء ملبوسات «الجينز» كما توحدوا فى الإنصات إلى ألحان وأغان بعينها أو التمايل معها.

كلهم رضعوا مع حليب أمهاتهم سندوتشات «ماكدونالدز».

كلهم أقبلوا على اقتناء هواتف ذكية وحواسيب بالغة الحساسية والابتكار الذاتى.

كلهم عاشوا أو انتقلوا للعيش حياة كاملة في عوالم خيالية.

يخرجون منها حينا ليطلوا على عالم آخر يعيش فيه أهاليهم ورؤساؤهم وحكامهم، هؤلاء لا يفتأون كلما احتك الشباب بهم يحاسبونهم على العيش مكتفين ذاتيا، ينأون بأنفسهم وإن اجتمعوا وذووهم تحت سقف واحد.

هؤلاء تسببوا فى ارتباك عظيم داخل مؤسسات الأمن وإن ابتعدوا عنها أراضي ومحيطات، مؤسسات لا ترتاح لشباب يفكر في صمت ويتمرد ساكنا وينفجر غاضبا في لحظة.

* * *

في سنوات قليلة وقعت تطورات عديدة بعضها اختص بالغرب، وأكثرها لم يترك دولة أو ثقافة أو جماعة إلا ومسها بقليل أو كثير من الصدمات.

دفعنى تدفق هذه التطورات وتلاحق تداعياتها إلى البحث عن رابط أو خيط يجمعها، كانت مهمة صعبة.

كيف يمكن أن يتخيل إنسان أن علاقة ما قامت أو تقوم بين موجة من الحركات القومية اليمينية المتطرفة تهب فتهز أسس قصور الحكم في أوروبا ونظريات علم السياسة وبين رغبة محمومة لدى حكام الصين لإنعاش فكرة طريق الحرير شبه الأسطوري ليصبح حزاما أوراسيًا يحتوي في داخله بلادًا في أقصى الشرق الآسيوي ووسط آسيا وأواسط أوروبا وأقصى غربها.

وليصبح أيضا وفي الوقت نفسه طريقا يمر في سلاسة وأمن وثقة عبر بلاد في جنوب آسيا والخليج مارا بشرق أفريقيا ومنتهيا مرة أخرى بجنوب أوروبا.

ما العلاقة بين هذا التطور وذاك التطور وبينهما معا وبين الحملة العدائية ضد النخب في عديد من الدول وبينها جميعا وبين الفوز الصارخ والصادم للمرشح «دونالد ترامب» ليصير رئيسا لأمريكا.

* * *

المؤكد فعليا، وليس تحليليا أو نتيجة اجتهاد شخصي، أن مرحلة العولمة الرأسمالية التي استحقت بجدارة لقب العولمة على النمط الأمريكي، هذه المرحلة خلفت أو أنتجت حالة فريدة من اللامساواة في الدخول لم يعرفها النظام الرأسمالي منذ نهاية عقد العشرينات من القرن الماضي.

لم يدر بخلد أي باحث في شؤون العولمة وتطوراتها أن تنتج عنها فجوة لا مساواة على هذه الدرجة من الاتساع.

دار النقاش وقتها، على ما أذكر، حول ضمانات رسختها العولمة في شكل ما سمي بعولمة الحقوق والقوانين والقضاء، أو كان الظن أن العولمة سوف ترسخها.

العولمة ربما رفعت شعارات عن ضمانات، ولكنها في الحقيقة لم ترسخها ممارسات ثابتة تتناقلها في المستقبل كتب التاريخ، كما تناقلت مبادئ وإنجازات القانون الروماني والديمقراطية الأثينية.

* * *

تأثرت شعوب بلادنا بالعولمة كغيرها من شعوب العالم، ثلاثون عاما أو أكثر تسمع هذه الشعوب عن دول تقرر أن تندمج اقتصاديا فتنمو اقتصاداتها وتترعرع، تسمع عن حدود تزال وأناس تتحرك بحرية بين دولة وأخرى، يتاجرون في حرية ويتناقشون في حرية ويتعلمون في حرية ويتقدمون.

هنا في هذه البلاد العربية لا شيء كان يتحرك، لا محاولات أو جهود اندماج بين دول الإقليم، لا خطط تنمية، لا نمو ولا تعليم جيدا، وحكومات لا تنجز.

كيف عرفت الشعوب أن حكومات أخرى تنجز وحكوماتنا لم تنجز؟

إنها العولمة، عولمة الاتصالات وعولمة التكنولوجيا وعولمة المواصلات.

كنا طرفا فيها دون إذن بالانضمام أو نية صادقة في النهوض، وصلت أيضا عولمة الحقوق والحياة الكريمة وسلطة الدساتير والقوانين وجمدت فور وصولها.

لكن ما تسرب منها فور وصولها كان كافيا لتتحرك الجماهير وتطالب بالحقوق وحكم القانون والعدالة والمساواة، مطالب إذا جاءت مجتمعة فهي الثورة.

