مجمع الحديث بالسعودية.. محاولة لاحتكار التفسير الديني

الأربعاء 25 أكتوبر 2017 03:10 ص

اعتبر مراقبون أن «مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف» الذي أمر الملك «سلمان» الشهر الجاري بإنشائه محاولة لاحتكار التفسير بما يخدم مصالح النظام السعودي وحده خصوصا مع تنحية الآراء الأخرى جانبا، داخل المملكة بالذات.

هذا الجهاز الجديد الذي ترأسه بأمر ملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ «محمد بن حسن آل الشيخ»، سيتكفل، بحسب بيان الإنشاء، بالقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب الموجودة في الأحاديث النبوية المروية عن النبي «محمد صلى الله عليه وسلم».

لكن هذا الجهاز الجديد يهدف بشكل أساسي واضح إلى تقديم صورة دينية تخدم النظام السعودي في سعيه نحو تغيير شكل الدولة التي تعتمد على التعاليم «الوهابية» التي أنشأها المصلح الديني «محمد بن عبدالوهاب» (1703-1791)، والتي قامت على أساسها الدولة السعودية الأولى.

كذلك، يخدم السلطات السعودية في سعيها الدؤوب نحو احتكار سلطة التفسير الديني في العالم الإسلامي وإضفاء المزيد من الشرعية على قراراتها السياسية الحالية أو المرتقبة، خصوصا في ما يتعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني أو فرض الضرائب وتخصيص القطاعات الحكومية التي يرى الإسلاميون أنها محرمة كونها تلحق الضرر بالشعب.

وكانت السلطات السعودية قد أقرت في وقت سابق عددا من القرارات التي تصادمت فيها مع التيارات المحافظة في البلاد، أبرزها قرار السماح بقيادة المرأة للسيارة وتجميد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية).

كذلك، قررت السلطات، بحسب تصريحات وزير الخارجية «عادل الجبير»، فصل آلاف الأئمة والمؤذنين من وظائفهم بسبب الاشتباه بانتمائهم لجماعات إسلامية متطرفة (في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين)، وتنظيم حملة طرد وإنهاء عقود استهدفت الإسلاميين غير الموالين لولي العهد «محمد بن سلمان» أو أولئك الذين رفضوا الانضمام إلى الحملات الإعلامية ضد قطر في الجامعات والمدارس، كما شنت حملة اعتقالات ضد تيار الصحوة الديني الذي يعد أكبر تيار في البلاد.

رؤية دينية تخضع لـ«بن سلمان»

ويعتبر مراقبون أن الخطوات المتسارعة التي ينفذها «محمد بن سلمان» بالذات في إطار ما يسميه الإصلاح الديني وآخرها خطوة إنشاء مجمع الحديث النبوي، تهدف إلى أمرين، الأول هو احتكار سلطة التفسير الديني داخل المملكة وخارجها خصوصا لدى التيار السلفي الذي ترعاه السعودية والذي استخدمت نصوصه عشرات الجماعات الإسلامية وأبرزها «الدولة الإسلامية» و«القاعدة».

ويعتبر هؤلاء أن احتكار هذا الخطاب وتمريره عبر الأجهزة الأمنية سيؤدي إلى تقديم رؤية دينية تخضع لـ«بن سلمان» وحده فحسب، وهو ما كان ظاهرا في قرار قيادة المرأة للسيارة، حيث اضطر أعضاء هيئة كبار العلماء الذين عارضوا طوال 60 عاما ضد هذا القرار إلى الموافقة عليه بل تشجيعه، وحذف جميع الفتاوى التي أصدروها من قبل عن مواقع الإنترنت الرسمية السعودية.

كذلك، تولت السلطات جمع الكتب الخاصة ضد قرار قيادة المرأة، والتي طبعتها هي نفسها، من الجامعات والجهات الرسمية، كما لم يعلق كبير أعضاء هيئة كبار العلماء وأكثر رجال الدين تحصيلا علميا في البلاد الشيخ صالح الفوزان والذي اشتهر بمعارضته الشديدة لقيادة المرأة سابقا على القرار، بل اكتفى بالصمت، والتوقيع على البيان الجماعي لهيئة كبار العلماء والذي برر القرار وتراجع عن فتواه السابقة.

