رغم التكلفة المادية والبشرية.. لماذا يؤيد الإيرانيون تدخل قواتهم في سوريا؟

الاثنين 23 أكتوبر 2017 08:10 ص

في 27 سبتمبر/أيلول، حضر آلاف الإيرانيين جنازة «محسن حجي»، وهو جندي إيراني تم أسره وقطع رأسه من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. وكما أعلن رئيس مؤسسة الشهداء في إيران قبل بضعة أشهر، بلغ عدد القتلى بين القوات التي تقودها في الحرب الأهلية السورية 2100 قتيل. ومع ذلك، وعلى الرغم من الوفيات المرتفعة عامي 2015 و2016، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الدعم العام الإيراني للتدخل العسكري ظل قويا. فما الذي يفسر هذا الدعم المستمر؟

وتشير أبحاثي إلى أن الدوافع الدينية والحسابات الاستراتيجية والاستخدام الفعال لنشر القوات قد أقنعت أغلبية الإيرانيين بالحاجة إلى مشاركة دولتهم في الصراع الأهلي السوري.

من هم الإيرانيون الذين يقاتلون في سوريا؟

منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا في عام 2012، كان لإيران وجود متزايد في البلاد. وتظهر البيانات التي جمعتها من المصادر الفارسية على الإنترنت أن ما لا يقل عن 349 مواطنا إيرانيا، يشار إليهم عادة بالشهداء في هذه السياقات، قد قتلوا في سوريا، وبشكل أقل في العراق، في الأعوام الخمسة الماضية. وتغطي مجموعة البيانات هذه الفترة من (يناير/كانون الثاني عام 2012 إلى يوليو/تموز عام 2017). وتظهر تقارير أخرى معلومات أكثر تفصيلا عن الخصائص الاجتماعية والمهنية للقتلى. وتمنحنا المعلومات التي تم جمعها من النعي وسير الشهداء والمقابلات مع أسرهم نظرة ثاقبة ومفيدة عن نطاق تورط إيران في سوريا. 

وتجدر الإشارة إلى أن قوات الحرس الثوري الإيراني، التي تأسست بعد ثورة 1979 لحماية الجمهورية الإسلامية من التهديدات الداخلية والخارجية، هي المنسق الرئيسي للقوات التي تم إرسالها إلى سوريا. ويشكل القتلى من هذه المجموعة 81% من الوفيات الإيرانية في سوريا. أما الوفيات المتبقية فتأتي من الجيش والمتطوعين. ومعظم المتطوعين هم من قوة الباسيج، وهي منظمة شبه عسكرية تعمل تحت لواء الحرس الثوري الإيراني. ولدى هؤلاء المتطوعون مجموعة واسعة من المهن، يشمل ذلك الخراطين وأصحاب المقاهي والعاملين ومدربي فنون الدفاع عن النفس والمعلمين ورجال الدين والطلاب والموظفين الحكوميين.

ولمزيد من المعلومات حول هذه الإصابات، قمت أيضا بتحديد التوزيع الجغرافي للوفيات الإيرانية في سوريا.

وفي حين ظل معدل الإصابات منخفضا من عام 2012 إلى عام 2014، فقد ارتفع هذا المعدل عامي 2015 و2016، عندما شنت الحكومة السورية سلسلة من الهجمات لاستعادة حلب. وتشمل وفيات الحرس الثوري الإيراني 39 جنرالا.

وبالإضافة إلى التدخل العسكري، ساعدت إيران الحكومة السورية في الحصول على خطوط إمداد، حتى في الوقت الذي عانت فيه من عقوبات مالية وركود اقتصادي.

ما الذي يؤثر على الرأي العام بشأن الحرب؟

وتشير الأدبيات الراسخة حول الرأي العام والحرب إلى أن الجمهور عموما يتعاطف مع المصابين. وتشير الدراسات الاستقصائية حول المواقف العامة تجاه حرب العراق إلى أن التأييد العام الأمريكي للحرب قد انخفض بسبب إصابة الجنود الأمريكيين. ومع ذلك، تشير الدراسات الحديثة إلى أن الجمهور قد يتسامح مع الإصابات إذا كانت هناك مبررات معقولة وتوقعات للنجاح في العمليات العسكرية.

وتدعم مسوح الرأي العام الإيراني تجاه تورط إيران في الحرب الأهلية السورية الحجة الأخيرة. وتظهر ثلاثة استطلاعات للرأي، تم إجراؤها مؤخرا، أنه على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات في عامي 2015 و2016، ظل الدعم للمشاركة في سوريا مرتفعا باستمرار بين الجمهور الإيراني.

