10 ثغرات وراء «مذبحة الواحات».. و«الداخلية» المصرية تخسر 3 معارك

الاثنين 23 أكتوبر 2017 02:10 ص

الجدل الصاخب في الشارع المصري، حول أسباب وتداعيات هجوم «الواحات»، غربي البلاد، الجمعة الماضي، الذي كبد «الداخلية» المصرية خسائر فادحة، بشريا ومعنويا، كشف عن ثغرات خطيرة، دفعت بالفعل إلى تفاقم حجم الخسائر، فضلا عن تضرر سمعة الأمن المصري، جراء تداول اتهامات صريحة بالخيانة كانت وراء الجمعة الدامي.

الاشتباكات العنيفة، وكثافة النيران التي تعرضت لها الحملة الأمنية في صحراء الواحات البحرية، على بعد 135 كيلومترا من القاهرة، أوقعت 58 قتيلا على الأقل، بينهم قيادات رفيعة المستوى، وهي أكبر خسارة لـ«الداخلية المصرية منذ نحو 4 عقود.

ما بين تسريبات متداولة، واتهامات بالخيانة، والحديث عن وجود رهائن لدى منفذي الهجوم، ومطالبات بإقالة وزير الداخلية المصري «مجدي عبدالغفار»، تتكشف العديد من الثغرات، التي تفاقم مأزق الأمن المصري، وتجعل من سيناريو «الحيتان» (المنطقة التي شهدت الاشتباكات) أمرا قابلا للتكرار.

قراءة ما وراء الكواليس

توقيت العملية التي بدأت الساعة الثالثة عصر الجمعة الماضي، وامتدت حتى الساعات الأولى من صباح يوم السبت، لم يكن في صالح الحملة الأمنية، ودخول ستار الليل ضاعف من ورطة قوة المداهمة، التي لم تكن على دراية من الأساس بدروب الصحراء، واضطرت بالفعل إلى الاستعانة بـ«دليل» في منطقة معروفة بكثرة الجبال الصخرية، وهما أمران كانا في صالح الخصم، الذي كان على دراية جيدة بالمنطقة، ما منحه ميزة نسبية في إدارة دفة المعركة.

ثالثا: يبدو أن الدقة غابت عن مسؤولي العملية من الجانب المصري، سواء فيما يتعلق بخط السير، وطبيعة الخصم، وحجم تسليحه، والدعم اللوجيستي المطلوب، فضلا عن غياب عمليات الاستطلاع، والاعتماد فقط على «دليل» أثناء الهجوم على تنظيم مسلح قد يضم عشرات أو مئات الأفراد، ويمتلك ترسانة ثقيلة من الأسلحة.

الثغرة الرابعة، وهي الأخطر، تكمن في غياب الإسناد الجوي، وتنفيذ عملية المداهمة في عمق صحراوي دون غطاء من طائرات الاستطلاع والمروحيات المقاتلة، ما فاقم من حجم الخسائر، وهو ما أقرته مصادر أمنية، أفادت بأن «الأمر كان يشبه الحرب فصدرت أوامر للقوات بالتراجع حتى وصول الغطاء الجوي»، بحسب صحيفة «الشروق» (مصرية خاصة).

خامسا، يؤخذ في الاعتبار، تمتع الخصم بميزة نوعية، جعلته في وضع اشتباك أعلى المدقات الجبلية، والصخرية، مقارنة بقوة أمنية على الأرض تتعرض لنيران كثيفة وقذائف صاروخية من أعلى دون غطاء جوي، ما عجل بارتباك الأمن المصري، بل استسلام بعض أفراده، وفق تسريبات متداولة.

خيانة وتحقيقات واسعة

من اللافت أن القوة التي نفذت الهجوم، تعرضت لـ«كمين» محكم، جاء بعد أيام من سلسلة هجمات دامية استهدفت ارتكازات أمنية وبنكا وكنيسة في مدينة العريش بمحافظة «شمال سيناء»، شمال شرقي البلاد، وفي ظل حالة تأهب أمني معلنة بالفعل، ما يعزز فرضية تسريب خط سير الحملة، وفق صحف مصرية.

