«ميدل إيست آي»: «مصر السيسي» وسياسات الخوف

الجمعة 20 أكتوبر 2017 04:10 ص

قبل بضعة أسابيع، وأثناء مروري في شارع فرعي في القاهرة عند الساعة الواحدة صباحا، تعجبت عندما رأيت المقاهي الشعبية فارغة. ولكن أحد الأصدقاء شرح لي أنه في السنوات القليلة الماضية، تسببت الحكومة بإفراغ هذه المقاهي من خلال المداهمات المستمرة.

دائما يخاف أولئك الذين يحكمون من المفكرين المستقلين وبالتالي يتم استخدام القبضة الحديدية ضدهم. في هذا البلد، يمكن لرأي، في صفحة فيسبوك، أو مقال، أوحتى محادثة عارضة، وليس بالضرورة في مجال السياسة يمكن أن تودي بك إلى السجن. الخوف هنا ممن يملك التأثير. مرحبا بكم في أرض الخوف.

يقول «ماثياس بون»، الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية في شؤون الشرق الأوسط في جامعة أمستردام: «يلعب الخوف دورا بارزا في الحياة العامة المصرية». وعلى الرغم من أن الخوف كان واضحا في فترة نظام «السيسي، فقد كان الخوف منذ فترة طويلة آلية قهر تستخدمها الأنظمة الشمولية في» جميع أنحاء العالم لتفرقة الناس عن بعضهم البعض والاحتفاظ بالسلطة.

كان السبب في ذلك، وخاصة منذ الانقلاب العسكري في عام 2013، هو أن العنف كان الفرضية المميزة لحكم الرئيس «عبد الفتاح السيسي». وكان الحكام العسكريين، الذين يتمتعون بالسلطة الشمولية منذ ثورة 1952، قد اعترفوا بأن الأمل أو بعض مظاهر تقرير المصير للشعب المصري تهدد هيمنتهم السياسية والاقتصادية.

وقد اتخذ قرار من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن «السيسي» هو ممثلهم، ولهذا سوف يتم سحق المعارضة بعنف، وسيتم إسكات الأصوات العالية. وهذا يسري على جميع من يعارضون، وليس فقط على جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من أن هذا النهج أصبح صريحا بعد الانقلاب، فإنه قد بدأ في الأيام الأولى للثورة.

وقد أظهر تقرير للرئاسة أعد في ظل حكم الإخوان المسلمين في عهد «محمد مرسي» في عام 2012 ، ولم ينشر ، حول جرائم الجيش ضد المدنيين بدءا من أول انتشار الجيش في الشوارع أن أكثر من 1000 شخص كانوا في عداد المفقودين خلال 18 يوما من بداية الثورة فقط. كما أن الجثث التي تم تحويلها لمشرحة مصر، كانت مصابة بطلقات نارية أو تحمل علامات تعذيب.

وقد وضع ملف الاختفاء القسري تحت المجهر العام الماضي، مع اختفاء مئات من المصريين من قبل النظام، وقد ذكرنا أن التقرير قد أوضح أن الجيش كان يفعل ذلك في عام 2011.

تفشي «وباء» التعذيب

لكن قيادة الإخوان احتفظوا بالمعلومات بعيدا عن الرأي العام ولم يتم التحقيق مع القيادة العسكرية أبدا. فالمجرمون لم يذهبوا دون عقاب فحسب، بل إن هذا أدى إلى مزيد من الخوف.

وقد وصفت هيومان رايتس ووتش التعذيب في مصر بأنه «وباء». وأضافت أن «الرئيس المصري السيسي منح ضباط الشرطة والأمن الوطني بشكل فعال الضوء الاخضر لاستخدام التعذيب متى أرادوا ذلك»، وإن ما لا يقل سمية عن التعذيب هو غموض قبول وصمت الملايين من المصريين؛ إنهم بذلك يمثلون اليد اليمنى غير المرئية للدكتاتور.

ربما تشعر بالمعاناة عندما تستمع للمصريين العاديين القادمين من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة عبارات مثل: «منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية هي جماعات عازمة على زعزعة استقرار البلاد وتنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين».

