استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

يا يوسي بيلين .. آن أوان الجبهة

الثلاثاء 13 يناير 2015 09:01 ص

يوسي بيلين هو الرجل الاكثر اهمية في حياتي السياسية. بفضله دخلت إلى السياسة وبفضله تنافست على الدخول الى الكنيست، وطوال حياتي ساكون ممتناً له. إن تقديري له، - لا يعني بالضرورة انني أوافق على آرائه - هو تقدير تام وليس مقترنا باي تحفظ أو "لكن".

في بداية هذا الاسبوع إنتحب بيلين على صفحات جريدة "إسرائيل اليوم" على مواقفي، وانتقد دعمي لـ"حداش" (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) ولأفكار المساواة والمشاركة اليهودية العربية.

وبصياغة مؤدبة ودقيقة حدد خطوط الاختلاف بيننا حول تعريف الصهيونية و تعريف إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية. أود أن أعبر عن احترامي لاسلوب بيلين في النقاش و سأرد له بنفس الاسلوب. فربما بهذا نساهم معا بشيء ما في النقاش العام الدائر هنا، والذي قل جدا في الآونة الأخيرة.

إن التوجه الشخصي والحساس لبيلين نقل لي شعورا بالضائقة. وانا اتفهم ذلك. إن الطريق القيمي والفكري لبيلين وصل إلى نهايته ولم يعد قادرا على التقدم للامام.

بيلين هو الرجل الذي مضى إلى أبعد ما يمكن داخل حدود الرواية الصهيونية. لقد حقق انجازات رائعة ولكن الوقائع تشهد أنها لا تكفي وأن مجهود عمره تحطم أمام عينيه وهذا يحبطه ويحبط العديد من رفاقنا، ويصل بهم  تقريبا حتى حدود اليأس، يبدو ان هنالك شيئا خاطئا في افتراضاته الاساسية، و لكنه يرفض الاعتراف بذلك. ما زال يؤمن بان الاصلاح سيأتي بالتكرار المّمل للشعارات القديمة. وبعكسه فانني اؤمن بانه حان الوقت لتغيير في الرؤية من الدرجة الاولى.

حسب راي بيلين: "الصهيونية هي تاييد للراي القائل بان الشعب اليهودي يستحق تقرير مصير في دولة خاصة به". لست أناقش ذلك، لكن هذا قد تحقق، أليس كذلك؟

حسب رايي فان الصهيونية كانت سقالة حيوية اعدت لنقل الشعب اليهودي من مبنى النظام الطائفي في المنفى الى مبنى له سيادة، وهذا حدث سنة 5708 عبرية (1948م).

لقد استغرق الامر عدة سنوات لتثبيت وتقوية البيت الجديد، اليوم اسرائيل هي مبنى ثابت ومنيع. ألم يحن الوقت الان لإزالة السقالات؟

نجاح الصهيونية هو امر مدهش في نظر مواطنيها اليهود ولكنه باعث لليأس بالنسبة للباقين. لهذا من الواجب ان نواصل قدما من هذه النقطة، الى المرحلة القادمة من مراحل التطور الإسرائيلي، نحو مساواة  وديموقراطية كاملة. مع اقامة اسرائيل انتهت مهمة الحركة الصهيونية ويجب ان ترثها وتحل  مكانها الأسرائيلية.

الاسرائيلية معناها كيانا مدنيا متساويا، تؤَمِّن الوجود الشرعي للشعب اليهودي وتصحح الظلم القاسي تجاه الفلسطينيين. الاسرئيلية هي اسم العائلة لجميعنا اما الاسماء الفردية فهي الانتماء الثقافي والروحي للافراد و الجماعات الموجودة في وسطنا (يهودي، مسلم، مسيح، عربي.. الخ). لماذا نحتاج الى التعريف الصهيوني؟

إلّا اذا اردنا مواصلة تأبيد الظلم و الاضطهاد باسم الايدولوجيا التي حققت النجاح وانتهت صلاحيتها. وبصوت جهوري مبحوح انهال عليّ :"أنا أيضا صهيوني ووطني أيضاً"، لكنه لم ينتبه الى ان التبرير الصهيوني هذا كان هو ورقة التين والقناع  لرجال الاعلام اليمينيين. الذين لا يتورعون عن القول: "ها هو ايضا بيلين معنا".