رهان خاسر

الأمر الثاني تقديم صورة للقوى الغربية تتمثل في أن «بن سلمان» هو مخلص المملكة العربية السعودية من هيمنة التيار المحافظ لعقود طويلة، ما يعطيه أفضلية على حساب الدول الخليجية الأخرى، كما يسمح للمنظمات الدولية بالسكوت عن حملات الاعتقال التي ينفذها.

لكن هذا الرهان يبدو خاسرا، بحسب مراقبين، إذ إن تفريغ المؤسسات الدينية من محتواها الشعبي وإنشاء مؤسسات رسمية موازية لها هو خطأ تاريخي ارتكبه الرئيس المصري الراحل «جمال عبدالناصر» مع الأزهر الشريف، ما أدى في نهاية الأمر إلى سحب السعودية بساط تيار الريادة الإسلامية منه.

في هذا الإطار، يشير رئيس مركز القسط لحقوق الإنسان، المعارض السعودي «يحيى عسيري»، لـ(العربي الجديد)، إلى أن إنشاء مثل هذه المجمعات الدينية يجب أن يقوم به مستقلون مؤتمنون وليس سلطات قمعية مستبدة تحرف التفسير الديني على هواها وتتحكم وتوظف كل شيء حتى الدين، مع وجود مجموعات تبارك هذه الجريمة.

ويضيف: «في العصور القديمة وضعت أحاديث مكذوبة على النبي لتحقيق مصالح شخصية، ولعن النبي من كذب عليه متعمدا. السلطات اليوم التي تمارس الظلم عيانا جهارا غير مستأمنة على أمر مثل هذا بالطبع».

ويتابع: «النتيجة النهائية واضحة، فعندما تؤسس مجمعا وتعين أنت بالذات من يعملون فيه، وتدفع لهم الرواتب وتؤمن لهم المميزات الشخصية العديدة ستقول لهم بالتالي: فسروا الدين بالطريقة التي أريد. وبذلك، فإنك لا تريد منهم سوى النصوص التي تثبت موقعك ومكانتك، وستعمل على إخفاء أو تأويل النصوص التي تهدد عرشك».

وأعلنت السعودية في وقت سابق أنها ستراقب تفسير أحاديث النبي «محمد صلى الله عليه وسلم» لكيلا تستخدم في تبرير ما وصفته بالعنف أو الإرهاب.

وقالت وزارة الثقافة والإعلام السعودية إن هيئة التدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية، تهدف إلى القضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام وتبرر ارتكاب الجرائم والقتل وأعمال الإرهاب.

ومن المقرر أن يكون للمجمع مجلس علمي يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم، ويعين رئيسه وأعضاؤه بأمر ملكي.

ومنذ صعوده لولاية العهد، بدلا من ابن عمه الأمير «محمد بن نايف»، بدأ «بن سلمان» حملة تغييرات كبيرة في المملكة على المستوى الاجتماعي، كان من أبرزها، السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإنشاء هيئة الترفيه، إضافة إلى تهميش دور «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

ويشن جهاز أمن الدولة بالمملكة منذ 9 من سبتمبر/أيلول الماضي، حملته اعتقالات شرسة لعدد من أشهر الدعاة والخبراء، بدأت بالداعية الشهير «سلمان العودة»، ثم الشيخ «عوض القرني»، فالدكتور «علي العمري»، والخبير الاقتصادي «عصام الزامل»، لتتوسع الحملة وتشمل بعدها العشرات من الدعاة والناشطين والمفكرين وأصحاب الرأي وإعلاميين وقضاة، ووصلت حد اعتقال مسؤولين كبار في وزارة العدل.

المصدر | العربي الجديد + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية مجمع الحديث بن سلمان