«فاينانشيال تايمز»: الإمارات تستعرض عضلاتها في الشرق الأوسط

الأربعاء 25 أكتوبر 2017 03:10 ص

وراء الحواجز والطرق التي تم إنشاؤها حديثا، يضع العمال اللمسات الأخيرة على «قبة طافية» لامعة تخرج من الرمال مثل سفينة الفضاء الكبيرة. ويمثل هيكل اللوفر الجديد، الذي يبلغ وزنه 7 آلاف طن، محور متحف اللوفر الجديد، الذي سيتم افتتاحه أخيرا في أبوظبي الشهر المقبل.

ويعتبر المتحف المشروع الرئيسي في خطط التنمية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، ويأتي في إطار أحدث دفعة من جهود البلاد لتقديم نفسها للعالم كمدينة عالمية متسامحة تربط بين الشرق والغرب. وتشكل تلك الجهود جزءا من خطة استحضرها قبل عقد من الزمان جيل شاب طموح من القادة.

في ذلك الوقت، كان الحديث في عاصمة الإمارات العربية المتحدة حول فطام الاقتصاد من اعتماده على النفط، وإعداد وتهيئة الشباب والمجتمع المحافظ بالمهارات اللازمة للازدهار في العالم الحديث.

لكن العنصر العسكري قد أضيف إلى رؤية أبوظبي. وقد قامت الإمارات، التي قادها حكام أبوظبي، بنشر قوات قتالية في ساحات القتال في اليمن منذ عام 2015، وبرزت باعتبارها واحدة من أكثر اللاعبين الرئيسيين تدخلا في السياسة الخارجية في المنطقة.

ويقول أحد المسؤولين التنفيذيين، والمقيم منذ وقت طويل في الإمارات: «لم تعد الإمارات سويسرا صغيرة محبوبة». وكانت الانتفاضات الشعبية التي هزت العالم العربي عام 2011، وصعود تنظيم الدولة، والإحباط من الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما»، والمخاوف بشأن إيران، قد اجتمعت معا لتهز الشرق الأوسط وتشكل تفكير دولة الخليج الغنية بالنفط. وتسعى الإمارات الآن إلى اتباع استراتيجية من أجل التدخل في شؤون جيرانها، سعيا لتحقيق أهدافها الأمنية الوطنية.

وكانت الإمارات قد انضمت إلى المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر في قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر، في يونيو/حزيران. ويقول المسؤولون والمحللون الإقليميون إن الإمارات هي المدبر الرئيسي وراء الحصار. وقال تقرير للأمم المتحدة إن الإمارات تدعم «خليفة حفتر»، القائد العسكري في ليبيا في انتهاك للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على الأسلحة. كما قامت ببناء قاعدة عسكرية في ميناء عصب على البحر الأحمر في إريتريا، كما تقوم بإنفاق البترودولار للمساعدة في مواجهة نفوذ قطر على حماس في غزة.

ويعزى تحول أبو ظبي والسياسة الخارجية لدولة الإمارات إلى وفاة الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان» عام 2004، وهو الرجل الذي ساعد في تأسيس اتحاد الإمارات عام 1971، وبني سمعته كوسيط محايد.

واليوم، تفتخر الإمارات بما يصفه المحللون بأفضل جيش مدرب ومجهز في المنطقة، وهي قوة تم تطويرها بمساعدة مستشارين أجانب. ومن هؤلاء المستشارين «إريك برينس»، مؤسس شركة بلاك ووتر، شركة الأمن الخاصة. كما عمل «جيمس ماتيس» كمستشار لدولة الإمارات حول أفضل السبل لتحديث جيشها، قبل أن يصبح وزير الدفاع الأمريكي، ويعود الفضل إليه في صياغة عبارة "إسبرطة الصغيرة"، التي وصف بها القوة العسكرية للبلاد.

ويقول «كريستيان كوتس أولريخسن»، زميل الأبحاث في جامعة رايس في الولايات المتحدة: «إن الدور الحازم الذي تلعبه أبوظبي في الخليج وفي المنطقة بعيد تماما عن الدبلوماسية التوافقية التي اتبعتها في عهد الشيخ زايد». وأضاف: «ونظرا لانحياز أبوظبي إلى أطراف دون أطراف، وتقييد نفسها بحبل السعودية، فإنها قد تعرض نفسها للغرق في خطر انقسام إقليمي لم يحدث من قبل».

ولي العهد

والرجل الذي يقود التغيير هو «محمد بن زايد آل نهيان»، ولي عهد أبوظبي، خريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية، وابن الشيخ «زايد». وعندما توفي والده عام 2004، أصبح «خليفة»، الأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد، رئيسا للدولة. لكن «محمد» اعتبر منذ فترة طويلة «الرئيس الفعلي»، وغيب أخاه غير الشقيق عن السلطة.

