وثيقة أمريكية: أمير سعودي نسق هجوما للمعارضة السورية على دمشق عام 2013

الأربعاء 25 أكتوبر 2017 12:10 م

اتخذت مجموعة من المقاتلين السوريين المسلحين مواقعها في 18 مارس/آذار عام 2013، وأطلقت عدة قذائف من الصواريخ على أهداف في قلب دمشق، عاصمة «بشار الأسد». وقد كان هذا الهجوم عرضا قاسيا للقوة من قبل المعارضين تحت راية الجيش السوري الحر، حيث تم استهداف القصر الرئاسي ومطار دمشق الدولي ومجمع أمن حكومي. وقد بعث برسالة شديدة اللهجة إلى النظام حول هزيمته المتزايدة في البلاد، بعد عامين من اندلاع انتفاضة ضد نظام الحكم.

لكن وراء تلك الهجمات، كان نفوذا لقوة أجنبية يلوح في الأفق. وطبقا لوثيقة سرية من وكالة الأمن القومي قدمها «إدوارد سنودن»، فإن الهجمات الصاروخية في مارس/آذار عام 2013 كانت بأمر مباشر من قبل أحد أفراد العائلة المالكة السعودية، وهو الأمير «سلمان بن سلطان»، لإرسال إشارة قوية في الذكرى الثانية للثورة السورية. وكان «سلمان» قد قدم 120 طنا من المتفجرات وغيرها من الأسلحة إلى قوات المعارضة، وأصدر لهم تعليمات بـ «إضاءة دمشق» و «تسوية» المطار، بحسب ما تظهره الوثيقة التي أصدرتها لجنة مراقبة الحكومة الأمريكية لفصائل المعارضة السورية.

وكان السعوديون عازمون منذ فترة طويلة على الإطاحة بـ«الأسد». وكان «سلمان» أحد المسؤولين السعوديين الرئيسيين عن ملف الحرب في سوريا، حيث شغل منصبا استخباراتيا رفيع المستوى، قبل ترقيته إلى نائب وزير الدفاع في وقت لاحق من عام 2013.

وتقدم وثيقة وكالة الأمن القومي لمحة عن كيفية تطور الحرب في مراحلها الأولى من الانتفاضات الشعبية والقمع. وبحلول وقت الهجوم، الذي وقع في مارس/آذار عام 2013، يمكن القول إن أهم ديناميكية في الصراع كانت تأجيج القوى الأجنبية على كلا الجانبين ما بدا أنه مأزق دموي أكيد. وتشير الوثيقة إلى مدى عمق مشاركة هذه القوى الأجنبية في أجزاء من الانتفاضة المسلحة، حتى في اختيار عمليات محددة لحلفائها المحليين للقيام بها.

وقال «آرون لوند»، خبير شؤون سوريا في مؤسسة القرن، وهي مؤسسة أبحاث مقرها نيويورك، «إن الثورة، والحرب بالوكالة، والحرب الأهلية، لا تنفي بالضرورة بعضها بعضا». وأضاف: «كل هذه الأمور قد تكون موجودة في نفس الوقت في نفس البلد كما حدث في سوريا».

وكانت الانتفاضة ضد «نظام الأسد» عام 2011 تتماشى مع موجة الثورات المدنية التي اندلعت عبر الشرق الأوسط في ذلك العام. وسعى الآلاف من الناس الذين يعيشون تحت ديكتاتوريات مجحفة إلى الإطاحة بحكامهم، مع إطلاق مظاهرات جماهيرية، وأحيانا التورط في هجمات مسلحة. واستلهاما للنجاحات الأولية في تونس ومصر، خرج السوريون إلى الشوارع بأعداد هائلة. لكن انتفاضتهم لم تكن قادرة على رسم نفس المسار السلمي. وردا على الاحتجاجات، شن «نظام الأسد» وقواته الأمنية حربا مفتوحة ضد شعبه، ورفض أي تغيير في السلطة.

وقد صدمت هذه الحملة المراقبين الدوليين. ولم تكن الانتفاضة المدنية في ذلك الوقت، التي تواجه الإبادة أو المقاومة، تحمل السلاح. لكن عندما رد «الأسد» بهذا العنف، فتح أيضا الباب أمام تدخل قوى أجنبية عديمة الضمير. ومنذ بدء النزاع، تلقى الجانبان من الحرب الأهلية السورية دعما كبيرا من الخارج. وحصلت جماعات المعارضة على المساعدة من تركيا وقطر والسعودية، بينما تم دعم الحكومة من قبل إيران وروسيا.

