«كوارتز» تكشف تفاصيل جديدة حول تورط الإمارات في اختراق «قنا»

الأحد 22 أكتوبر 2017 08:10 ص

لا تكاد تكون الأزمات الدبلوماسية نادرة في الشرق الأوسط، لكن الصراع الذي بدأ هذا الصيف بين قطر وبعض جيرانها العرب قد يكون فريدا من نوعه.

وتعد هذه هي أول أزمة جيوسياسية كبرى يكون السبب فيها الاختراق السيبراني، وقد تكون تقريبا أول حرب «افتراضية» تتحول إلى صراع مادي، وبقدر ما، يمكن لأحد أن يقول أن الجمهور المستهدف من وراء الأخبار المزيفة كان شخصا واحد تقريبا، هو الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».

وفي المقابلات والوثائق المقدمة إلى «كوارتز»، روت الحكومة القطرية نسختها من الأحداث التي أدت إلى الأزمة بالتفصيل للمرة الأولى.

وكان العالم قد انتبه إلى النزاع الذي وقع في يونيو/حزيران الماضي، عندما أغلقت البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حدودها مع جارتها الخليجية الصغيرة، ردا على تعليقات تم نسبها إلى الأمير «تميم بن حمد آل ثاني» أمير قطر.

ومنذ ذلك الحين، اتهمت تلك الدول الدوحة برعاية الجماعات الإرهابية والتقارب مع إيران، وكان أمير الكويت، الذي كان يحاول إنهاء النزاع، قد عبر عن منع تدخل عسكري من نوع ما.

ولكن كل شيء بدأ باختراق سيبراني.

وفي 19 أبريل/نيسان، تمكن قراصنة من الوصول إلى موقع الويب غير المؤمن جيدا على شبكة الإنترنت التابع لوكالة الأنباء القطرية (قنا).

وكان عنوان بروتوكول الإنترنت (الآي بي) روسي (على الرغم من أن ذلك لا يثبت أن الاختراق قد حدث من روسيا)، وبعد حوالي ثلاثة أيام، اكتشف المخترق ضعفا في ترميز الشبكة الداخلية لوكالة الأنباء واستطاع الدخول، وفي غضون بضعة أيام أخرى، كان المتسلل يسيطر على الشبكة بالكامل، وبدأ في جمع عناوين البريد الإلكتروني وكلمات السر والرسائل.

وبعد أسابيع، في الساعة 11:45 مساء يوم 23 مايو/آيار، دخل الهاكر نظام وكالة الأنباء، وحمل قصة إخبارية مليئة باقتباسات منسقة نسبت إلى أمير قطر، «تميم بن حمد آل ثاني»، وتم بث أقوال عن «تميم» يقول فيها إن «ترامب» ينتقد إيران، المنافس الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، باعتبارها «قوة إسلامية»، كما نسب له الحديث بحرارة عن «الإخوان المسلمون» وحركة «حماس».

وظهرت القصة المزيفة على الموقع في حوالي الساعة 12:13 صباحا، وسرعان ما أصبحت الأكثر شعبية في تاريخ الموقع، وفي وقت مبكر من صباح اليوم التالي، شرعت المواقع الإخبارية الإماراتية والسعودية في تغطية تعليقات الأمير المزعومة بتركيز مكثف وعلى نطاق واسع، وقد أغلق موظفو الوكالة الموقع، واتصل المسؤولون القطريون مباشرة بنظرائهم الإقليميين، وطلبوا منهم منع انتشار القصة.

لكن الصحافة الإقليمية بدأت تنشر عددا كبيرا من القصص السلبية عن قطر، متهمة إياها بدعم الجماعات الإرهابية والعمل ضد المصالح الأمريكية، وفي نفس التوقيت، ظهر جيش صغير من الحسابات على تويتر لمهاجمة قطر والمطالبة بمقاطعتها وقت الاختراق الأول للموقع.

