مئوية بلفور: هل تغير العالم؟

الجمعة 27 أكتوبر 2017 02:10 ص

كان مارك سايكس، مندوب بريطانيا الذي وقع اتفاقية تقاسم المشرق العربي مع فرنسا وروسيا، أول الداعمين في السلك الدبلوماسي البريطاني لفكرة إنشاء فلسطين يهودية، ويمكننا اعتبار هذه المعلومة أحد معالم العلاقة التاريخية بين مسألة تقسيم وتقاسم العالم العربي بين دول أجنبية وإنشاء دولة إسرائيل.

الشخص التالي في تلك السلسلة كان رونالد غراهام، المستعرب العائد إلى وزارة الخارجية بعد عشر سنين من الخدمة أمضاها في مصر، وكان هو الشخص الذي بحث مع الزعيم الصهيوني المتطرف فلاديمير غابوتنسكي فكرة إنشاء فرقة يهودية في الجيش البريطاني.

كان أساس الفكرة ضمان مساهمة اليهود الأوروبيين في جهود الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى التي كانت على الأبواب، وفي 7 شباط (فبراير) 1917 قال سايكس في اجتماع مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان وآخرين «إن العرب يمكن تدبر أمرهم»، وكان سايكس يتباحث مع رجال أعمال أرمن أيضاً لإنشاء دولة أرمنية مقتطعة من تركيا.

ساهمت الثورة البلشفية في روسيا في العام نفسه في قناعة بريطانيا بقوة اليهود وزادت رغبات الحلفاء في استمالتهم، وجاءت بعد ذلك موافقة فرنسا لتساهم في إعداد التفاصيل الأخيرة لإعلان الحكومة البريطانية، عبر وزير خارجيتها اللورد بلفور موافقتها على إنشاء «وطن قومي لليهود».

مفيد هنا الذكر أن معارضة كبيرة حصلت من قبل السياسيين المتنفذين اليهود البريطانيين الموجودين في مجلس الوزراء كإدوين مونتاغيو، وزير الدولة لشؤون الهند، وقريبه هربرت صاموئيل، وروفوس أيزاكس (لورد ريدينغ) وكانت حججهم أن اليهودية ديانة وليست قومية، وكانت مقاومة هؤلاء شرسة لدرجة أنها أوقفت مداولات مجلس الوزراء في هذا الشأن.

الأمريكيون، آنذاك، في إدارة الرئيس وودرو ويلسون، كانوا متعاطفين مع الفكرة لكنهم رأوا فيها محاولة امبريالية بريطانية للسيطرة على الجسر الواصل بين أفريقيا وآسيا نحو الهند، وعلى وجاهة هذه الفكرة فإن الدبلوماسيين البريطانيين كانوا مشغولين أكثر باستمالة يهود روسيا وأمريكا.

هذا الاتجاه تمكن أخيرا من التغلب على معارضة اليهود في مجلس الوزراء وأصدر وزير خارجية بريطانيا بلفور وثيقته الشهيرة في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) والتي تعد اليهود بوطن قومي في فلسطين وتم الاحتفاء بالإعلان في دار الأوبرا في لندن.

منظوراً إليها في سياق مئوية وعد بلفور، تفيد هذه المعلومات في تظهير بعض العناصر المهمة التي قد تساعد في فهم معنى هذه الوثيقة التاريخي ودورها اللاحق ليس في إنشاء دولة إسرائيل فحسب، بل كذلك في الارتدادات الزلزالية الهائلة للمنظومة التي نجح «الحلفاء» في تأسيسها، والتي ما تزال تتفاعل فصولاً ونراها اليوم في سياق ما يجري في المشرق العربيّ وتركيا ومصر بل والعالم.

بعد مئة عام على وعد بلفور نرى بريطانيا الرسميّة تتفاخر بمساهمتها الكبرى في إنشاء إسرائيل وبإنجازها الفظيع الذي قامت به على أشلاء فلسطين والمشرق العربي، ونرى الأطراف التي أيدت الاتفاق، عن قناعة سياسية (أو ركاكة استراتيجية)، ما تزال تستثمر في أسبابه ونتائجه التي صاغت العالم كما نراه اليوم.

وعد بلفور كان عاملاً رئيسياً في إنشاء دولة عنصرية بأسنان نووية ومخالب من الخرسانة المسلّحة تتمدد يوميا على أرض فلسطين التاريخية وما يزال مشروعها يقوم على طرد وقهر الفلسطينيين وتشريع أسس الظلم المحلية والعالمية.

العوامل التي قادت للوثيقة ما تزال قائمة. فإسرائيل، رغم مقاومة الكثير من اليهود أنفسهم، أصبحت تعتبر مركز الثقل السياسي ليهود العالم، ولجالياتهم شديدة الفاعلية في مراكز السياسة العالمية، وساهمت عودة تركيا كدولة إسلامية مؤثرة، وظهور دول عربية مؤثرة اقتصاديا في شكل من أشكال التوازن الذي استطاع الفلسطينيون الاستناد إليه في صراعهم الوجودي.

لكنّ قوى العرب الماليّة الوازنة، من دون مشروع حضاريّ وسياسيّ كبير، خرطتهم في حروب ونزاعات داخلية عميقة وعمّقت نزعات الاستبداد مما جعلهم ضعفاء في مواجهة إسرائيل، وأقوياء في مواجهة شعوبهم، وضدّ محاولات هذه الشعوب اليائسة لتغيير هذه النظم السياسية المعطوبة.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

فلسطين بريطانيا وعد بلفور الإمبريالية البريطانية الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى استمالة بريطانيا لليهود