ولكن لا ينبغي أن نتفاجأ من إن الخوف من التعذيب يدفع المزيد من الخوف في نفوس الكثيرين. فوفقا لتقرير هيومان رايتس ووتش: «تبدأ جلسة التعذيب النموذجية مع ضباط الأمن حيث يكون المشتبه به معصوب العينين، ومكبل اليدين أمام محقق بيده آلة صعق كهربائية، وغالبا ما يتم توجيهها للأماكن الحساسة مثل الأذنين أو الرأس».

والهدف من ذلك ليس مجرد توليد الخوف داخل الضحية ولكن لتحويله إلى مصنع من الخوف، قادر على نقله إلى العائلة والأصدقاء والمعارف.

ويشكل الاغتصاب أمرا مركزيا في تشكيلة إجراءات إرهاب الدولة السرطاني. وفي مجتمع مقترن بالخجل من المواضيع الجنسية، تعد وحشية الاغتصاب سلاحا مميتا ضد كلا الجنسين. وفي مصر، حيث تزدري الأغلبية «المثلية الجنسية» ، فإن اغتصاب الرجال من قبل الرجال يعني إسكات الضحية حتى آخر نفس.

إرادة الكفاح

هذه هي الطرق الصريحة التي يعمل بها الخوف، والصدمة التي تنتج هي هدية قبيحة مستمرة. وهذا هو ما يعول عليه النظام، ولكن البروفسور «ماثياس بون» يقول أن البعض «يشعرون أنهم أقوى في تصميمهم» على محاربة النظام.

وقد أشار مفكر مصري في الآونة الأخيرة، في المنتدى الوحيد المفتوح نسبيا لتبادل الأفكار، وهو تويتر: «الخوف هو أبشع كلمة في الوجود، هو أصل كل شر وأكبر خطر على السعادة».

على الرغم من كل ما يصمم لمنع حرية التعبير، فهناك أولئك الذين يجرؤون الكلام ويعترف العالم بجهودهم. و«»محمد زريع، ناشط ومدير معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الذي فاز بجائزة مارتن إننالز، هو مثال حي على هذه الفئة.

ومع ذلك، وفي ظل الظروف الراهنة، فحتى قبول الجائزة شخصيا هي مشكلة بذاتها.

على الرغم من العمل الرائع في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، كان هناك قلة ممن يستطيعون القيام بتأمين جوائزهم. وقد منعت الحكومة المصرية هؤلاء من السفر بكل ما في وسعها من أجل كتم هذه الأصوات. كما أن العقلية التي اعتبرت «زريع» شخصية غير مرغوب فيها هي نفسها التي أغلقت مركز النديم، وهو مركز طبي لضحايا التعذيب.

ولكن بالنسبة لأولئك القادرين على التغلب على الخوف، فالحقيقة هي هدف وجسر إلى بر الأمان. وقد قال «زريع» للصحفيين «إن هذه الجائزة تخص عشرات الآلاف من المواطنين المصريين الذين تعرضوا للتعذيب أو السجن أو الإختفاء أو القتل على مدى السنوات الست الماضية لا لشيء إلا بسبب الوقوف ضد الفساد والاستبداد بالوسائل السلمية».

وفي افتتاح المرحلة الأولى من مشروعه الضخم الأخير العاصمة الإدارية، الذي تبلغ قيمته 45 مليار دولار ، لم يستطع «السيسي» إضاعة فرصة أخرى لإخبار المصريين عن أهمية السكوت. وأضاف «إنني سعيد بالنقد ولكن من أشخاص مستنيرين واعين ومطلعين». وبطبيعة الحال، فإن «السيسي» هو الذي يحدد من هم «الأشخاص المطلعون».

أما الفئة التي لم تحظ بتصنيف النظام لها على أنها «مستنيرة» فلديها مجموعة متنوعة من الخيارات المتاحة لها دائما: الاختفاء القسري، أوالسجن، والتعذيب أو الوفاة. فعندما يوضح الرئيس أنه يزدري من يعارضونه، فإن الخوف سيتعمق.

وكمحللين، يمكننا أن نحاول التنبؤ متى سيحدث الانفجار، ولكن هناك حقيقة قبيحة وهي أن: الخوف يمكن أن يشل ذلك.

يقول الروائي المصري الفائز بجائزة نوبل «نجيب محفوظ» في أحد رواياته: «سألت الشيخ عبد ربه التائه: متى يصلح حال البلد؟ فقال عندما يؤمن أهلها أن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة».

المصدر | عمرو سلامة - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

السيسي القمع سياسات الخوف النظام المصري