خطأ الأكراد.. الحسابات الخاطئة لاستفتاء كردستان

الجمعة 20 أكتوبر 2017 11:10 ص

كان الشيء الأكثر إثارة للدهشة بشأن استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق أنه حدث أصلا. وقد دفع التصويت المجتمع الدولي إلى إعلان معارضته لإجرائه. كما زادت بغداد من الضغط على أربيل بقرار من المحكمة العراقية العليا أعلنت فيه أن الاستفتاء غير شرعي، وخرجت سلسلة من التصريحات حول عدم شرعية الاستفتاء من قبل كبار المسؤولين العراقيين. لكن الرئيس «مسعود بارزاني» وحزبه وحكومة إقليم كردستان مضوا إلى الأمام، وقد ضاعفوا إصرارهم على تحقيق الاستقلال عاجلا وليس آجلا. ولم يكن من المفاجئ أن تأتي النتيجة مؤيدة للاستقلال بأغلبية ساحقة.

وكانت الأحداث التي وقعت منذ التصويت غير مفاجئة أيضا، وإن كانت سرعة تلك الأحداث ملفتة للانتباه. وقد كانت المخاوف والتنبؤات الدولية تجاه حملة الاستفتاء صحيحة إلى حد كبير. ففي البداية، قامت حكومة إقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني بمحاولات أكثر وضوحا للسيطرة على الأراضي الواقعة خارج حدود الإقليم، لكن الحكومة العراقية أحكمت سيطرتها في نهاية المطاف. وكانت سيطرة القوات العراقية والميليشيات العراقية على كركوك يوم الاثنين أمرا مفاجئا، لكنه جاء في ذروة سلسلة من التحركات العدوانية المتزايدة من قبل الحكومة المركزية في بغداد. وفي الأسابيع الأخيرة، تم نشر أعداد كبيرة من القوات بالقرب من كركوك. وتم إغلاق المجال الجوي الكردي تماما أمام حركة المرور التجارية. وطالبت الحكومة الاتحادية العراقية الأكراد بتسليم السيطرة على مطاراتهم، التي تمثل شريان الحياة للأراضي غير الساحلية. وفي الوقت نفسه، توقفت عمليات بيع الدولار وتحويل العملات الأجنبية في المنطقة.

وفي وقت كتابة هذا التقرير، تسيطر القوات العراقية إلى حد كبير على مدينة كركوك، على الرغم من وجود تقارير عن قتال نشط محدود. ومع ذلك، يبدو الصراع المفتوح في كركوك وحولها ممكنا على نحو متزايد في الأيام المقبلة، مع سعي أربيل لاستعادة السيطرة على الأراضي الرئيسية، ومع حماسة الميليشيات الشيعية تجاه محاولة الدخول أبعد من ذلك داخل المحافظة. وقد زادت كذلك الضغوط على الإقليم من خارج العراق، حيث نقلت إيران وتركيا قواتهما إلى الحدود، وأغلقتا معابرهما الحدودية مع المنطقة، في الوقت الذي يمثلان فيه مصدرين حيويين للدخل الكردستاني، ونافذتين حاسمتين على العالم الخارجي.

وقد وضعت هذه السلسلة من الأخبار السيئة، على الرغم من أنها كانت متوقعة، حكومة إقليم كردستان في مهب الريح. وبالنسبة لـ«بارزاني» والحزب الديمقراطي الكردستاني، كان من المفترض أن يعزز هذا الاستفتاء سلطة الحزب في المنطقة، الأمر الذي يسمح للرئيس بتعزيز نفوذه. وقد كان يتصور أن يتراجع المجتمع الدولي أمام هذا الموقف المتصلب من أجل الاستقلال، حيث يعتمد المجتمع الدولي على الأكراد لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وقد رأى أن الحكومة العراقية ضعيفة جدا للوقوف في طريق المطالب الكردية.

الحسابات الخاطئة

لكن كانت هذه الحسابات خاطئة، وربما كان ذلك، جزئيا، بسبب إغفال المسؤولين الأكراد لعلاقاتهم العامة. وكانت حكومة إقليم كردستان، التي تمتعت بسمعة سيئة في العواصم الغربية نظرا لاستخدامها وسائل إعلام واستراتيجيات ضغط عدوانية، قد عملت على الترويج بجد لحلم الدولة الكردية، بينما كانت تقمع المعارضة والأصوات الحاسمة في الداخل. وكان أكثر ما يعرفه الأمريكيون بشأن قضية كردستان، قبل شهر سبتمبر/أيلول، قد جاء من المقالات المتوهجة حول معركة البيشمركة ضد تنظيم الدولة، أو محاولات تعزيز حقوق المرأة في كردستان، أو حول تسامح إقليم كردستان العراق تجاه الأقليات. لكن لم يتم عرض الجانب الأكثر قتامة في المنطقة. فالقمع السياسي والفساد المتزايدان، والتحرك المطرد نحو دولة الحزب الواحد، والعنف والجرائم ضد الأقليات في الأراضي المتنازع عليها، والقمع العنيف ضد الصحافة الكردية الحرة، لم يلقوا سوى القليل من الاهتمام في الخطاب السائد.