ويساعد «محمد بن زايد» مجموعة صغيرة من الملازمين الموثوقين بمن فيهم «يوسف العتيبة»، سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة. ويقال إن «العتيبة» قريب من «جاريد كوشنر» صهر الرئيس «دونالد ترامب» ومستشار البيت الأبيض في الشرق الأوسط. ويعتبر «العتيبة» أحد أكثر الدبلوماسيين تأثيرا في واشنطن. وقد دفعت الإمارات الملايين إلى مراكز التفكير والاستشاريين، لضمان سماع رؤيتها العالمية في العاصمة الأمريكية، وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة من بريد «العتيبة» في وقت سابق من هذا العام.

كما أقام ولي عهد أبوظبي، البالغ من العمر 56 عاما، تحالفا وثيقا مع ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 32 عاما. ويتشارك كلاهما رؤى التحديث، ويواجهان معارضة سياسية ضئيلة. وكلاهما معاد لإيران الشيعية، التي تتهمها دول الخليج التي يقودها السنة بزعزعة استقرار العالم العربي، ويرى كلاهما الجماعات الإسلامية السياسية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تولت السلطة في مصر بعد ثورة 2011 قبل الإطاحة بها، كتهديد وجودي يواجه الملكيات المطلقة والمنطقة الأوسع.

وعندما دعا «ترامب» إلى عقوبات أمريكية جديدة على إيران هذا الشهر، وهدد بتمزيق الاتفاق النووي لعام 2015، كانت الإمارات والسعودية من بين الدول القليلة التي أشادت بذلك علنا.

ويقول «عبد الخالق عبد الله»، المحلل الإماراتي، إن إصرار الإمارات يعكس ثقة جديدة في أبوظبي، نظرا لمواردها «الناعمة» و«الصلبة»، بدءا من نفوذها المالي إلى العلاقات القوية مع الغرب وتزايد القوة العسكرية.

وتعد الإمارة موطنا لثاني أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، وهي هيئة أبوظبي للاستثمار، التي تقدر أصولها بأكثر من 800 مليار دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، تصاعدت مخاوفها حيال المنطقة بشكل أكبر من أي وقت مضى، أكثر حتى من أعوام ما بعد الثورة الإيرانية، والحرب بين إيران والعراق، وغزو صدام للكويت.

وقد دفعت أسعار النفط المنخفضة، منذ وقت طويل، أبوظبي الغنية إلى تأخير المشاريع وخفض الوظائف في الكيانات الحكومية. لكن الإمارات لا تزال تسعى للحصول على أحدث الأسلحة.

ويبلغ عدد سكان البلاد الأصليين أكثر من مليون نسمة، أي حوالي 10% من مجموع المقيمين داخلها. ومع ذلك، في عام 2014، في أحدث تقديرات الإنفاق العسكري، أنفقت الإمارات 22.8 مليار دولار على الدفاع، لتحتل المرتبة 14 عالميا، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام. وارتفعت واردات الأسلحة، ومعظمها من الولايات المتحدة، ومن روسيا أيضا وغيرها، بنسبة 63%، بين الفترتين 2007-2011 و 2012-2016، بحسب تقديرات المعهد.

ويصر المسؤولون الإماراتيون على أن المليارات التي تم إنفاقها في مجالات الثقافة والسياحة وصناعة التكنولوجيا الفائقة لن تؤتي ثمارها إلا إذا كانت المنطقة مستقرة.

ويقول «محمد المبارك»، أحد أعضاء مجلس أبوظبي التنفيذي، المكون من 18 عضوا، وهي الهيئة العليا لصنع القرار في أبوظبي: "إننا نضع كل تركيزنا على الأجيال القادمة. ... نحن بحاجة إلى منطقة مستقرة لنرى ثمار ما نقوم به اليوم".

لكنها تعد استراتيجية الإمارات الحالية عالية المخاطر، لدولة ازدهرت من خلال البقاء على الحياد تجاه الاضطرابات التي عصفت بالمنطقة.

وقد تعرضت سمعة الإمارات للضرر بالفعل، بسبب المخاوف إزاء ارتفاع عدد القتلى المدنيين والادعاءات بانتهاكات في اليمن، حيث يقدر أنه قد تم نشر نحو 1500 من القوات الخاصة الإماراتية كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية، لدعم الحكومة المنفية التي تقاتل وكلاء إيران، المتمردين الحوثيين. واتهمت هيومن رايتس ووتش الإمارات بدعم القوات اليمنية التي عذبت عشرات الأشخاص أثناء العمليات الأمنية. وتنفي الإمارات والسعودية تلك الادعاءات.

