مشروع القرار الفلسطيني- الاردني لمجلس الأمن (ديسمبر 2014): ملاحظات قانونية وسياسية

الثلاثاء 13 يناير 2015 09:01 ص

يشكل التصويت الذي اجري في مجلس الامن في ديسمبر 2014 بدون شك نصراً دبلوماسياً اسرائيلياً، وخاصة على خلفية القرارات السابقة للامم المتحدة وقرارات اخرى تم تبنّيها في الاشهر الاخيرة في عدد من البرلمانات الاوروبية. اذا كان هنالك شكوك للطريقة التي ستنتهجها الولايات المتحدة ازاء هذه الخطوة الفلسطينية، فقد تم تبديدها بفضل الموقف الصلب جدا الذي طرح في الاسابيع التي سبقت التصويت مقترنا بالتوضيحات التي تم اسماعها بدون شك للاعضاء الاخرين في مجلس الامن، بان الولايات المتحدة ستقوم بالتصويت بالفيتو حتى على صيغة ملطّفة للمسودة الاولى. و مع ذلك يجب الا يعطي التصويت الامريكي صورة مضللة بشان الوضع السائد في واشنطن في هذه الايام و كذلك بشان الاصوات التي تُسمع في الادارة الامريكية.

بالرغم من انه لم يتم تبني مشروع القرار فان هذا المشروع الذي قُدم لمجلس الامن من قبل الاردن، باسم "فلسطين"، جدير بالفحص. لذاته، فان مشروع القرار باسم الفلسطينيين شكل خرقا واضحا للتعهدات الفلسطينية طبقا لاتفاقيات اوسلو، و التي وافقت فيها اسرائيل و م.ت.ف على، ان ( الا يقوم اي طرف باي خطوة او اتخاذ اي موقف، من شأنه تغيير الوضع الراهن للضفة الغربية و قطاع غوة انتظارا للنتائج النهائية لمباحثات الوضع النهائي.

يجب التاكيد منذ البداية، بان مجلس الأمن التابع للامم المتحدة هو جسم سياسي، قراراته هي قرارات سياسية. لهذا، حتى لو تم تبني القرار فانها لم تكن لتشكل مستندا قضائيا او تصريحا في المحكمة الدولية، و لكنه فقط يعتبر تصريح بشان مواقف أغلب الدول الأعضاء في المجلس. طبقا للميثاق الاساسي لمنظمة الامم المتحدة، بإمكان مجلس الامن تبني قرارات ملزمة، و لكن ذلك يكون فقط اذا كانت القرارات قد اتخذت طبقا للبند السابع للميثاق، حيث يوجد "تهديدٌ للامن، أو خرقٌ للسلام، أو  خطوةٌ عدوانية". ل

ا يوجد أي قرار من قرارات مجلس الأمن منذ 1948 تم اتخاذه طبقا للبند السابع يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وحتى قرار 242 لم يتم تبنيه طبقاً للبند السابع، وقد أصبحت ملزمة فقط عندما تم تبنيها من قبل كل أطراف النزاع. وكذلك مشروع القرار الأردني الحالي امتنع عن استخدام ما ورد في البند السابع.

في حين أن قرار 242 استخدم لغة غامضة، من أجل تمكين الأطراف اجراء مفاوضات، فان مشروع القرار الأردني عبّر بصورة كاملة عن الموقف الفلسطيني دون أن يترك شيئاً للتفاوض عليه بين الأطراف. من الواضح، أن مشروع القرار جاء بوحي  من مبادرة السلام للجامعة العربية سنة 2002، لكنه يختلف عنها في عدد من النقاط المهمة.

مشروع القرار الأردني تضع جدولاً زمنياً مفصّلاً صارماً لإنهاء " الاحتلال " حتى ديسمبر 2017، في حين أن مبادرة الجامعة العربية لم تُشِر إلى جدول زمني من هذا النوع، بالاضافة لذلك، وخلافاً لمبادرة السلام للجامعة العربية، فإن مشروع القرار الاردني يتطرق في مقدمته إلى قرار "التقسيم " الصادر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة سنة 1947.

