مسيرة ضحايا فرنسا تعيد لها كبرياءها .. لكن ماذا بعد؟

الثلاثاء 13 يناير 2015 03:01 ص

لن تعود فرنسا إلى سابق عهدها أبدا بعد الهجمات التي شنها متشددون اسلاميون الاسبوع الماضي.. هذا ما خلص إليه رئيس الوزراء مانويل فالس بعد ساعات قليلة من وقوع الأحداث الدامية. لكن «ماذا بعد؟» كان السؤال الذي طرحته إحدى اللافتات في مسيرة تأبين الضحايا يوم الأحد.

وفي تعبير عن التضامن والمشاعر الوطنية الجياشة لم تشهده العاصمة الفرنسية منذ تحريرها من ألمانيا النازية عام 1944 تدفق 1.5 مليون فرنسي على شوارع باريس لتأبين 17 شخصا قتلوا في ثلاث هجمات استهدفت الصحيفة الأسبوعية شارلي إبدو ومتجرا للأطعمة اليهودية وشرطية في دورية.

كانت عبارة «فخور بكوني فرنسيا» هي الأشيع في تغريدات لا حصر لها على موقع تويتر من المشاركين في مسيرات شارك فيها 3.7 مليون نسمة على الأقل في أرجاء فرنسا من كل الأطياف السياسية والعرقية والدينية والاجتماعية.

وصف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند المشهد بأنه «الوجه الأفضل» لفرنسا. لكن تحين الآن المهمة الصعبة لتحويل هذا الزخم إلى عنصر قوة للتعامل مع المشاكل الأمنية والتشريعية والاجتماعية والاقتصادية التي تطرح كعوامل وراء خطر مازال ماثلا بشدة.

وحذرت صحيفة «لا كروا» الفرنسية الكاثوليكية قائلة «هذا الشعور بالوحدة هو بالقطع هش للغاية. لن يمر وقت طويل قبل أن تمحوه المشاحنات المعتادة والقسوة».

ظهرت الشروخ بالفعل قبل أقل من 24 ساعة صباح الاثنين حين استمع الفرنسيون إلى الحوارات الإعلامية وهم يتناولون إفطارهم كالعادة.

فرغم أن الحكومة الفرنسية حرصت على عدم القفز إلى استنتاجات بشأن الأصول الجزائرية للشقيقين شريف وسعيد كواشي المنفذين الرئيسيين لهجوم شارلي إبدو أو الأصول الأفريقية لأميدي كوليبالي منفذ الهجوم على متجر الأطعمة اليهودية يرى منتقدوها أن تلك الأصول مرتبطة بما يعتبرونه نقاشا تأخر كثيرا عن الهجرة.

وقال الرئيس الفرنسي السابق «نيكولا ساركوزي» الذي سار خلف أولوند في المسيرة بوصفه زعيما للمعارضة المحافظة لراديو آر.تي.إل «الهجرة غير مرتبطة بالإرهاب لكنها تعقد الأمور».

واستطرد «حين لا يتحقق الاندماج يخلق هذا مشكلة على أرضنا».

لم يقدم «ساركوزي» حلولا. لكن الموضوع يتداخل مع دعوته للمهاجرين «للاندماج» مع لغة فرنسا وثقافتها في إطار هدفه لاستعادة أصوات الناخبين من الجبهة الوطنية من أقصى اليمين قبل انتخابات الرئاسة القادمة عام 2017. 

مثل هذه التصريحات تصب في سياق متفجر شهد هجمات على أهداف للمسلمين في الأيام التي أعقبت سقوط 12 قتيلا في شارلي إبدو وحيث يدور نقاش حول الهوية أذكته كتب من ضمنها رواية جديدة تتخيل رئيسا مسلما لفرنسا عام 2022.

وتؤمن حكومة أولوند بأن الفرص المتساوية هي مفتاح الوفاق بين الأعراق لكنها مثل حكومات سابقة عليها أن تتعامل مع شعور بالعزلة نما على مدى سنوات في المناطق المحيطة بالمدن الكبرى حيث تعيش أعداد كبيرة من المهاجرين.

