«مذبحة الواحات».. ثلاثة مستويات من الارتباك داخل الشرطة المصرية

الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 08:10 ص

تلقت وزارة الداخلية المصرية تعليمات مشددة بضرورة التواصل والتنسيق مع الجيش والاستخبارات قبل تنفيذ أي عمليات مداهمة كالتي كانت الشرطة تستهدف تنفيذها، في منطقة الواحات بمحافظة الجيزة الجمعة الماضي، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من ضباط وأفراد قوات الأمن المصرية.

ونقل موقع «العربي الجديد» عن مصادر أمنية في الأمن الوطني (جهاز استخبارات داخلي) والأمن العام، قولهم إن «عملية الواحات خلفت ثلاثة مستويات من الارتباك بين قيادات وزارة الداخلية، أولها يتعلق بالمعلومات والمصادر التي كان جهازا الأمن الوطني والأمن العام يعتمدان عليها، وثانيها يرتبط بمستوى اللحمة الداخلية في الوزارة، أما المستوى الثالث فيرتبط بعلاقتها بالجيش والاستخبارات والأجهزة الأمنية الأخرى».

وأوضحت المصادر أن «قيادات الأمن الوطني في المحافظات المختلفة وفي المناطق المركزية تلقت تعليمات مشددة من الوزير مجدي عبدالغفار بضرورة مراجعة مصداقية جميع المصادر السرية، وأقوال المحبوسين الذين أدلوا بمعلومات مختلفة عن الجماعات التكفيرية وجماعة الإخوان، وأنشطتها على مدار الشهور الستة الماضية».

وأكدت المصادر أن «جهاز الأمن الوطني يعمل الآن على استجواب أفراد الدوائر الضيقة المحيطة بالأشخاص الذين أوصلوا تلك المعلومة للشرطة، لمحاولة التعرف على انتماءاتهم وعلاقاتهم المحتملة بتنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم المرابطين صاحب النهج القاعدي، الذي يتزعمه الضابط السابق هشام عشماوي».

هوية المنفذين

وحول احتمالات هوية مرتكبي عملية الواحات، قالت المصادر إنه « لا تتوافر لدى الوزارة إلا بعض المؤشرات المؤيدة لكل منها، من دون وجود دلائل حقيقية».

وتابعت المصادر: «الاحتمال الأول هو أن يكون منفذ الجريمة الإرهابية هو هشام عشماوي وجماعته المرابطين، وتدعم بعض المؤشرات هذا الاحتمال كالخبرة العسكرية الجيدة للمنفذين، وسرعة الأداء، والمعرفة الوطيدة بالمناطق الصحراوية غرب وادي النيل، لكن هناك مؤشرات أخرى تستبعد هذا الاحتمال كاحتمال أسر الضابط محمد الحايس ومجندين مفقودين آخرين كرهائن في العملية، فهذه ليست الطريقة المعتادة لعمل عشماوي الذي يميل إلى تنفيذ اعتداءاته بعيداً عن الاستعراض».

وأشارت المصادر إلى أن « أخذ الرهينة يدعم الخيار الثاني وهو مسؤولية خلية تابعة لتنظيم داعش، وعلى الأخص مجموعة جنود الخلافة التي نفذت في يناير/كانون الثاني الماضي عملية قريبة جغرافيا في كمين النقب بمحافظة الوادي الجديد، واستخدمت نفس الأسلحة تقريبا وهي قذائف آر بي جي ورشاشات بي كي وفرينوف، إذ إن تبعية هذه الخلية لتنظيم داعش يجعل من الوارد –والسهل عليها - استغلال الرهينة في إصدار تليفزيوني لتوظيفه في إعلان تفوقها على الشرطة».

وحول خيار ضلوع حركة «حسم» في العملية، قالت المصادر إن «هذا الاحتمال متراجع نسبياً بسبب جودة أسلحة المهاجمين، لكنه ما زال احتمالا قائما لكنه إذا تحقق فسوف يكون هذا دليلاً على تطور أعمال الحركة بما لم تتصوره الأجهزة المصرية خلال فترة قصيرة، كما سيعكس أيضاً تعاون الحركة مع تنظيمات أخرى للحصول على أسلحة متطورة».

ولم تستبعد مصادر «العربي الجديد» أن «تكون هذه العملية بداية لنشاط مجموعة جديدة، في الغالب داعشية التوجه، قد تكون منفصلة إداريا عن تنظيم ولاية سيناء ومجموعة جنود الخلافة».

ووصفت المصادر الاحتمال الأخير بأنه «خطير حال تحققه، إذ سيتوجب على الأجهزة المصرية بذلك مراجعة معلوماتها بشأن الخلايا الداعشية في وادي النيل، وبذل مجهود أكبر للتوصل إلى شبكات الاتصال وتهريب الأسلحة التي تربط شمال سيناء بالمحافظات بالحدود الغربية، لأن الأمن المصري كان يفخر بأنه استطاع تفكيك 3 خلايا كبرى لداعش في القاهرة والجيزة والصعيد منذ صيف 2016».