دور ملموس للقوى الأجنبية

وتمثل هجمات مارس/آذار عام 2013 في دمشق مثالا ملموسا على الدور الذي لعبته القوى الأجنبية في الواقع اليومي للصراع. وهناك عدد من مقاطع الفيديو التي نشرتها وسائل الإعلام السورية المعارضة في يوم الهجمات أظهرت إطلاق مقاتلي المتمردين الصواريخ على نفس المواقع المذكورة في الوثيقة الأمريكية. وأبلغت تقارير وسائل الإعلام المحلية ذلك اليوم عن هجمات وإصابات بالصواريخ في مناطق القصر الرئاسي وفرع أمن حكومي ومطار. وأشار ممثل للمرصد السوري لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة، في سرد خاص في اليوم التالي للهجمات، إلى أنهم لم يتمكنوا من تأكيد ما إذا كانت تلك الهجمات قد تسببت في وقوع إصابات.

ولم توضح الوثيقة الأمريكية، التي ترتكز على مراقبة «خطط وعمليات المعارضة»، ما إذا كانت الهجمات قد استهدفت عمدا المدنيين، أو شاركت فيها جماعات متطرفة، بيد أنها أظهرت أن جواسيس أمريكيين اكتشفوا الهجمات قبل عدة أيام من إطلاقها.

وقال «لوند»، الذي حلل مقاطع الفيديو للهجمات التي نشرتها فصائل المعارضة عبر الإنترنت: «يبدو أن هناك عدة مجموعات مختلفة، وكلها تعرف نفسها بأنها فصائل مختلفة من الجيش السوري الحر»، وكلها على ما يبدو ترتبط بالراعي نفسه.

وبسبب طبيعة التجزؤ داخل المعارضة السورية منذ الأيام الأولى للنزاع، فإن من الصعب معرفة من تلقوا أسلحة أخرى، أو ما هي الاستراتيجية، إن وجدت، التي يستخدمها الرعاة الخارجيون لمحاولة وضع مختلف الفصائل تحت السيطرة المركزية. ومع مرور الوقت، ساعدت هذه البيئة الاستراتيجية الفوضوية في ظهور الجماعات الإرهابية في سوريا، فضلا عن الميليشيات الإرهابية للنظام.

وتتطرق وثيقة الأمن القومي إلى مسألة محددة تواجهها المعارضة السورية، وأي جماعة متمردة، وهو سؤال من أين نحصل على الأسلحة والإمدادات؟

وفي سوريا، كانت أسلحة الانتفاضة تأتي في البداية من وحدات عسكرية منشقة، غاضبة من حملة القمع، وانضمت إلى المعارضة. وكان من بين الذين تحولوا ضد «الأسد» مسؤولين رفيعي المستوى مثل المقدم «حسين الهرموش»، وهو ضابط بالجيش كان قد ندد بالديكتاتور السوري بعد موجة من المجازر عام 2011.

ومع بدء الحملة الشرسة وبدء تدفق اللاجئين خارج البلاد، أصبحت الأسلحة التي حصل عليها المعارضون من قبل المنشقين والمداهمات على المرافق الحكومية غير كافية. وبدأت المعارضة بفتح قنوات مع قوى خارجية حريصة على رؤية «الأسد» يسقط. ولم يمر وقت طويل قبل أن تقدم الدول الأجنبية أسلحة للمجموعات التي تقاتل النظام. لكن تدفق الأسلحة التي ترعاها القوى الخارجية كان تطورا من شأنه أن يسهم في كسر المعارضة.

وقال «لوند»: «بحلول عام 2013، كان هناك انقسام كبير بين مصادر دعم المقاتلين الأجانب، بسبب تنامي التنافس بين السعوديين والقطريين» مضيفا أن تركيا تقف مع قطر

وأضاف: «كان هناك بعدا أيديولوجيا لجهة تلقي السلاح» فقد كانت الجماعات التي ترعاها قطر وتركيا أكثر ميلا نحو الأيديولوجية الإسلامية، في حين كانت تلك التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة والسعودية إما غير إسلامية أو تلتزم بنسخة من الإسلاموية لا تهدد مصالحهما، مما يعكس معارضة تلك البلدان لجماعة الإخوان المسلمين.

ويبدو أن فصائل الجيش السوري الحر في مقاطع الفيديو الخاصة بهجمات مارس/آذار عام 2013 كانت تابعة للجبهة الجنوبية المدعومة من السعودية والأردن، فضلا عن كتائب أحفاد الرسول. ويعطي اسم المجموعة مثالا على هذا النوع من الارتباك الذي ساد قوات المتمردين، حيث يبدو أن أحفاد الرسول قد استخدم من قبل مجموعات مختلفة، مع ميول أيديولوجية مختلفة، في أوقات مختلفة من الصراع.

