الربيع العربي والنفط و«أوباما».. 3 أسباب تفسر «هوس» السياسة السعودية

الجمعة 20 أكتوبر 2017 11:10 ص

في الماضي، كانت المملكة العربية السعودية تعتمد على ثروتها النفطية الهائلة والولايات المتحدة بشأن أمنها. فقد كانت تستخدم الأولى لشراء الأصدقاء ودفع الأعداء والأعداء المحتملين. واستخدمت الأخيرة لضمان بقائها. ومع استثناءات قليلة، لم تتدخل المملكة بنفسها مباشرة في شؤون جيرانها.

غير أن ذلك تغير خلال العقد الماضي. وتدخلت السعودية عسكريا في البحرين واليمن. وساعدت في تمويل عملية الانقلاب التي قادها «عبدالفتاح السيسي» في مصر عام 2013. ودعمت حركات مسلحة في ليبيا وسوريا، وشكلت تحالفا دوليا تزعم أن هدفه محاربة الإرهاب، وشنت الغارات الجوية على اليمن. وقادت حملة مجلس التعاون الخليجي ضد جارتها الصغيرة، قطر.

لم حدث هذا التغيير المفاجئ؟

استنادا إلى التطورات الأخيرة، من الواضح أن المسؤولين السعوديين يفترضون أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الضمانات الأمنية التقليدية، النفط والولايات المتحدة. ويبدو أنهم يتصورون أن الضمان الوحيد لأمنهم هو قوتهم العسكرية.

وكمؤرخ للشرق الأوسط الحديث، بحث وتعلم عن شؤون المنطقة لأكثر من 30 عاما، أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب للتحول في الموقف الأمني ​​من قبل السعودية، الانتفاضات العربية عامي 2010 و2011، وسياسات إدارة «أوباما»، وانهيار أسعار النفط.

تهديد متصور

لقد نظرت السعودية إلى الانتفاضات العربية كعدوى تمثل تهديدا محتملا. ويرغب السعوديون في بقاء الوضع الراهن في المنطقة على ما هو عليه. ولم تكن الانتفاضات مهددة فقط لحلفاء المملكة الاستبداديين مثل الأنظمة في مصر والبحرين، ولكن للنظام الإقليمي وأسس شرعية المملكة أيضا. كما هددت الانتفاضات بتوسيع نطاق الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، وهو أمر يخشاه النظام السعودي.

وعلاوة على ذلك، تخشى السعوديون أن تمهد الانتفاضات الطريق لتوسيع النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة. وأدى ذلك إلى تدخل السعوديين في اليمن، بعد اعتقادهم أن الإيرانيين قد تدخلوا. وفي الواقع، كانت المظالم المحلية، وليس التدخل الإيراني، هي ما أدت إلى نشوب حرب أهلية في اليمن. واتهمت السعودية إيران بنفس الاتهامات فيما يتعلق بالبحرين، على الرغم من أن اللجنة الملكية التي عينها ملك البحرين فشلت في العثور على أي دليل على التدخل الإيراني.

وبنفس الخطورة بالنسبة للسعوديين، هددت الانتفاضات بتمكين الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية على غرار الإخوان في جميع أنحاء المنطقة. وتعتقد الأسرة المالكة السعودية أن هذه الجماعة توفر نموذجا للتوفيق بين الدين والسياسة، يتنافس مع رؤيتها الخاصة للعلاقة بين الاثنين. وبينما ربط الإخوان بين الدين والسياسة، سعت الأسرة المالكة السعودية إلى وضع الدين كموال للدولة لمنع نشوء حركة إسلامية تزعزع الاستقرار. وكانت هذه هي استراتيجية العائلة المالكة للبقاء منذ عام 1932.

وبناء على طلب من «عبدالعزيز بن سعود»، مؤسس الدولة السعودية الحالية، أكد علماء الدين السعوديون أن المسلمين يجب أن يطيعوا قادتهم دون تردد طالما كان هؤلاء القادة مسلمون أيضا. ولا يزال هذا هو موقفهم.

وكان السعوديون غاضبين تجاه ما زعموا بأنه دعم أمريكي للانتفاضات العربية. ففي حين اتسم رد فعل الحكومة الأمريكية تجاه الانتفاضات بالتناقض، لأن حلفاءها المستبدين قد عززوا المصالح الأمريكية في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، فقد شعر السعوديون بالغضب لأن الولايات المتحدة لم تقدم دعمها غير المشروط للحكومات الاستبدادية التي طالما دعمتها.