الإطاحة بوزير الداخلية

أما على مستوى الأوضاع الداخلية في الوزارة، فقد عكست الساعات التالية للعملية موجة واسعة من محاولات دوائر غير موالية للوزير «مجدي عبدالغفار»، في جهازي الأمن الوطني والأمن العام، للإطاحة بالوزير باستخدام وسائل الإعلام التقليدية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتأجيج المشاعر داخل جهاز الشرطة وبين أفراده، وفي الوسط الإعلامي لرفع أصوات المطالبة برحيل الوزير، وتغيير النظام الذي تدار به الوزارة بإشراف اللواء أحمد جمال الدين المستشار الأمني للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي».

وأكدت مصادر «العربي الجديد» أن «المجموعات التي تم تهميشها في الوزارة لأسباب مختلفة تتعلق بالكفاءة أو التبعية لوزراء الداخلية السابقين، كانت هي المسؤولة عن تداول نحو 20 تسجيلا صوتيا، بعضها تسريبات حقيقية، والبعض الآخر مصطنع لأحداث العملية وما تلاها من شهادات»، والتي أذاع أحدها الإعلامي المؤيد للنظام «أحمد موسى»، وتسبب له في إحراج كبير وحملة دعائية سلبية حتى في أوساط مؤيدي النظام، نظرا لتناقض المعلومات التي احتواها التسجيل مع بيانات وزارة الداخلية.

واعتبرت المصادر أن «تخوف السيسي من تفاقم حالة الصراع الداخلي» هو السبب الرئيس وراء عدم تعجله في اتخاذ قرار بإقالة «عبدالغفار» رغم «تعدد مشاكله ووضوح قصور إدارته للوزارة».

ويذكر أن تعيين «عبدالغفار» تم بالتزامن مع حركة واسعة لإبعاد مراكز قوى عتيدة في الوزارة بإحالتهم للمعاش وتجميد أنصارهم في وظائف مكتبية غير مهمة، تخوفا من عدم ولائهم لـ«لسيسي» أو من تبعيتهم لوزير الداخلية الأسبق «حبيب العادلي»، ما يعني أن الإطاحة «بعبدالغفار» ستضاعف عمليا حجم الانقسام في كل جهاز، خصوصا «الأمن الوطني» الذي ينتمي له «عبدالغفار» ويحتفظ فيه بمعظم مقربيه، على اعتبار أنه الجهاز القادر على جمع المعلومات، وبالتالي فهو الذي سيمنحه القوة لإدارة الوزارة.

وتلفت مصادر «العربي الجديد» إلى أن « العملية تسببت في زعزعة ثقة الضباط والأفراد في قرارات قياداتهم، فقد تم استبعاد نحو 60 عنصرا إضافيا من ضباط وأفراد قوات التدخل السريع والعمليات الخاصة صبيحة يوم العملية، رغم إبلاغهم يوم الثلاثاء الماضي بالاستعداد للمشاركة في مداهمة وكر إرهابي على طريق الواحات، ما يؤكد الفارق الشاسع بين الواقع وبين المعلومات الواردة عن المسلحين وعتادهم».

وأكدت المصادر أن «الاكتفاء بمشاركة أقل من 60 عنصرا لتنفيذ المداهمة، منهم ما لا يقل عن 10 ضباط أمن وطني غير متخصصين في الاشتباك، وغير مدربين على المواجهات المباشرة، يعكس الفشل الذريع في جمع المعلومات»، متوقعة أن «يصدر وزير الداخلية قرارات، غير معلنة، بمعاقبة بعض القيادات لتورطها في اتخاذ تلك القرارات وإساءتها التقدير».

أما على مستوى التواصل والتنسيق مع الأجهزة الأخرى كالجيش والاستخبارات، قالت المصادر: «من المؤكد أن الشرطة لن تستطيع تكرار ما فعلته في العملية الأخيرة بالخروج في عملية مداهمة في الظهير الصحراوي الخاضع أمنيا لسلطة الجيش، دون إبلاغ الجيش والاستخبارات بالمعلومات التي لديها ومراجعتها مع الاستخبارات الحربية والشرطة العسكرية».

وهو ما يكرس انضواء الشرطة تحت جناح الجيش كما كان الوضع في السنوات الثلاث التالية لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

المصدر | العربي الجديد+ الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عملية الواحات الجيش المصري مجدي عبدالغفار الاستخبارات العامة تنظيم المرابطين وزارة الداخلية المصرية وزارة الداخلية المصرية