من المؤلم و المحزن ان أقول ذلك، لكن الصيغة الحالية للصهيونية في إسرائيل هي الجهاز المركزي الذي ينتج التمييز ما بين اليهود وكل الباقين.

ومع هذه الصهيونية يتم القيام بفرز للقبول في المستوطنات وأماكن العمل، يتم الاعلان عن احتكارات تامة لليهود على الموارد الأرضية والطبيعية وعلى الحرية والحقوق والهوية. لقد قيل لي بصدق: أليست الصهيونية في اسرائيل هي في الحقيقة نوع من العنصرية؟

إن وجهة النظر الصهيونية وكذلك أيضا الليبرالية والمحافظة من المدرسة التي تتلمذ فيها بيلين وأنا، لم تستهدف في يوم من الايام بصورة جدية الانتقال من صهيونية اليهود الى مواطنة الجميع.

بيلين الصهيوني العنيد الشجاع الصادق، يرفض ان يفتح عينيه القيمية. رغم حقوقه الكثيرة والكاملة، فإنه يتبنى فكرا وممارسة المبادئ الأساسية الاستراتيجية التي حركت اسرائيل من لحظاتها الاولى وحتى شفا الجرف الحالي التي تقف إزاءه. فهو ملتزم بنموذج الفصل بين الشعوب و الجماعات، والاسوار الطبيعية وجدران  الوعي بين المواطنين، ليست فواصل لجيرة طيبة ولكنها جدران للمخاوف والكثير من الظلم.

لهذا  ورغم ان الامر يبدو غريبا، فإن بيلين صديقي وحبيبي ليس رجلا يساريا لأن اليسار ليس فقط تسوية سياسية جريئة ولكنه جهاز كامل من القيم والمبادئ والتي تشكل المساواة والعدل، الاساسين المهمين فيه.

وهكذا كما اثبتت الوقائع لا نستطيع الاستمرار في الحياة تحت مظلة الصهيونية وحتى صهيونية بيلين.

قبل عدة سنوات التقيت مع بيلين في نقاش سياسي في بروكسيل، وردا على احد اقوالي انفجر بيلين بغضب جاء من اعماقه وانهال عليّ: "إذا لم تكن اسرائيل دولة يهودية ديموقراطية فإنني لن أكون فيها". الآن حيث يكرر نفس الادعاء، فانني اود ان اجيبه باختصار.

إن صيغة "يهودية ديموقراطية" هي ذر خطير للرماد في العيون. وانت بدلا من النضال ضدها و تغييرها، تتملقها وتعظمها وتشرعنها.

الدولة -  كل دولة -  تعمل بقوة مصدر صلاحيات. مصدر الصلاحيات الديموقراطي هو الانسان انتِ و انتَ و انا. معا نخلق الارادة الجماعية و بقوتها يعمل كامل الجهاز. وعندما يقولون عن اسرائيل دولة ديموقراطية، فان القصد هو انها دولة حيث أن الانسان، المواطن هو مصدر القوة المحرك لاعمالها ولعدالة سياساتها.

ولكن عندنا كان هنالك "عملية" ليس فقط ديموقراطية ولكن أيضا يهودية وطالما كانت هذه "اليهودية" عنصرا ثقافيا ضم في داخله تاريخ، ثقافة، تراث، اخلاق، إحصاء، مواطنة، ودين؛ والتي كلها تقع تحت سلطة الفرد او الجماعة – من الممكن ان نتعايش معها ولكن هذا ومنذ فترة طويلة ليس هو الحال.

منذ أن شق المشروع اليهودي طريقه حيث كان هدفه الحاسم واضحا: السيطرة على الكل و تطبيق مصدر صلاحيات اخر تماما.