السعودية ضد «أوباما»

ويقودنا هذا إلى السبب الثاني لجنون العظمة السعودي الذي أصبح يشكل الأحداث في المنطقة، ألا وهو سياسة إدارة «أوباما» في الشرق الأوسط.

وسعى «أوباما» إلى عكس سياسة سلفه «جورج دبليو بوش» في الشرق الأوسط. وأعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز اهتمامها على شرق آسيا، حيث تمثل مستقبل العالم، وليس على منطقة معرضة للصراع والركود الاقتصادي مثل الشرق الأوسط.

وهكذا، كان «أوباما» يتطلع إلى خفض التزامات أمريكا في المنطقة، وأن تتخلى عن دورها تدريجيا في حل النزاعات، بحيث يمكن للولايات المتحدة توجيه انتباهها إلى مكان آخر.

وكان هذا أحد الأسباب التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني، ومحاولة استئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. والأهم من ذلك كله، فقد سعى «أوباما» إلى دفع حلفاء الولايات المتحدة لتحمل المزيد من المسؤولية في الدفاع عن أنفسهم.

غير أن استراتيجية «أوباما» الكبرى جعلت حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة يخشون التخلي عنهم. ووجد السعوديون، بشكل خاص، تعليقه بأن عليهم أن يتعلموا «تقاسم الجوار» مع إيران أمرا مرعبا.

اعتماد المملكة على النفط

ويرجع السبب النهائي لجنون العظمة السعودي إلى انهيار أسعار النفط. ومنذ يونيو/حزيران عام 2014 إلى أبريل/نيسان عام 2016، انخفضت أسعار النفط بنسبة 70% لأسباب مختلفة، بما في ذلك وفرة المخزون في السوق، والمصادر البديلة للوقود.

ويعتقد معظم الاقتصاديين أن سعر النفط سوف ينتعش، حتى وإن لم يكن إلى مستويات الذروة. لكن هذا لم يمنع الدول المنتجة للنفط من اتباع نصيحة صندوق النقد الدولي لاتخاذ خطوات لتنويع اقتصاداتها.

واستجابت السعودية بشكل خاص لتدخلات صندوق النقد الدولي. وفي ربيع عام 2016، كشف ولي ولي العهد آنذاك «محمد بن سلمان» عن خطة بعنوان «رؤية 2030». وتتضمن الخطة قائمة من نفس توصيات السوق الحرة المتبعة التي طبقت دوليا منذ السبعينات.

وتدعو الخطة إلى خصخصة الأصول الحكومية، بما في ذلك التعليم و5% من شركة النفط الوطنية أرامكو السعودية. إضافة إلى تقليل الدعم المقدم للنفط والكهرباء والمياه، وإدخال ضريبة الدخل، وخلق 450 ألف وظيفة جديدة في القطاع الخاص، من بين مقترحات أخرى.

لكن احتمالات نجاح المملكة في تحويل اقتصادها لتصبح قادرة على المنافسة عالميا، في 13 عاما، ليست عالية. ويعني هذا، من بين أمور أخرى، التخلص من الأداة الأكثر فعالية لحصول الحكومة السعودية على ولاء شعبها.

وعندما هددت الانتفاضات العربية بالانتشار إلى السعودية، على سبيل المثال، وزعت الحكومة السعودية منحا بقيمة 130 مليار دولار أمريكي لسكانها للحفاظ على ولائهم.

كما أنه يعني ضمان التدفق الحر للمعلومات، في بلد تندر فيه الشفافية على جميع مستويات الحكم والتجارة.

وفي عام 2017، احتلت المملكة المرتبة 168 من بين 180 بلدا شملتها دراسة استقصائية من حيث حرية الصحافة.

وأخيرا، يعني ذلك تغيير المواقف تجاه العمل، في بلد لا تشكل فيه النساء سوى 22% من القوى العاملة، مقارنة بما يقرب من 40% على الصعيد العالمي، ويستحوذ الأجانب حرفيا على جميع مهام العمل الثقيلة.

نتيجة لذلك، كان على «محمد بن سلمان» التخلي عن بعض المقترحات الواردة في «رؤية 2030». ومن غير المرجح أن تكون هذه الرؤية أكثر نجاحا من حرب اليمن الفاشلة في اليمن، التي يتحمل مسؤوليتها ولي العهد أيضا.

*الكاتب أستاذ لتاريخ الشرق الأوسط بجامعة كاليفونيا - لوس أنجلوس

المصدر | جيمس جيلفين - ذا كونفرسيشن

  كلمات مفتاحية

السعودية الإخوان المسلمون الربيع العربي حرب اليمن أسعار النفط