تلميحات الخيانة والتسريب- حال صحتها- تعد سادس أخطر ثغرة ممكنة، قد تتسبب في إقالة مسؤولين، وحركة تغييرات شرطية واسعة، فضلا عن تحقيقات بدأت بالفعل لكشف أسباب المذبحة التي راح ضحيتها 23 ضابطا، من بينهم 10 ضباط عمليات خاصة، و7 ضباط بالأمن الوطني (جهاز استخبارات داخلي)، و6 ضباط أمن مركزي، وضابط بالمباحث، و35 مجندا.

المرشح الرئاسي السابق ورئيس وزراء مصر الأسبق، الفريق «أحمد شفيق»، تبنى وجهة نظر تعزز فرضية تعرض القوة الأمنية لخيانة من داخل وزارة الداخلية نفسها، ووصف ما حدث في هجوم الواحات بأنه «لم يكن مجرد اغتيال كمين منعزل»، على حد تعبيره.

وأضاف، في بيان عبر  صفحته على «تويتر»: «ما هذا الذي يحدث لأبنائنا، هم على أعلى مستويات الكفاءة والتدريب، هل ظلمتهم الخيانة، أو ضعف التخطيط لهم، أو كل الأسباب مجتمعة؟».

وتابع، متسببا في عاصفة من الجدل، قائلا: «أرجوكم.. لا تتعجلوا في الانتقام قبل أن تستوعبوا وتفهموا حقيقة ما دار أمس على أرض بلدنا الجريح، وفي عمقه. أرجوكم.. أدركوا أن ما حدث لم يكن مجرد اغتيال كمين منعزل، ولا هو مهاجمة بنك في مدينة حدودية، أبدا، لمن لا يفهم ولمن لا يريد أن يفهم ـ ما دار كان عملية عسكرية كاملة الأركان، أديرت ظلما ضد أكثر أبنائنا كفاءة ومقدرة وإخلاصا».

 

 

 

وجهة النظر تلك، تبناها كذلك الفريق «سامي عنان»، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق، فقد طالب في بيان رسمي له بأن «ينحي الجميع العواطف جانبا».

وقال: «نَحّوا العواطف جانباً الآن، لغة العقل والرشد، هي ما نحتاجها حالياً، ابحثوا عن الأسباب والدوافع وضعوهما في سياقهما الصحيح، شخَّصوا المرض بواقعية وبعقلانية، أدركوا حجم الكارثة التي نمر بها ونعيشها».

وتساءل «عنان»، قائلا: «هل أبناؤنا أعز وأكفأ ما نملك يكونون ضحية الخيانة وضعف وسوء التخطيط وعدم دقة المعلومات؟».

وتابع: «احترموا عقولنا تمتلكوا قلوبنا، إن مصر تتشح بالسواد حزناً وغماً ونكداً على هذه الكارثة المروعة، رحم الله الشهداء وعجل بشفاء المصابين، والعزاء لمصر، ولشعب مصر العظيم».

معركة الاتصالات والرهائن

سابعا، زاد الوضع سوءا أن قائد القوات المصرية لم يتمكن من طلب تعزيزات برية أو جوية بسبب رداءة الاتصالات في الصحراء، بحسب الـ«بي بي سي».

البرلماني المصري «مصطفى بكري»، المعروف بقربه من الأجهزة الأمنية، كشف هو الآخر في تدوينة له عبر «تويتر»، عن انقطاع الاتصال بين القوات المحاصرة والقوات التي تؤمن الطريق الرئيسي، سواء عبر هاتف الثريا، أو الهاتف الجوال، ما يعني أن القوة المهاجمة ظلت محاصرة دون دعم أو إمدادات حتى فجر اليوم التالي، في حين كان من المفترض أنها تحظى بمنظومة لاسلكية مؤمنة من الاختراق والتنصت، وأن مركز العمليات في وزارة الداخلية على تواصل دائم معها.