وبحلول مطلع يونيو/حزيران، كان وسم «قطع_العلاقات_مع_قطر» يتصدر الاتجاه في تويتر باللغة العربية، وسرعان ما استجاب جيران قطر لذلك بالضبط.

وقال مسؤولون قطريون إنه من الواضح جدا ما حدث، وكان جيران الدوحة، السعودية والإمارات، يشككون منذ وقت طويل في جارتهم الغنية بالغاز، وقد أغضبتهم سياستها الخارجية المستقلة والناشطة ورعايتها لشبكة الجزيرة، وهي شبكة الأخبار الشعبية والمثيرة للخلاف التي تتخذ من الدوحة مقرا لها، والتي فازت بشهرة عالمية لتغطيتها انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وقد تلقت انتقادات العديد من الحكومات العربية.

وقد حاربت دولة الإمارات بشكل خاص دعم قطر لجماعة «الإخوان المسلمون»، وهي جماعة إسلامية سياسية عابرة للحدود، يعتبرها المسؤولون الإماراتيون تهديدا رئيسيا لاستقرارهم الداخلي، ويعتبرونها منظمة إرهابية.

التأثير على الزعيم الجديد

وعندما تم انتخاب «ترامب» رئيسا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، بدأت أبوظبي والرياض تستهدفان التأثير على الزعيم الجديد للعالم الحر ودائرته الداخلية، وتوقع السعوديون والإماراتيون، على نحو صحيح، أن «ترامب»، مع اعتماده الوثيق على الأسرة والمستشارين الموثوق بهم، لن يعتمد مثل الرؤساء السابقين على تحليل الدبلوماسيين والمسؤولين المهنيين، وقرروا العمل على الإطراء عليه والدعاية للسرد الخاص بهم في الوسط الاجتماعي المفضل لـ«ترامب»، وهو تويتر، رغم إعلان القطريين أنها كانت جريمة سيبرانية.

وتنكر الرياض وأبوظبي هذه الادعاءات، وتستمر في القول بأن قطر دولة مارقة تحتاج إلى أن يتم تركيعها، كما ينكرون التقارير التي تحدثت عن محاولتهم غزو قطر، لكن المسؤولين القطريين يقولون إن تحقيقاتهم الخاصة، إضافة إلى التحقيقات التي أجرتها وحدة الجرائم السيبرانية في مكتب التحقيقات الفيدرالي والجهاز الوطني لمكافحة الجريمة السيبرانية في المملكة المتحدة، كلها تشير إلى اتجاه واحد.

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد ذكرت في يوليو/تموز الماضي أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لديها دليل على عقد اجتماع في 23 مايو/آيار بين «محمد بن زايد»، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات، ودائرته الداخلية للموافقة على بث الأخبار المزيفة وإطلاق حملة إعلامية أوسع ضد قطر.

زيارات مشبوهة

وقال مسؤولون قطريون نقلا عن تحقيقاتهم الخاصة، وتلك التي قام بها مكتب التحقيقات الفدرالي والجهاز الوطني لمكافحة الجريمة السيبرانية في المملكة المتحدة، لـ«كوارتز» إن القراصنة الذين كانوا وراء الخرق كانوا على اتصال منتظم مع شخص ما في دولة الإمارات عن طريق سكايب منذ أبريل/نيسان.

وفي حوالي الساعة 11 مساء يوم 23 مايو/آيار، قبل نشر الخبر المزيف بقليل، بدأ موقع وكالة أنباء قطر على شبكة الإنترنت في ملاحظة ارتفاع غير عادي في حركة المرور، وقام اثنان من عناوين الـ«آي بي» في دولة الإمارات بالوصول إلى الصفحة الرئيسية لموقع الويب وتحديثها عشرات المرات على مدار الساعة والنصف التالية.

ويقول مسؤول قطري: «قطر ليست الولايات المتحدة، لا يوجد سوى عدد معين من الناس يصلون إلى موقع أخبارنا في منتصف الليل يوم الثلاثاء، لكننا وصلنا إلى ذروة النقرات في تلك الليلة، كان الناس يحدثون الصفحة في انتظار ظهور القصة على الموقع».