ومنذ تدخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في الصراع اليمني، دخلت البلاد فيما تصفه الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية من صنع الإنسان في العالم. وتقول الرياض وأبوظبي إنهما يدعمان الحكومة الشرعية. كما تقاتل القوات الإماراتية القاعدة إلى جوار القوات الخاصة الأمريكية.

ويقر المسؤولون الإماراتيون بأن تكلفة التدخل في أراض أجنبية كانت كبيرة ماليا ومن حيث السمعة. لكن «بن زايد» يبدو مقتنعا بنهج الإمارات الجديد. وتحدث العام الماضي عن «الدور البطولي» للجيش في الدفاع عن «الأمن العربي ضد محاولات التدخل في شؤونه الداخلية ومكافحة قوى التطرف». كما أشار إلى شعور متزايد في دول الخليج بأنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على واشنطن كحام لها، مضيفا أن هذه العوامل "تجعل من الاعتماد على الذات وعلى قدراتنا الدفاعية أولوية قصوى".

ويعد هذا الشعور إرثا تركه «أوباما»، الذي أشعل غضبا كبيرا داخل قصور الخليج. وقد اتهمه قادة المنطقة بالتخلي عن الرئيس المصري السابق «حسني مبارك»، في اضطرابات الربيع العربي. كما استنكروا قراره بتوقيع الاتفاق النووي مع طهران، معتقدين أنه سيشجع إيران على توسيع نفوذها. وقد تحسنت العلاقات مع إدارة «ترامب»، بيد أن مسؤولي الخليج يدركون أن الرئيس الأمريكي لا يمكن التنبؤ به.

وقد تولت الإمارات، في تحالفها مع السعودية، الأمور بأيديها. وقد قادت أبوظبي والرياض فرض الحصار على قطر، متهمة إياها برعاية الإرهاب والتدخل في الشؤون الإقليمية ودعم الجماعات الإسلامية السياسية، على الرغم من كونها حليفا رئيسيا للولايات المتحدة وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. وحتى الآن، رفضت الإمارات والسعودية ضغط وزارة الخارجية الأمريكية لحل الأزمة دبلوماسيا.

تكلفلة التدخل

ويقول «إيميل حكيم»، وهو زميل رفيع المستوى في مجال الأمن في الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إنه في الوقت الذي تشعر فيه الإمارات بالقلق إزاء «تقلص دور الولايات المتحدة .... فإذا كنت تريد التأثير على الولايات المتحدة أو الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى، عليك أن تبدو ذو مصداقية، وتكوين الجيش أمر ضروري في هذا الصدد».

ولكن هناك تكلفة بشرية. فقبل عامين، تم قتل 45 جنديا إماراتيا في يوم واحد في القتال في اليمن، وهو أكثر الحوادث فتكا في التاريخ العسكري لدولة الإمارات. وقد بنت أبوظبي نصبا تذكاريا ضخما لأفراد الأمن الذين قتلوا أثناء «تأدية واجبها»، وكانت الغالبية العظمى منهم في اليمن خلال العامين الماضيين.

وأفاد مراقبون أن الاحتفال الذي بدأ العام الماضي بمناسبة عيد الشهداء، هو عطلة رسمية جديدة تشكل جزءا من الجهود الرامية إلى تعزيز الشعور القومي وضمان الدعم المحلي لموقف الدولة العدواني. وحتى الآن، يبدو أن القادة قد حصلوا على موافقة المواطنين الإماراتيين. ويذكر أحد رجال الأعمال كيف أخبر ابنه أنه لم يكن عليه أن يؤدي الخدمة الوطنية، التي تم إدخالها إلى البلاد عام 2014 في سن 18-30 عام، لأنه كان ابنه الوحيد. ولكن الشاب، البالغ من العمر 18 عاما، «توسل له أن يقوم بذلك»

ويقول رجل الأعمال: «إذا تحدثت إلى معظم مواطني الإمارات، فسيقولون بأن التدخل في اليمن كان أمرا جيدا، حتى لا يأتي الإيرانيون إلى شبه الجزيرة». لكنه يضيف أن الجيل الأكبر يساوره القلق من أن يتحمل المواطنون الإماراتيون الأصغر سنا التكلفة.

ويضيف رجل الأعمال: «إنهم يعتقدون أننا نقوم بتشكيل المنطقة. مشكلتي هي أننا نعطي أنفسنا وزنا أكبر مما نستحقه. فعندما نبدأ العمل العسكري في الخارج، تصبح معرضا بشكل أكبر لحدوث شيء في الداخل، لا سيما عندما يكون شعبك أقل من 10% من السكان».

المصدر | فاينانشيال تايمز

  كلمات مفتاحية

الإمارات محمد بن زايد اليمن تدخلات عسكرية