 

 

 

ووفق مصادر عسكرية، تحدثت في وقت سابق لـ«الخليج الجديد»، فإن ثمة ثغرة أخرى فادحة تتمثل في أن الجنود القتلى (35 مجندا)، في الأغلب هم خريجون جدد لا خبرة لهم، يؤدون خدمة التجنيد الإلزامية (3 سنوات لغير حاملي الشهادات الدراسية، وعام ونصف العام لحملة المؤهلات المتوسطة، وعام واحد لذوي المؤهلات العليا)، ويدفع بهم الأمن المصري إلى مناطق ساخنة، وبؤر ملتهبة، دون دراية بطبيعة الموقع، أو خبرة قتالية، أو تدريب نوعي(طالع المزيد).

تاسعا: من الأهمية إدراك أن من نصبوا الكمين للأمن المصري يملكون خبرات عسكرية قتالية عالية، كما يمتلكون أسلحة وصواريخ حديثة، ولديهم فرق استطلاع مدربة، أكدت تفوقهم على قوات الأمن الرسمية، خططيا وتكتيكيا وميدانيا.

عاشرا: انهيار المعنويات وغياب الروح القتالية لرجال الأمن، بدا ذلك جليا، في التسريبات المتداولة عن استسلام أفراد من قوة المداهمة، وإلقاء أسلحتهم، وهو ما دفع ربما إلى انتهاء معركة «الحيتان»، بسيناريو الرهائن، وهو تطور آخر يزيد من ورطة الأمن المصري.

المعلومات تشير إلى خطف ضابط و3 مجندين، وبعد أن كان الأمر محل تشكيك رسمي، باتت صحف مصرية تتداول مناشدات ومطالبات «علاء الحايس»، والد الرهينة النقيب «محمد الحايس»، ضابط مباحث قسم شرطة ثان أكتوبر، بمحافظة الجيزة، بالتحرك سريعا للعثور على نجله المفقود(طالع الفيديو).

ويمثل ارتفاع عدد الضحايا إلى هذا العدد (23 ضابطا و35 مجندا)، وتدمير مركبات القوة المهاجمة، واستيلاء المهاجمين على الأسلحة والذخيرة والهواتف التي كانت بحوزتهم، إحراجا كبيرا للمؤسسة الأمنية في مصر، التي خسرت معركة «الحيتان» وتورطت في معركة أخرى تتعلق بالرهائن، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت ستضحي بهم، أم ستلجأ للتفاوض لإطلاق سراحهم.

ولا تقل تداعيات التسريبات المتداولة، خطورة عن الكلفة البشرية الباهظة، كونها أثارت الكثير من البلبلة حول كفاءة جهاز أمني، ينفق المليارات في بلد فقير، ويعاني ارتباكا واضحا، يصل إلى حد تجريده من سلاحه، واحتجاز أفراد منه كرهائن، وفقط تصل التعزيزات الأمنية إليه لجمع جثث القتلى والجرحى(طالع التسريب).

شهادة الطبيب الذى روى ما سمعه من جرحى «الواحات»، تؤكد أنه بمجرد «وصول القوة الأمنية، استهدف المسلحون المدرعة الأولى والأخيرة في الرتل الأمني بقذائف الهاون، ما شل حركته، وأن المدرعة الأولى كانت تحمل 8 عساكر، وضابطا في جهاز الأمن الوطني قتلوا جميعا، إضافة إلى نقيب تعرض لبتر قدمه بسبب الانفجار، ثم هاجم المسلحون القوة وطالبوهم بالركوع وترك أسلحتهم، ثم بدأوا يسألون عن الضباط في القوة وأطلقوا عليهم النيران، وقتلوهم، بينما أطلقوا طلقات تعجيزية على الجنود في الأيدي والأرجل».

خلاصة القول، فإن مذبحة «الواحات»، تشكل إحراجا وتحديا كبيرين للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» قبل أشهر من خوضه الانتخابات الرئاسية لفَترة ثانية، خاصة مع تبخر وعود الأمن والأمان، وتوالي الثغرات والأخطاء السياسية والأمنية، بشكل قد ينسف جدوى حملته للترشح ثانيا، تحت شعار «علشان تبنيها».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر مذبحة الواحات الداخلية المصرية أحمد شفيق عبدالفتاح السيسي سامي عنان