وقال المسؤول إن نحو 80% من النقرات قد جاءت من الإمارات، وقد ثبت ذلك بالدليل لـ«كوارتز» بالاطلاع على وثائق حركة السيرفر، وجاء معظمها من عنوان «آي بي واحد»، والذي تم تعقبه فيما بعد ليظهر أنه كان يعود إلى هاتف محمول واحد، ومرة أخرى، فقد كان من دولة الإمارات، وكان الهاتف، الذي كان يحدث الصفحة الرئيسية لوكالة الأنباء مرارا وتكرارا، أول من وصل إلى هذه المادة، قبل أن يعود المستخدم إلى المقالة أكثر من 40 مرة خلال نصف ساعة.

وفيما يتعلق بخصوم قطر، كانت القصة على موقع قنا دليلا قاطعا على ما قالوه للمسؤولين الأمريكيين لأعوام، و«ترامب» لأشهر، وهو أن قطر دولة تتقارب مع إيران وداعمة للإرهاب.

وفي البداية على الأقل، بدا أن «ترامب» قد ابتلع الطعم، وقد ذهب في رد فعله إلى القدر الذي قد يدفع إلى اعتقاد أن الحصار كان فكرته، وقد حث بعد ذلك دول الخليج على إيجاد حل دبلوماسي لمشاكلها، تحت ضغط من المسؤولين في البيت الأبيض.

وإذا كانت الادعاءات القطرية صحيحة، فإن ذلك ينذر بمرحلة جديدة ومخيفة من الصراع السيبراني، وفي الأعوام الأخيرة، سرق قراصنة مدعومون من الدولة رسائل البريد الإلكتروني لشركة سوني بيكتشرز وأطلقوها للجمهور، وتم اختراق وإطلاق رسائل البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي، والتي من المحتمل أن تكون قد غيرت مسار الانتخابات الأمريكية عام 2016، وتم إغلاق محطات توليد الكهرباء في أوكرانيا عن طريق الاختراق، وحتى الآن، لم يحاول أحد استخدام أدوات الحرب السيبرانية لإثارة حرب مادية على الأرض.

وهناك تكنولوجيا آخذة في الظهور الآن يمكن من خلالها إنتاج محاكاة رقمية مقنعة على نحو متزايد لقادة العالم، حيث تكتب فقط الكلمات التي تريد من «أوباما» أو «ترامب» أو أمير قطر أن يقوله، وستظهر في فيديو مقنع تماما، ومن شأن هذا أن يجعل الأخبار الوهمية أكثر قوة وأصعب للنفي.

وإذا كان المسؤولون الأمريكيون قلقين، فإنهم لا يقولون ذلك علنا، وقال «أندرو بوين»، وهو زميل زائر في معهد أمريكان إنتربرايز، يعتقد أن المستهدف الحقيقي من هذا الاختراق كان الرئيس «ترامب» نفسه، مضيفا: «لم أر مسؤولا أمريكيا واحدا يدين الهجوم الفعلي نفسه، كان الهدف في الأساس تشويه بلد آخر واستخدام ذلك كوسيلة لاستهداف رئيس الولايات المتحدة، وهذا أمر فوجئت بأن البيت الأبيض لم يعلق عليه صراحة».

وما يجعل الأزمة القطرية مثيرة للقلق حقا، أنها كادت تثير حربا أخرى في الشرق الأوسط، ويقول دبلوماسي غربي رفيع المستوى إن المشكلة تظهر أن الأخبار المزيفة تشكل استراتيجية جديدة، بحيث لا تستهدف مناطق واسعة من السكان في محاولة للتأثير على الرأي العام، بل تستهدف رجلا واحدا، وهو الرئيس «ترامب».

  كلمات مفتاحية

قرصنة قنا الإمارات قطر ترامب أخبار مزيفة