بالفعل ثارت شعوب في واحدة من أهم ثورات التاريخ، كانت أول ثورة تنشب استجابة لتطورات تاريخية حدثت وتحدث خارج حدود بلادها، ثورة دفعت إليها عولمة تصدت لحكومات منغلقة ومنعزلة وغير مستعدة لإحداث التغيير المناسب للتفاعل مع هذا التحول المهم في مسيرة الإنسانية.

شعوبنا تدفع الآن ثمن انكسار عولمة لم تتح لنا الفرصة كاملة للاستفادة منها وقت تألقها.

* * *

جاء وقت، ليس بعيدا، انتعش الأمل في أن تفرض العولمة على أولي الأمر في كل قطاعات السلطة والإدارة حسن الخيار، كان شعارنا الأكفأ هو خيارنا، سعينا جماعات وشعوبا وأفرادا لنحصل على الأحسن والأعلى جودة.

رفضنا قراءة ما يكتبه المهووسون والانتهازيون وأدعياء المعرفة، امتنعنا عن طاعة فاسد أو جاهل أو أحمق، كنا في حقيقة الأمر نحلم بمجتمع فاضل، لم ندرك وقتها أن قوى بعينها تقف بالمرصاد لممارسات أرست قواعدها العولمة.

فجأة وفي عامين على الأكثر كانت أوروبا تموج بحركات وتيارات تعلن كرهها لجميع خيارات العولمة، وفي صدارتها خيار الأكفأ والأحسن، دخلوا الانتخابات وحققوا نتائج مبهرة، أهمها وقف مسيرة العولمة وإقامة حكومات شعبوية.

الشعوب في الشارع أو على صناديق الانتخاب تأتي بحكام يكرهون المتميزين والمفكرين والخبراء والمثقفين عامة.

أتت بـ«دونالد ترامب» وما زالت تأتي بأمثاله، بالأمس فقط أتت بشاب في الثلاثين ليقود النمسا على الطريق نحو إزالة آثار العولمة ومنها العلاقة بالاتحاد الأوروبي وقوانين الهجرة.

* * *

كان حلما واندثر، كانت الحدود المفتوحة أمام البشر ليتنقلوا في حرية ويستقروا في أمان حلم الملايين منذ نشأة المجتمعات الإنسانية.

كان حلما من أحلام العولمة قبل أن ينقلب عليه خصومها من الشعبويين، الناس تهاجر والعولمة لم تخترع للناس هذا الحق وإنما كرسته عنصرا حيويا لأمن البلاد ونموها.

«ترامب» يمنع الهجرة بينما الشركات الأمريكية تعلن أن الاقتصاد الأمريكي لن يتعافى إلا إذا حصل على عقول جديدة من أوروبا.

اقتصادات أخرى في دول شاخ سكانها لن تتوقف عن الحاجة إلى أيدٍ عاملة من أفريقيا والعالم العربي، هذه الأخيرة؛ أي دول أفريقيا والعالم العربي، لن تقوى على منع شعوبها من ممارسة حقها في الهجرة حتى إن استمرت في الزيادة أرقام المواطنين الغرقى.

أتصور أحيانا أن العولمة بدت في لحظة من لحظاتها تعويضا رمزيا لشعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية عن سنوات استعمار أوروبي بغيض.

بدأت تشجع على الهجرة وحرية التجارة وانتقال العمالة ورفعت شعار عالمية الحقوق، لا تمييز بين أعراق وطوائف وأديان وأجناس، شجعت على المشاركة في الحكم وناصرت التعددية والديمقراطية، كل هذا يتعرض الآن لحملة شرسة.

* * *

العولمة فجرت أزمة الهويات وأعادت إلى الصدارة مبدأ الحق في تقرير المصير، هي سبب غير مباشر لانتعاش مطالب الانفصال وخطر الانفراط وتقسيم الدول، كانت بدون شك وراء صعود الصين.

وكان يمكن أن تكون وراء نهضة طال انتظارها في العالم العربى وأحبطتها الحملة الضارية ضد ثورة الربيع العربي، باعتبارها إحدى ثمار العولمة، التي هي أيضا ربما تتحمل جانبا من مسؤولية انحسار النفوذ الأمريكي، وتقف مع متغيرات أخرى وراء الظاهرة البوتينية في السياسة الروسية.

* * *

سيكون مثيرا الاستمرار في متابعة تفاصيل الحرب الناشبة ضد العولمة، سيكون مثيرا أيضا الاستمرار في متابعة صمود أو انهيار إنجازاتها ورموزها.

* جميل مطر مفكر مصري مهتم بالشؤون الدولية والإصلاح والتحول الديمقراطي، مدير «المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل».

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية

جيل العولمة عولمة الرأسمالية النمط الأميركى تفاوت الدخل النظام الرأسمالى الشعبوية الحقوق والحريات الهجرة ثورات الربيع العربي الثورة المضادة مناهضة العولمة أزمة الهويات تقرير المصير انحسار أميركي