«أمريكان إنترست»: سقوط كركوك.. صنع في إيران

الخميس 26 أكتوبر 2017 03:10 ص

مرة أخرى، تثبت استراتيجية طهران نجاعتها، حيث اتفق العديد من وكلائها على تقويض آمال الاستقلال الكردية.

وكانت القوات العراقية قد استولت على مدينة كركوك من الأكراد الأسبوع الماضي. وقتل 22 مقاتلا كرديا في مقاومة متقطعة وغير منتظمة، بينما قتل سبعة جنود عراقيين. وهي نكسة جلية بالنسبة للأكراد، الذين أجروا استفتاء على الاستقلال قبل بضعة أسابيع فقط. ويقلل فقدان كركوك، خاصة في ظل الموارد النفطية الضخمة للمدينة، من احتمال قيام دولة مستقلة في منطقة الحكومة الإقليمية الكردية شمال العراق.

وتدخل القوات العراقية الآن مناطق أخرى كانت حكومة إقليم كردستان قد سيطرت عليها في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك مدينة سنجار، على مقربة من الحدود مع سوريا.

وفي الوقت نفسه، ينزح المدنيون الأكراد باتجاه مدينتي أربيل والسليمانية. كما تنسحب القوات الكردية من منطقتي مخمور وخانقين. ويعد مصير المدنيين الأيزيديين الذين تحملوا العبء الأكبر من اعتداء التنظيم صيف عام 2014، غير مؤكد، في حين ينتظرون وصول القوات العراقية.

ذكريات حزب الله

ويستدعي الاستيلاء على كركوك التحركات السريعة والحاسمة الأخرى للسيطرة التي شهدها الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة. ولعل أقرب موازاة لهذا هو استيلاء حزب الله على غرب بيروت في مايو/أيار ويونيو/حزيران عام 2008. ثم سعي الجبهة المؤيدة للغرب (حركة 14 آذار) إلى تأكيد سيادتها وقدراتها المستقلة على اتخاذ القرارات.

وكان لديها العديد من الأصدقاء في الغرب الذين بالغوا في تقدير قوتها وقدرتها على مقاومة الضغوط. وفي الحالة اللبنانية أيضا، جاء التحرك المفاجئ والقوي من جانب وكيل إيراني بسرعة ليعيد ضبط ميزان القوى، ويظهر للعنصر الموالي للغرب أنه مجرد تابع، وأن المزيد من «المقاومة» تعد استراتيجية مثمرة.

وهناك سبب آخر لملاحظة التشابه بين كركوك أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 وبيروت عام 2008. وعلى وجه التحديد، كان الفصيل الذي حقق الانتصار من خلال الاستخدام الحكيم للمناورات السياسية والتطبيق المفاجئ للقوة، في كلتا الحالتين، أحد وكلاء الحرس الثوري الإيراني.

وفي لبنان، كان الوكيل هو حزب الله، النموذج الأولي للمنظمات السياسية والعسكرية التي ترعاها قوات الحرس الثوري، والتي تستخدمها إيران الآن لممارسة نفوذها عبر رقعة واسعة من الشرق الأوسط.

وفي العراق، كانت القوة المناظرة هي وحدة الحشد الشعبي. وقاد هؤلاء المقاتلون دخول كركوك، وذلك بالتنسيق الوثيق مع الفرقة المدرعة التاسعة للجيش العراقي، ووحدة الاستجابة للطوارئ التابعة للشرطة الاتحادية، وقوات مكافحة الإرهاب المدربة من قبل الولايات المتحدة.

وبرزت الميليشيات الشيعية تحت مسمى الحشد الشعبي في يونيو/حزيران عام 2014، بعد فتوى من رجل الدين الشيعي العراقي الشهير «آية الله علي السيستاني» لمواجهة «الدولة الإسلامية»

وتتألف قوات الحشد الشعبي الآن من حوالي 120 ألف مقاتل، وبينما ترتبط العشرات من الميليشيات بها، تشكل مجموعة صغيرة من التشكيلات الأكبر ركائزها المركزية. وتعتبر المجموعات الثلاث الأكثر أهمية موالية لإيران وترتبط مباشرة بالحرس الثوري. وهي كتائب حزب الله العراق برئاسة «أبو مهدي المهندس»، وعصائب أهل الحق، برئاسة «قيس الخزعلي»، ومنظمة بدر، بقيادة «هادي العامري». ويرتبط هؤلاء القادة الثلاثة ارتباطا وثيقا بالقائد العام لقائد فيلق القدس، «قاسم سليماني».

وكان كل من «العامري» و«المهندس» و«سليماني» نفسه موجودين في كركوك في 15 و16 أكتوبر/تشرين الأول، لإرساء أسس الاستيلاء على المدينة. كما لعب مقاتلو بدر وأهل الحق دورا بارزا في التوغل في المدينة. لكنهم لم يكونوا العنصر الوحيد المرتبط بإيران في كركوك. حيث يبدو أن التراجع الكردي كان نتاج صفقة بين الحكومة المركزية العراقية والحزب الكردي الذي يسيطر على كركوك، الاتحاد الوطني الكردستاني. ووفقا لتقارير عن شهود عيان، تخلت قوات البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني عن مواقعها، الأمر الذي جعل من المستحيل الدفاع عن المدينة.