هذا الأمر  كان مفاجئاً، لأن قرار التقسيم أخرج القدس من الدولة اليهودية المقترحة و كذلك من الدولة العربية. زيادة على ذلك، قرار التقسيم تطرق بصورة مفصلة لدولة "يهودية" تقوم الى جانب دولة عربية. هنالك عنصر ايجابي بصورة خاصة في مبادرة السلام للجامعة العربية سنة 2002 و هو الإعلان الذي اشير فيه، أنّه نتيجة لتبني الاتفاق مع الفلسطينيين فإن كل الدول العربية ترى أن "الصراع العربي الاسرائيلي  كأنه قد انتهى، و يدخلون في اتفاق سلام مع اسرائيل". وكذلك "يقيمون علاقات طبيعية مع اسرائيل في اطار السلام الشامل هذا".

هذا التعهد الايجابي لجميع الدول العربية تم حذفه من مشروع القرار الأردني.

مع ذلك فإن مشروع القرار الأردني، بالرغم من أنه يدعو إلى انسحاب شامل من كل المناطق بما فيها شرقي القدس، فإنه يتطرق إلى امكانية " تبادل مناطق متفق عليه بين الجانبين، محدود و بنفس القيمة" – هذا الاقتراح لم يتم تضمينه في مبادرة الجامعة العربية .

إضافة الى البرنامج الزمني الصارم بصورة مصطنعة و للدعوة الى الإنسحاب الكامل فإن المشروع الأردني يقترح أيضا، أن يتم حل مشكلة اللاجئين العرب على أساس القرار رقم 194 (3 ) للجمعية العاملة للامم المتحدة. و مثله مثل مبادرة الجامعة العربية، يحاول مشروع القرار الأردني أن يُدخل ما يسمى "حق العودة" كشرط لأجراء المفاوضات .

تجدر الإشارة أنه في ذلك الوقت صوتت كل الدول العربية ضد القرار 194، و أنه في قرار مجلس الأمن رقم 242 لم يتم ورود أي إشارة إلى ذلك القرار. و بالمثل، أيضاً اتفاق كامب ديفيد مع مصر سنة 1978، اتفاق السلام معها سنة 1979، اتفاق السلام الاسرائيلي – الأردني، أو حتى اتفاقيات اوسلو لا تتضمن أي اشارة الى القرار رقم 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة. لهذا فإنه يجري الحديث هنا عن محاولة لإدخال عنصر غير مقبول تماماً من قبل اسرائيل و الذي تم إهماله فعلياً في كل الاتفاقات السابقة التي وقعت معها.

عندما صوتت الولايات المتحدة ضد القرار فإنها عبّرت ليس فقط عن عدم رضاها السياسي، بل إنها أوفت بالتعهد الذي أعطته كجزء من اتفاق السلام الاسرائيلي المصري سنة 1979 والذي عادت فيه الولايات المتحدة وأكدت تعهدها " بأن تعارض كل مبادرة تُطرح في مجلس الأمن، و إذا تطلب الأمر، أن تصوت ضدها في حال دعت الى تغيير صيغة القرار 242 و 338 بطرق لا تتساوق مع أهدافها الأصلية. 

إن التصويت الذي جرى في محلس الأمن في 30 ديسمبر 2014 يُشكِّل بدون شك نصراً دبلوماسيا اسرائيلياً و خاصةً على خلفية القرارات السابقة لمؤسسات الامم المتحدة الأخرى و الذي تم تبنيها في الأشهر الاخيرة من قبل عدد من البرلمانات في الدول الأوروبية.

واذا كان هنالك شكوك للطريقة التي ستنتهجها الولايات المتحدة ازاء هذه الخطوة الفلسطينية، فقد تم تبديدها بفضل الموقف الصلب جدا الذي طرح في الاسابيع التي سبقت التصويت مقترنا بالتوضيحات التي تم اسماعها بدون شك للاعضاء الاخرين في مجلس الامن، بان الولايات المتحدة ستقوم بالتصويت بالفيتو حتى على صيغة ملطّفة للمسودة الاولى.

مع ذلك يجب الا يعطي التصويت الامريكي صورة مضللة بشان الوضع السائد في واشنطن في هذه الايام و كذلك بشان الاصوات التي تُسمع في الادارة الامريكية.

إن خطاب السفير البريطاني عندما جاء لتبرير التصويت لدولته (الامتناع)، و طبقا له  وافقت بريطانيا مع صيغة القرار المعدل، و بأنها كانت ستؤيد إعادة فحص االفكرة بشأن "القرار حول معايير بشأن مسيرة السلام في الشرق الأوسط في سنة 2015)،  الأمر الذي من شأنه أن يعبر جيداً عن آراء أخرى موجودة في واشنطن.