الدوافع الدينية

وتوجد عدة عوامل تفسر هذا التأييد الشعبي الذي لا يتزعزع. أولا، نجحت الحكومة في تبرير الاستراتيجية الإيرانية في سوريا بلغة أيديولوجية. ويتم تسمية المقاتلين الشيعة المدعومين من إيران في سوريا بـ«المدافعين عن الضريح»، في إشارة إلى مسجد السيدة زينب بالقرب من دمشق، ومكان دفن السيدة زينب، حفيدة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهي شخصية مقدسة عند الطائفة الشيعية. وقد أصبح «تدنيس» مسجد زينب وغيره من المقابر الشيعية المحبوبة من قبل «المتمردين» السوريين نداء عاليا للشيعة، ليس فقط من إيران ولكن أيضا من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان. ويكشف استعراض شهادات المقاتلين إلى أن الدعوة إلى الدفاع عن الضريح دفع المقاتلين إلى الذهاب إلى سوريا، حيث أشار الكثيرون صراحة إلى حماية الأماكن المقدسة ومنع المسلحين من الإساءة إلى الضريح كسبب للقتال. ويشير استطلاع أخير للرأي إلى أن 89% من الجمهور الإيراني يؤيدون أن الدفاع عن المواقع الدينية الشيعية هدف أساسي للسياسة الإيرانية في سوريا.

الشواغل الاستراتيجية

كما عمدت الحكومة إلى تبرير تورط إيران في سوريا بشواغل أمنية، قائلة إنه إذا لم تحارب إيران تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، فسيتعين عليها محاربة التنظيم في شوارع طهران. وقد حظى هذا الرأي بقبول الرأي العام الإيراني بعد التقدم الإقليمي الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. وأكد المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» هذه السردية قائلا: «إذا لم يتم إيقاف تنظيم الدولة سيكون علينا محاربتهم في كرمانشاه وهمدان (مقاطعات في غرب إيران)». ووفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يؤيد 87% من الإيرانيين إيران في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

الإدارة الفعالة لنشر القوات

وأخيرا، حاولت إيران استخدام عدد قليل من قواتها. وعلى الرغم من التصور العام بوجود الإيرانيين على نطاق واسع في سوريا، فإن عددا قليلا فقط من أفراد الحرس الثوري الإيراني يقاتلون في سوريا. وكثير من القتلى الـ 2100 أفغان (من أفغانستان أو يعيشون كلاجئين في إيران) وشيعة باكستانيون يقاتلون تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني. وقد قدر البعض أن نصف الوفيات فقط في سوريا تحت القيادة الإيرانية كانوا فعلا إيرانيين. ويبين تحليل الخسائر الشيعية أنه من عام 2012 إلى عام 2016، قتل نحو 255 أفغانيا و55 باكستانيا في سوريا. ويضيف الشيعة العراقيون واللبنانيون، معظمهم من مقاتلي حزب الله، إلى عدد المقاتلين الموالين للحكومة، الأمر الذي يظهر تنوع القوات الشيعية المدعومة من إيران. وبالنظر إلى تعداد أفرادها العسكريين البالغ عددهم 534 ألفا، نشرت إيران جزءا صغيرا جدا من قواتها في سوريا، وربما كان من بينهم أعضاء من النخبة. ويمكن لهذا الاستخدام الفعال للقوة العسكرية أن يخفف من القلق العام المحتمل بشأن إصابات الحرب.

وتفسر هذه الدوافع الأيديولوجية والاستراتيجية أيضا لماذا يواصل العديد من المتطوعين البحث عن فرصة للسفر إلى بلاد الشام. وعلى الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني حاول تجنب إرسال المتطوعين غير المدربين، فإن البعض قد تجاوز التدابير الأمنية الرسمية بتزوير وثائق الهوية وانضم إلى الوحدات الأفغانية. وحصل آخرون على موافقة السلطات بإقناعهم باستعدادهم للقتال من خلال التقديم المستمر للالتماسات.

ويظهر تسامح الرأي العام الإيراني مع الخسائر البشرية كيف يمكن للدوافع الدينية أو المخاوف الأمنية أن تقلل إلى حد كبير من حساسية الجمهور تجاه الإصابات العسكرية في الخارج.

  كلمات مفتاحية

إيران سوريا الحرس الثوري خسائر بشرية

قناة تليفزيونية إيرانية خاصة قريبا في سوريا