تغيير البرنامج ايضاً و كذلك اجهزة التشغيل ان المكوِّن الديموقراطي الاسرائيلي وضعَ (هنالك من هم مثلي سيقولون سيصادر) المسؤولية عن مضمون و تفسير المفهوم "يهودية" بأيدي افراد ومؤسسات مصدر صلاحيتهم ليس الإنسان. لهذا فإلى جانب المواطن السيِّد هنالك في اسرائيل سيد اخر – إلهي. في هذه الاثناء دخلت الشمولية الدينية لليهودية عن طريق البوابة الصهيونية الامامية، وتداخلت معها وسيطرت عليها. تريد تغيير الانجازات الرسمية لسنة 1948 بشيء مختلف تماما مصفِّيَة  بذلك كل احتمالات لعملية طبيعية مدنية وقومية شرعية.

وعلى هذا، يوجد لاسرائيل مصدرين فعليّين للصلاحية : الانسان والله. بيلين وبنيامين نتنياهو المعجبان بصيغة الاثنان بسعر واحد – يهودية و ديموقراطية –  يحاولان عمل غير الممكن:

التعايش مع مصدرين للصلاحيات يناقض أحدهما الآخر وإنكار المواجهة بين المصدرين والتي لا يمكن منعها. اليوم ما زال يجري الحديث عن "الحرب الباردة" بين الدين و الدولة، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة. وإذا كان هنالك موضوع يمكن أن يحدث بسببه حرب بين اليهود هنا، سيكون حول هذا الموضوع.

لأن اللقاء الاحتكاكي بين الديموقراطية والثيوقراطية هو لقاء مليء بالمخاطر كما هو الحال بين النيترو والجليسرين. وإن لم يكن هنالك فصل بينهما – سينتهي ذلك بالبكاء. و الكثير منه.

اعتقد ان الطريق الوحيد لانقاذ اسرائيل من هول الدمار الداخلي هو تغيير الخطاب القومي المتطرف بخطاب مدني. الانتقال من صراع رهيب بين حقوق زائدة لليهود وضائقات شديدة للعرب، ولبناء فضاء مدني مشترك و معقول.

إسرائيل التي اسعى اليها هي مجتمع ملتزم بالمعيارية المدنية. ديموقراطية تعود لكل مواطنيها ، حيث فيها كل الناس متساوون رغم الفوارق بينهم. فيها  لكل واحد منا يوجد الحق في نفس الحقوق. دولة يوجد فيها فصل بين الدين والدولة، وبين الانتماء القبلي والحقوق والحريات. من خلال مبدا المساواة الانسانية للفرد تستطيع ايضا التجمعات التوحد غي جسم قومي (واحد).

اليهود و الفلسطينيون يقرروا مصيرهم حسب رغبتهم ، بشرط أن يكون تقرير مصير احدهما لا يتم التعبير عنه بالدوس على الاخر. و بصورة أدق : قومية المتساويين – نعم ، أما  التعصّب القومي  (الشوفيني) لـ"المختارين" اللذين يترفعون عن الاقلية الموجودة في وسطهم ، و يعادون محيطهم – لا. وكل من هو غير مستعد للتنازل عن أداة التعالي، والتمييز، والفصل، هو حسب التعريف: شوفيني.

حداش "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"  الحالية ليست كاملة و الكثير جدا من اعضائها يرفضون ايضا الخروج من خصائصهم الراسخة التي ترسخت عبر السنين. و لكنها هي الوحيدة التي تطرح شراكة اسرائيلية مختلفة. يوسي ، أننا نعرف بعضنا منذ سنوات عديدة.

منك تعلمت أنه يمكن من امكانية  كامنة قيمية تشكيل  واقع حقيقي جديد، لقد تغيير الوقت للاسوء و ايضا للافضل لقد جاءت ازمان جديدة. ربما جاء زمن حداش "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"؟

ربما في وجهة نظري، التي تغضبك جدا، يكمن الاحتمال الوحيد لإنقاذ كل ما هو عزيز جدا عليك من أظافر شركائك – أعدائك الصهاينة الشوفينيين.

أبراهام بورغ مفكر يهودي معارض ورئيس الكنيست الإسرائيلي الأسبق. 

المصدر | هآرتس العبرية | ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

حداش غسرائيل يوسي بيلين أبراهام بورغ ديمقراطية يهودية عنصرية المساواة خطاب قومي متعصب خطاب مدني الشوفينية