السيسي وماكرون: لماذا لم تعد حقوق الانسان مهمة؟

الجمعة 27 أكتوبر 2017 03:10 ص

السيسي وماكرون: لماذا لم تعد حقوق الانسان مهمة؟

اكتشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الثلاثاء الماضي إنه ليس من شأنه «إلقاء محاضرات» على مصر بشأن الحريات المدنية. السيسي لم يكتف بردّ تحية الرئيس الفرنسي الشاب بأحسن منها بل فاجأ الجمهور الذي تابع مؤتمره الصحافي مع ماكرون بمحاضرة من الوزن الثقيل مؤكدا حرص بلاده «على الالتزام بمعايير حقوق الإنسان في إطار دولة ديمقراطية ومدنية وحديثة».

ولأن هذا التأكيد لا يكفي لإقناع الجمهور بعد أن بات سجل انتهاكات أجهزة الأمن والجيش الفظيعة لحقوق الإنسان في مصر معروفاً فقد أخرج السيسي من معطفه فكرة جديدة لا تتعلق بالنظام نفسه بل بالشعب المصري الذي، حسب رأي رئيسه، «لن يقبل ممارسة سياسية عنيفة أو ديكتاتورية ضد حقوق الإنسان»، وهو رأي يتحدّى العقل حقّاً فما هو وزن قبول أو عدم قبول الشعب المصري للممارسات العنيفة والدكتاتورية ضد حقوق الإنسان إذا كان النظام دكتاتوريا وعنيفا، وإذا كان اعتراض أفراده أو جماعاته وأحزابه على تلك الممارسات ستؤدي بهم إلى السجون والمحاكم؟

ولأن نظامه لا يمارس التعذيب يطالب السيسي من الجميع «أن يتحسّب من المعلومات التى تنشر بواسطة منظمات حقوقية»، أما إذا لم يقتنع «الجميع» بأن نظام السيسي لا يمارس التعذيب وصدق المعلومات التي تنشرها منظمات حقوقية فعليهم على الأقل أن يضعوا ميزانا ذا كفتين يوازن بين «التركيز الدولي على الحقوق السياسية» و«حقوق الإنسان في التعليم والصحة»، لأن مصر «ليس بها تعليم جيد ولا علاج جيد».

وهذا المنطق الغريب يعتبر أن الحصول على تعليم وعلاج جيدين لا يستقيم من دون انتهاك الحقوق السياسية للمصريين.

هذا المنطق، في الحقيقة، يتقصد تجاهل أن التراجع المهين في كل مجالات الحياة في مصر (وليس في التعليم والصحة فحسب) مرتبط باختلالات النظام السياسي وطبيعته العسكرية والأمنية.

بعد إنكار التعذيب والإساءات لحقوق البشر، تحدث السيسي عن كون بلاده تمر في ظروف أمنية مضطربة «إثر انتشار أفكار متطرفة تدعم ظاهرة الإرهاب»، وهذا طبعاً بيت القصيد، وأحد أطراف المعادلة التي جعلت السيسي، لا ماكرون، هو الأستاذ المحاضر.

فالسيسي كان موضوع إشادة ماكرون بجهود قواته في مجال «مكافحة الإرهاب»، وهي كلمة السرّ التي فتحت أبواب الإليزيه للسيسي، وجعلت ماكرون، الذي كان قد أعطى الدول الأفريقية، سابقا، نصائحه الثقافية عن دور التزايد السكاني فيها في نشر التخلف، يقرّر هذه المرّة مديح «الجهود الأمنية» للمشير، وبدل التركيز على الحقوق السياسية فقد ركز على إبرام الصفقات وتقريظ «الشراكة الاستراتيجية» مع القاهرة.

تعليقات المصريين الساخرة حول لقاء الرئيسين وتصريحاتهما أصابت كبد المسألة فمن قائل إن ماكرون لا يستطيع إعطاء دروس في حقوق الإنسان لرئيس دولة دكتاتور، بلده أكبر مستورد للسلاح من فرنسا «بلد الحرية والعدالة والمساواة»، إلى متسائل عن سبب شراء السيسي لكل هذه الأسلحة، من غواصات وطائرات عسكرية، وهو يرأس بلدا غارقا في الديون، ولا يخجل في الوقت نفسه من الحديث عن تدهور الصحة والتعليم والمرافق.

  كلمات مفتاحية

مصر انتهاكات حقوق الانسان فرنسا إيمانويل ماكرون عبد الفتاح السيسي الحريات المدنية «دولة ديمقراطية ومدنية وحديثة» انتهاكات أجهزة الأمن والجيش الشعب المصري ممارسات عنيفة ودكتاتورية السجون والمحاكم التعذيب