وأقر وزير الاقتصاد إمانويل ماكرون بذلك في حديث للصحفيين يوم الاثنين قائلا «هذه الجرائم المروعة ارتكبها شبان نشأوا في بلدنا التي لم تتمكن في أحيان من مساعدتهم على بناء مستقبلهم».

قانون المواطنة الفرنسي

تتعرض الحكومة الفرنسية لضغوط من شركائها الأوروبيين لخفض الاقتراض العام ومن غير المرجح أن تتمكن حكومة أولوند في أي وقت قريب من تمويل خطة مارشال الهائلة لإعمار العشوائيات التي وعدت حكومات سابقة بتنفيذها ولم تتمكن من الوفاء بهذا الوعد.

كما يصعب أيضا التعامل مع الضعف الملحوظ في قوانين العقوبات والأجهزة الاستخباراتية التي وعد رئيس الوزراء يوم الاثنين بالتعامل معها فورا.

وقال فالس للتلفزيون الفرنسي متحدثا عن مخاطر التشدد داخل السجون «يجب أن نفعل شيئا فيما يتعلق بالسجون. هذه أولوية». ويعاني عدد كبير من السجون الفرنسية من وجود نزلاء أكثر من طاقتها مثل السجن الذي التقى فيه لأول مرة شريف كواشي مع كوليبالي.

وبعد أحداث الأسبوع الماضي التي اعتبرها كثيرون «11 سبتمبر الفرنسي» تصاعدت المطالب بسن «قانون للمواطنة» على غرار القانون الذي أصدرته الولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001 لتعزيز الأمن بسلطات واسعة للمراقبة والاحتجاز.

واستبعد هذا تماما في فرنسا في الوقت الراهن. لكن رئيس الوزراء أقر بوجود قصور في مراقبة الجناة وقال إن هناك حاجة إلى موارد أكبر ومراجعة لحدودها القانونية. 

ورغم أن من اللقطات التي علقت في الذاكرة خلال مسيرة الأحد مشهد الرئيس الفرنسي وهو يتأبط ذراع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحتاج فرنسا إلى دعم ملموس من شركائها الأوروبيين لتصعيد حربها على الإرهاب.

ودعا وزير الداخلية «برنار كازنوف» يوم الأحد لمزيد من التعاون عبر الحدود قائلا إن ترتيبات الاتحاد الأوروبي لا تتناسب مع التعامل مع هذا التهديد. وطالب بإنشاء قاعدة بيانات مشتركة بشأن ركاب الرحلات الجوية والتي يعارضها حاليا البرلمان الأوروبي بسبب مخاوف متعلقة بالخصوصية.

وفيما قد يبدو مفارقة في يوم مسيرة كانت بالنسبة لكثيرين دعما لحرية التعبير دعا كازنوف أوروبا إلى التصدي لاستغلال شبكة الإنترنت في تجنيد شبان للقيام بأعمال عنف والترويج لخطاب الكراهية.

وقال «نحن بحاجة إلى العمل عن كثب مع شركات الإنترنت لضمان الإبلاغ عن أي محتوى يعد تبريرا للإرهاب أو دعوة إلى العنف والكراهية وإزالته إن أمكن».

وخلال الأشهر القليلة القادمة قد يسلط الضوء على ما إذا كانت فرنسا ستستمر في دورها العسكري في دول إسلامية مثل العراق ومالي وهي تدخلات أوردها رجل قيل إنه كوليبالي في تسجيل فيديو كدافع لشن هجومه.

وفي افتتاحية تلخص العبور الشامل إلى المستقبل الذي على فرنسا وزعمائها الإقدام عليه بعد تجارب الأيام القليلة الماضية استخدمت صحيفة لو فيجارو عنوان «بعد العواطف تأتي الشجاعة».

 

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية

فرنسا شارلي إيبدو قانون المواطنة الفرنسي ساركوزي كواشي كوليبالي