 وبموجب ذلك، فإنه ليس التصويت الفرنسي فقط يشكل سبباً للقلق، و لكن الإصرار على مواصلة الدفع باتجاه تبني القرار في المستقبل. الأصوات الأربعة للاتحاد الاوروبي توزعت بين امتناع دولتين عن التصويت (بريطانيا وإيطاليا) وبين تلك التي دعمته ( فرنسا ولوكسومبورغ). وإذا حدث و تم إعادة طرح الموضوع على طاولة المناقشات سنة 2015، فليس هنالك سببٌ لنأمل أنه سيسجل تحسّن في تصويت أعضاء الاتحاد الاوروبي، حيث أن إسبانيا ستأخذ مكان لوكسومبورغ في مجلس الأمن.

في حين أنه يمكن أن نجد عزاءً معيناً في تصويت الأعضاء الأفارقة فإن أصوات دول أمريكا اللاتينية ذهبت لصالح مشروع القرار الأردني-الفلسطيني. ففي حين أن الجالية المهاجرة في تشيلي تستطيع تفسير تصويت هذه الدولة، فيجب عدم الاستهانة بتصويت الأرجنتين، وبحقيقة أن فنزويلا ستخلف الأرجنتين سنة 2015 وهذا سيلغي كل أمل للتغيير. نفس الأقوال يمكن قولها بشأن الطريقة التي ستصوت بها الدولتين الإسلاميتين سنة 2015 عندما سيتم إعادة طرح مسودة صيغة مشروع قرار مشابه، أو حتى مشروع قرار بصيغة أسوء.

إسرائيليون كثيرون ذهلوا من دور الأردن في التطورات التي قادت إلى إجراء التصويت في ديسمبر 2014، علينا التوضيح بهذا السياق، أن الأردن بكونها مندوب الجامعة العربية، لم يكن أمامها أي خيار سوى تقديم المشروع للتصويت والتصويت معه. مع ذلك فإن النشاط الفلسطيني في مجلس الأمن تقريباً لم يتم تنسيقه مع السفارة الأردنية في الأمم المتحدة، وخلف الكواليس أثار التكتيك الفلسطيني غضباً في عمّان.

إن هذا الوضع يطرح السؤال لماذا لم ينتظر الفلسطينيون حتى تحتل الأعضاء الأضمن بالنسبة لهم مقاعدها في مجلس الأمن و الذي جرى بعد ساعات قليلة فقط من إجراء التصويت فعلاً. هل كان ذلك نتيجة معلومات خاطئة عن الطريقة التي كان أعضاء معينون ينوون التصويت بها أو كما يطرح البعض، تعبيراً عن تفهم بأن القرار سيتم رفضه بدون أن تضطر الولايات المتحدة أن تضع فيتو عليه. بغض النظر عن  التفسيرات من الواضح أن المعركة السياسية الفلسطينية تتحرك الآن باتجاه حلبة مختلفة قليلاً.

نتائج انتخابات مارس/آذار 2015 في اسرائيل من شأنها تشجيع الفلسطينيين، ومن الممكن أيضاً اخرين لإعادة تقييم منبر مجلس الأمن وإذا حدث ذلك، يتحول الفيتو الأمريكي لأمر هام حقاً، و لكن متغيرات كثيرة جداً لا تسمح بالتوقع بصورة مؤكدة بانه سيتم استخدامه.

من هذه المتغيرات صيغة مسودة مشروع القرار و الوضع السياسي الداخلي سواء في اسرائيل أو في أوساط الفلسطينيين، الضغوطات التي سيتم فرضها من قبل حلفاء أوروبيين معينين للولايات المتحدة، و كذلك ضغوط من جهة دول عربية معينة. إن قيادة سياسية فلسطينية أكثر مهارة بإمكانها تغيير القرار الأمريكي المتعلق بكيف ستتصرّف في التصويت الجديد على، مشروع القرار الذي سيطرح أمام مجلس الأمن وهذا أصعب على التنبؤ به.

المصدر | روبي سيبل ،عوديد عيران | نظرة عليا العبرية

  كلمات مفتاحية

مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الفلسطيني-الاردني ديسمبر 2014 ملاحظات قانونية وسياسية الإدارة الأمريكية