لكن صناع السياسة الغربيين كانوا على وعي متزايد بالصعوبات التي تختمر في الإقليم. وقد كان التهديد بعدم الاستقرار بعد الاستقلال، في منطقة أكبر إنجازاتها القتال ضد تنظيم الدولة، جزءا أساسيا من الاهتمام الدولي بالاستفتاء.

وقد عانى الاقتصاد أيضا. فقد ظل الاقتصاد الكردي في حالة سيئة منذ أعوام، ويشهد الآن خطر الانهيار. وتستند الاستراتيجية الاقتصادية لحكومة الإقليم على تصدير النفط، ولكن مع انخفاض الأسعار، وضعف العلاقة مع بغداد، وعدم الثقة في صناعة النفط الكردستانية في أعقاب سلسلة من النزاعات القانونية، واجهت تلك الاستراتيجية الصعوبات. وقد ترك هذا الضعف أربيل غير قادرة على دفع رواتب القطاع العام. وعلى الرغم من أن مقاتلي البيشمركة استمروا في القتال رغم شهور من الأجور غير المدفوعة، فإنه ليس من الواضح كيف ستواصل كردستان عملها مع إغلاق الحدود، وتوقف الرحلات الجوية الواردة، وفقدان إمكانية الوصول إلى العملات الأجنبية. وتعد هذه الإمكانية لانهيار الاقتصاد ضربة أخرى للاستقرار.

فما الذي يتعين القيام به الآن؟ تعتبر سرعة التدهور مصدر قلق بالغ، ولم يساعد العدوان العراقي على تهدئة التوتر. وقبل أيام من الاستفتاء، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا، حذرت من خلاله من أنه إذا تم إجراء التصويت فسيكون «من المستبعد جدا رعاية مفاوضات مع بغداد»، وأن العرض الدولي لدعم المفاوضات «سينتهي». وقد جاء هذا البيان ليدل على جدية واشنطن في معارضتها لموقف «بارزاني». والآن، قد لا تجني حكومة إقليم كردستان سوى آثار الزوبعة التي أطلقت لها العنان.

البحث عن حل

لكن لا يجب أن يحدث هذا. فهناك الآلاف من الأرواح على المحك، وهناك تهديد لأمن إحدى بقع الشرق الأوسط القليلة التي يشرق فيها الأمل في مستقبل سلمي. وفي الأيام التي سبقت الاستفتاء، حذر مسؤولون من أن كردستان قد تزج بنفسها في طريق نحو حرب عرقية في الأراضي المتنازع عليها، مع المخاطرة باندلاع صراع مباشر مع بغداد. ولكن حتى أولئك الذين حذروا من المخاطر، لم يتوقعوا أن تتابع الأحداث بهذه السرعة. ولا يزال التوتر العرقي متصاعدا في كركوك ونينوى، في حين قد يدخل بعض أقرب شركاء الغرب في معركة ضد بعضهم البعض قريبا. وحتى الآن، لا تزال الولايات المتحدة وحلفاء آخرون يقومون بتدريب وتجهيز القوات التي في كل من العراق وإقليم كردستان العراق. وبذلك، حتى لو لم ينحاز الغرب إلى أي جانب، فإن نجاحات أو إخفاقات أي من الجانبين ستكون مؤثرة على مصالحه.

ويجب على المجتمع الدولي أن يتعاون مع كل من بغداد وأربيل لضمان تفادي الصراع. ويجب تشجيع تسريع المفاوضات بغية تهدئة التوترات. وتعد قضية الأراضي المتنازع عليها مسألة معقدة، ولا يمكن حلها بسهولة، ولذلك سيكون من الحيوي العمل مع جميع الأطراف في المنطقة لتقليل التوترات السياسية والعرقية أولا. وما أن يتم حل القضية الأكبر المتمثلة في دولة كردية مستقلة بطريقة أو بأخرى، ستهدأ التوترات فيما هو أقل. وسيكون ذلك آمن بشكل أكبر من تحول المفاوضات إلى أسئلة أكثر تعقيدا تتعلق بالسيطرة على الأراضي المتنازع عليها. وفي الوقت نفسه، لا يمكن السماح لإقليم كردستان العراق بالفشل اقتصاديا. وإذا حدث ذلك، فإن الخاسرين الحقيقيين سيكونون من عموم الأكراد والأقليات، الذين بقوا حتى الآن محميين نسبيا من الصراعات وعدم الاستقرار السائد في المنطقة الأوسع.

ولا يعني هذا إعطاء القادة الأكراد تفويضا مطلقا. حيث يجب أن يتحمل «بارزاني» والعديد من المسؤولين الآخرين في الحزب الديمقراطي الكردستاني بعض المسؤولية عن مأزق الإقليم. وفي الوقت المناسب، ينبغي للمجتمع الدولي أن يغتنم الفرصة للمساعدة في إعادة تأمين الديمقراطية في كردستان، مع علاج النظام السياسي المريض بشكل متزايد، وتحسين التدقيق في سلوكيات حكومة الإقليم. لكن العقاب السياسي يجب أن يأتي في المرتبة الثانية، وذلك للحفاظ على الأمن والنجاحات التي حققها الإقليم، مع ضمان تمتع جميع الشعب الكردي بالحقوق والحريات.

المصدر | كريسبن سميث - معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

الأكراد بارزاني كردستان استفتاء كردستان