علاقات قديمة

وتعود العلاقات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وإيران إلى 25 عاما، إلى الأيام التي كان فيها كلاهما ضد نظام «صدام حسين» في بغداد. وبسبب هذا التحالف، دعم الاتحاد الوطني الكردستاني على مضض استفتاء الاستقلال الكردي في 25 سبتمبر/أيلول.  وشكل واقع الانقسام في السياسة الكردية، وغياب قوة عسكرية موحدة، والتحالفات والتوجهات الدولية المختلفة بين الطرفين الرئيسيين في حكومة إقليم كردستان، وهما الحزب الديمقراطي الكردي التابع للرئيس «مسعود بارزاني» والاتحاد الوطني الكردستاني، هشاشة مركزية منذ وقت طويل للنظام الكردي في شمال العراق. ويبدو أننا شهدنا استغلالا بارعا لهذا الضعف والانقسام، مع التحول المفاجئ والحاسم من وكلاء إيران.

وظهرت تفاصيل في وسائل الإعلام الكردية عن صفقة مزعومة تم التوصل إليها بين «بافل طالباني»، الابن الأكبر لزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني السابق والرئيس العراقي السابق «جلال طالباني»، و«هادي العامري» من الحشد الشعبي. (بعض المصادر تدعي أن الاتفاق كان مع المهندس، وليس العامري). ونتيجة لهذه الصفقة، تنشأ سلطة جديدة في إقليم جديد يجمع حلبجة والسليمانية وكركوك، تدار من قبل الحكومة العراقية والأكراد (أو بالأحرى، الاتحاد الوطني الكردستاني) لفترة غير محددة. وتتولى الحكومة الاتحادية إدارة آبار النفط في كركوك وغيرها من المواقع الاستراتيجية في المدينة، مع الإشراف أيضا على مرتبات القطاع العام.

ويعني وجود مثل هذا العميل، أو السلطة الدمية في أيدي الحكومة المركزية، انتهاء أي آمال في تقرير المصير الكردي في المستقبل القريب. وكان الهدف من الصفقة تقسيم السياسة الكردية العراقية إلى اثنتين، وجعل من المستحيل بدء أي تحركات أخرى نحو الانفصال. وعارضت إيران الانفصال بشدة، حيث تريد السيطرة على العراق من بغداد والحفاظ على نفوذها بلا قيود على بلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط.

ولم تكن هذه الصفقة ممكنة إلا بسبب الاستثمارات الذكية التي قامت بها إيران في سياسة كل من العراقيين الشيعة والأكراد العراقيين خلال العقود الماضية، بالإضافة إلى المزج الحكيم بين القوة السياسية والعسكرية، وهو فن يتفوق فيه الإيرانيون.

وفي الواقع يتجاوز نفوذ إيران في العراق، السياسي والعسكري، الحشد الشعبي والاتحاد الوطني الكردستاني. وتتولى وزارة الداخلية السيطرة على الشرطة الاتحادية، وهي إحدى القوات المشاركة في مسيرة السيطرة على كركوك. وفي الوقت نفسه، فإن وزير الداخلية هو «قاسم الأعرجي» ممثل منظمة بدر في حكومة رئيس الوزراء «حيدر العبادي». وبطبيعة الحال، فإن حزب «العبادي»، الدعوة الإسلامية، هو جماعة إسلامية شيعية ذات علاقات قوية مع إيران.

لذا، يعد التأثير طويل الأمد، الذي غالبا ما يكون غير مرئي، الذي تمارسه إيران على كل من الحياة السياسية والعسكرية العراقية والكردية، أمر قوي بالفعل. وكل ما شهدناه ونشهده هذا الأسبوع، مجرد تفعيل مفاجئ لهذا التأثير.

وكان رد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على الاشتباكات تأكيدا على أن الولايات المتحدة «لا تنحاز لأي من الجانبين، لكننا لا نحب حقيقة أنها تتصادم معا». وهذا دليل في الواقع على الصعود الهائل للنفوذ الإيراني في العراق، بالنظر إلى صراع السلطة بين الجانبين والتدخل العميق من قبل إيران والحرس الثوري الإيراني في بغداد. ولا يتوافق مثل هذا الموقف مع إدانة الرئيس في خطابه، الأسبوع الماضي، عن «العدوان المستمر» من قبل إيران في الشرق الأوسط. ويبقى أن نرى ما إذا كان الرئيس سيعبر عن أي نتائج سياسية حقيقية في وجهات نظره المعلنة. وفي هذه اللحظة، على الأقل، فإن الفجوة بين الكلمة والفعل تبدو صارخة.

وفي الوقت نفسه، يستمر تقدم الميليشيات الشيعية وحلفائها العراقيين. وقد تخلت حكومة إقليم كردستان عن مواقعها في الغرب. وفي مناطق سنجار وخانقين ومخمور والكوير وغيرها من المواقع على سهل نينوى، يمضي العراقيون قدما. ويبدو أن المقصد من هذا هو استعادة كامل السهول، حيث كانت تسيطر عليه البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، وليس الاتحاد الوطني الكردستاني. ومع ذلك، فقد تراجعت قوات البيشمركة حتى الآن دون مقاومة. وليس من الواضح في الوقت الراهن المدى الذي تنوي وحدات الحشد الشعبي والعراقيون الذهاب إليه، أو عند أي نقطة سيظهر البيشمركة موقفا.

إنه يوم أسود للأكراد، من كل زاوية. ويؤكد سقوط كركوك مدى سيطرة إيران على العراق اليوم. ويدل بوضوح على فعالية لا مثيل لها حاليا من الأساليب الإيرانية للحرب والسياسة الثوريتين، والتي يمارسها الحرس الثوري الإيراني في جميع أنحاء العالم العربي.

المصدر | جوناثان سباير - أمريكان إنترست

  كلمات مفتاحية

كردستان استفتاء كردستان كركوك إيران