مواصلة الحرب

وقد تمكنت المعارضة من تسليح نفسها ومواصلة تحدي النظام على مدى أعوام من الحرب الطاحنة. ولم يكن الهجوم الذي وقع عام 2013 على دمشق، والذي ورد في وثيقة الأمن القومي، بالإضافة إلى عدد غير معروف من الهجمات الأخرى، ممكنا إلا بفضل دعم أحد الرعاة الأقوياء مثل السعودية.

وخلافا للمجموعات القومية مثل جماعة الإخوان المسلمين، لم يثبت قط أن المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة قد استفادت من رعاية الدول القوية مباشرة. إلا أن تنظيم الدولة قد تمكن من الحصول على تمويل خاص وكميات كبيرة من الأسلحة الأجنبية، بما في ذلك الأسلحة الأمريكية، خلال الحرب التي اندلعت في سوريا والعراق. وعلى الرغم من استقلاليتها إلى حد كبير، فقد استفادت جبهة النصرة، التابعة للقاعدة، عام 2015، من مشاركتها في تحالف جامع بين المجموعات السعودية والتركية والقطرية، تحت اسم «جيش الفتح». وقد منحتها تلك الاستقلالية النسبية ميزة رئيسية.

وعلى مدار النزاع، كانت الجماعات الأكثر تشددا، بدعم من المانحين من القطاع الخاص والمتطوعين الأجانب، قادرة إلى حد كبير على هزيمة منافسيها في المعارضة التي اصطفت تحت مظلة الجيش السوري الحر. وكان على الفصائل من الجيش السوري الحر إدارة عملياتها وتحالفاتها من أجل الحفاظ على داعميها الأجانب إلى جانبهم. وقد اضطرت بعض المجموعات، على سبيل المثال، إلى التحرك ضد حلفاء سابقين مثل الأكراد السوريين للحفاظ على الرعاية التركية. ومن ناحية أخرى، تمكن المتشددون من العمل بمرونة مذهلة. واستفادوا من وجود عقيدة متماسكة وقاسية ومذهبية لفرض كادرهم ومناطقهم الخاضعة لسيطرتهم، وهي ميزة أخرى، في الوقت الذي قبل فيه السكان اليائسون أي نوع من النظام وسط انعدام الأمن المروع في الحرب الأهلية.

ولا تزال هناك فصائل ثورية مسلحة قومية تعمل في سوريا، بما في ذلك مجلس منبج العسكري، وهو فصيل من القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، فضلا عن عدد لا يحصى من نشطاء المجتمع المدني والجماعات العاملة في المناطق المحررة من سيطرة الحكومة. ولكن بعد 6 أعوام من بدء الحرب، و4 أعوام منذ الهجمات الواردة في وثيقة الأمن القومي، تحول تيار الحرب بشكل كبير. فالمعارضة السورية القومية، التي تقع بين مطرقة الجماعات المتشددة من جهة وسندان النظام من جهة أخرى، قد انهزمت إلى حد كبير في مواجهتها مع النظام. وجاءت هزيمتهم البطيئة في النهاية، على ما يبدو، بفضل التدخل الأجنبي من جانب إيران وروسيا، بشكل جزئي، لكن العامل الحاسم كان من خلال الانقسامات الداخلية للمعارضين.

وفي أحد مقاطع الفيديو التي تظهر صواريخ تطلق على مطار دمشق الدولي، يقول قائد للمعارضين، تم وصفه بالعضو في الجيش السوري الحر، للكاميرا إن الهجوم كان «إحياء للذكرى الثانية للثورة السورية»، وهو تماما ما سبق وأعلنه الأمير السعودي وفقا للوثيقة. وبعد بضعة أشهر من الهجوم الجريء على العاصمة السورية، نفذ النظام واحدة من أعظم فظائع الحرب، الهجوم بالأسلحة الكيميائية على ضاحية الغوطة في دمشق، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، وفقا للولايات المتحدة. وقد تسببت المجزرة الكيماوية، ورد الفعل الدولي الصامت، في إضعاف معنويات المعارضة، وساعد على حشد معركة طويلة من قبل النظام الذي أنهى الحرب لصالحه في النهاية.

لقد رسم التدخل الأجنبي المباشر في الهجوم صورة أكثر وضوحا للحرب التي كانت قد بدأت بالفعل تدور خارج السيطرة المحلية، مع تلاعب القوى الأجنبية بالسوريين في كلا الجانبين. وبينما كتب الأجانب الشيكات وشحنوا الأسلحة وأطلقوا الصواريخ على سوريا، فإن السوريين هم الذين تعرضوا للقتل وأجبروا على النزوح إلى المنفى، وهم من رأوا بلادهم تتمزق وتتجزأ، في صراع ما زال مستمرا في الإحراق والتدمير حتى اليوم.

المصدر | مرتزى حسين - ذا إنترسبت

  كلمات مفتاحية

السعودية المعارضة السورية بشار الأسد سلمان بن سلطان