ذكرى الشيخ «عبدالله السالم».. أبو الديمقراطية في الخليج

الجمعة 20 أكتوبر 2017 02:10 ص

كان ذلك عصر القومية وحكم الرجل الواحد. وكان «جمال عبدالناصر» في مصر قد سن لتوه ميثاقا جديدا يضمن استحواذه على السلطة، دون انتخابات وبغير قيود. وأطاح البعثيون بالحكومة الثورية العراقية، وتولوا السلطة أيضا في سوريا المجاورة، في حين كان «محمد رضا بهلوي»، الشاه الإيراني، يرسخ شرعية عائلته من خلال ما يسمى بالثورة البيضاء. وكانت الإمارات الخليجية السفلى تحت حكم «الحامية» البريطانية، بينما كان الملك «فيصل» في السعودية يستولي على السلطة من أخيه غير الشقيق «سعود».

مرحبا بكم في الكويت

لم يترك الكثير من القادة في العالم إرثا عميقا مثلما فعل الشيخ «عبدالله السالم»، الذي حكم الإمارة الخليجية في الفترة من عام 1950 إلى 1965. ولم يستهل عصر الكويت بعد الاستعمار فحسب، بل قدم بجرأة الديمقراطية وحرية التعبير إلى الخليج. وكانت الكويت محمية بريطانية بين عامي 1899 و1961، وهي الفترة التي شهدت حربين عالميتين وكذلك حركات التحرير المختلفة من أفريقيا إلى جنوب آسيا، التي سعت إلى التحرر من القوى الاستعمارية. ومع ذلك، لم تنجح جميع الدول التي نجحت في تحقيق الاستقلال عن بريطانيا في غرس روح الديمقراطية. وعلى سبيل المثال، في حين تجري الهند وماليزيا انتخابات حرة بشكل مستمر، فإن آخرين مثل باكستان ومصر خضعوا لنفوذ الأنظمة العسكرية القوية.

واختلفت حالة الكويت عن العديد من الأقاليم البريطانية الأخرى التي حكمت فيها الأسرة الحاكمة بالإمارة منذ منتصف القرن الثامن عشر. ورأت بريطانيا في الإبقاء على الأسر الحاكمة فرصة لاستمرارية السياسة التي ربما يفضلها البريطانيون بسبب عدم اليقين من نتائج تغيير هيكل الحكم. لكن كان للاتجاه السياسي الذي اتخذته الكويت المستقلة حديثا، كأول إمارة خليجية تحصل على استقلالها عن البريطانيين، تأثيره على الأنظمة الملكية الأخرى في المنطقة.

ودخل الشيخ «عبدالله» في مفاوضات على الانسحاب البريطاني من الكويت عام 1961، حيث سبق في ذلك دول الخليج الأخرى بعقد من الزمن. غير أن الاحتفال باستقلال الكويت كان قصير الأجل. حيث سعى الزعيم العراقي «عبدالكريم قاسم» إلى المطالبة بدمج الكويت مع العراق، وبحلول يونيو/حزيران عام 1961، نقلت بريطانيا قواتها إلى الكويت في إطار العملية «فانتاج» كجزء من اتفاق الدفاع عن الكويت. وعند هذه اللحظة، برزت الخصائص الفريدة للشيخ «عبدالله».

تعزيز الديمقراطية

وبالإضافة إلى تعزيز الدفاعات العسكرية للبلد لمواجهة التهديد، عزز الشيخ «عبدالله» التماسك الاجتماعي الداخلي. وأصدر مرسوما يسمح للجنة من المواطنين المنتخبين بكتابة دستور ضمت قادة المعارضة والمثقفين. وتضمن الدستور، الذي صدر عام 1962، مادة تفيد بأن حرية التعبير مكفولة (المادة 36)، وكذلك حرية العقيدة (المادة 35)، وتكوين الجمعيات والنقابات (المادة 43)، وحرية التجمع (المادة 44). وكان هذا الدستور ثوريا، لدرجة أن أي دستور عربي آخر لن ينافس هذا الدستور الجريء، حتى الدستور الذي كتب في تونس بعد ثورات الربيع العربي.

وشكلت اللوائح الداخلية الكويتية برلمانا منتخبا يتمتع بسلطات عزل الأمير، وهي السلطة التي تم تفعيلها عام 2006، عندما مرت البلاد بأزمة دستورية انتهت باستبدال الأمير.

ورغم أن الدستور لم يشمل حق المرأة في التصويت، إلا أنه وضع البنية التحتية للنساء والرجال للمطالبة بهذا الحق، الذي تحقق بنجاح عام 2005. وبدلا من استخدام ذريعة التهديدات الخارجية لتأخير إدخال الديمقراطية إلى الكويت، سرع الشيخ «عبدالله» العملية. ورأى أن الديمقراطية لا تشكل تهديدا، بل وصفها بـ «طريق الشعب» إلى الكرامة والحرية.

ولم يتم تطبيق نموذج الشيخ «عبدالله» في نهاية المطاف في أجزاء أخرى من المنطقة. وأدى التشاحن بين البرلمانيين الكويتيين إلى تأخير المشاريع الاقتصادية، ومنع الخوف الذي لاح في الأفق من صعود الإسلام السياسي الآخرين من اتباع مسار مماثل. ومع ذلك، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على وفاته، لا يزال النموذج السياسي للشيخ «عبدالله» يؤثر على الخليج. وفي عام 1963، قام بتعيين أمير الكويت الحالي الشيخ «صباح الأحمد»، البالغ آنذاك 34 عاما، وزيرا للخارجية.

واليوم، يقود الشيخ «صباح» الجهود الوحيدة الموثوقة لإيجاد حل لأزمة الخليج الجارية. وتعد القيادة الجريئة من قبل الشيخ «عبد الله» مثالا وقدوة للجيل الجديد في الخليج، الذين يملكون كل الطموح اللازم لاتباع مسار مماثل.

المصدر | سلطان القاسمي - معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

الكويت الشيخ عبد الله السالم