«فورين أفيرز»: لماذا لن يؤدي تغيير النظام إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني؟

الثلاثاء 31 أكتوبر 2017 10:10 ص

هذا الشهر، كشف الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» عن استراتيجية إدارته التي طال انتظارها بشأن ملف إيران.

وتنطوي الاستراتيجية على زيادة الضغط على طهران على جميع الجبهات تقريبا، وعلى وجه الخصوص، من خلال التدقيق في الاتفاق النووي، الذي توصل إليه الرئيس السابق «باراك أوباما» والقوى العالمية الأخرى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 2015.

وقد وضع «ترامب» ملاحظاته على الاتفاق منذ فترة طويلة، وألقى بسهام النقد باتجاه صقور إيران، لكن هل يعني ذلك أن وجود نظام أكثر رشدا في طهران قد يوقف أنشطتها النووية؟

وقال «ترامب» في تصريحاته: «إننا مصممون على ألا يحصل الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم أبدا على أسلحة نووية»، وأضاف: «وفي هذا الجهد، نؤكد تضامننا التام مع ضحايا النظام الإيراني، الذين يعانون من المعاناة الأطول، وهم الشعب الإيراني نفسه، يشتاق الشعب الإيراني، منذ وقت طويل، لاستعادة تاريخ مجد بلادهم وثقافته وحضارته وتعاونه مع جيرانه».

ولا شك أن مثل هذه التعليقات غير شائعة بين أعضاء الإدارة والمشرعين الأمريكيين، وقبل أشهر من هذه الملاحظات، قال وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، للكونغرس، إن الولايات المتحدة سوف تتطلع إلى دعم «العناصر» التي تعارض النظام وتحاربه داخل إيران.

وما يشير إليه «ترامب» و«تيلرسون»، كما ذكر آخرون، مثل السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة «جون بولتون»، أن الشعب الإيراني يفضل سياسات مختلفة عن سياسات النظام الحالي، وأن قيادة إيرانية مختلفة قد تتبع سياسات مختلفة وتتصرف بشكل مختلف.

وقد ظهر هذا الموقف منذ فترة طويلة من خلال الدعوات لتغيير النظام في إيران، لكنه يستند إلى تحليلات معيبة ورؤية مشوهة للعالم الإسلامي وإمكانياته من جهة، وتكاليف وفوائد تغيير النظام في إيران لمصالح واشنطن من جهة أخرى.

وفي الواقع، ظل البرنامج النووي للبلاد متسقا مع أهدافها على مدى عدة عقود، على الرغم من صعود وتراجع الحكومات والقادة الجدد، ويشير هذا إلى أن وجود نظام مختلف في إيران لن يؤدي بالضرورة إلى تحول في سياستها النووية.

سياسة التحوط

وفي الخمسينات من القرن الماضي، قبل فترة طويلة من إسقاط الثورة الإسلامية عام 1979 لنظامه، شرع «محمد رضا بهلوي»، شاه إيران المتحالف مع الولايات المتحدة، في عملية تحديث واسعة ومتعددة الأوجه، وهو مشروع كان والده قد دافع عنه في بداية العشرينات.

وكجزء من هذه الجهود، أعرب الشاه عن أمله في تحديث البنية التحتية لبلاده، وتوسيع جيشه، واستثمار عائدات الوقود الأحفوري في المشاريع التي من شأنها أن تحول البلاد على المدى الطويل، بما في ذلك تنويع مصادر الطاقة لديها.

وفي الوقت نفسه، أطلق الرئيس الأمريكي، «دوايت أيزنهاور»، مبادرة من أجل السلام، تهدف إلى تزويد الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة بتكنولوجيا نووية للاستخدام المدني، وأصبحت إيران واحدة من المستفيدين من المبادرة، وبدأت برنامجها النووي.

وبالنسبة للشاه، لم تكن الطاقة النووية هي العنصر الوحيد من عناصر جهود التحديث التي كان يقوم بها، بهدف تنويع مصادر الطاقة، لكنها كانت رمزا سياسيا أيضا، وقد أراد أن يعود بإيران إلى مجد الماضي الإمبراطوري، والانضمام إلى نخبة مختارة من الدول القوية في العالم آنذاك.

وعندما قام الشاه بتجنيد الفيزيائي النووي، الذي درس في سويسرا، «أكبر اعتماد»، في السبعينات، للمساعدة في وضع برنامجه النووي، واجه قرارا كبيرا، وقبل إعطاء تعليمات لـ«اعتماد» حول كيفية المضي قدما، كان على الشاه أن يقرر نطاق مشروعه، وكان لديه خيار متابعة برنامج نووي مدني بحت أو اتباع سياسة التحوط، والتي من شأنها أن تسمح له بتسليح البرنامج إذا قرر استكشاف الجوانب العسكرية للتكنولوجيا.

وفي ذلك الوقت، اعتقد الشاه أن علاقة طهران الودية مع الولايات المتحدة قد جعلت إيران بدون منافس في المنطقة، وأنه لم تكن هناك حاجة إلى اندفاعة لتصنيع القنبلة النووية، لكنه أراد أن يكون لديه القدرة على القيام بذلك إذا تغير المشهد الأمني، ومن ثم، بدأت إيران برنامجها للطاقة النووية، بينما استعدت أيضا لإمكانية تطوير سلاح نووي.

وكان التحدي أمام «اعتماد» هو الحفاظ على هذه الخطط من أن يكتشفها حليف إيران وأحد مورديها النوويين، الولايات المتحدة.

وبحلول عام 1978، كان مشروع الشاه النووي جاريا، وفي الخلفية، كانت هناك ثورة تختمر، واعترض الثوار الذين عارضوا الشاه، ومن بينهم «آية الله روح الله الخميني»، الذي حل محله في وقت لاحق كرئيس للدولة الإيرانية، على البرنامج النووي، ولكن، كما ذكر الرئيس الإيراني «حسن روحاني» في مذكراته التي تصف الفترة التي كان فيها مفاوضا رئيسيا للبلاد للملف النووي في الفترة 2003-2005، فإن هذه المعارضة كانت تقوم على أيديولوجية واعتقاد بأن كل ما فعله الشاه كان خاطئا، وليس فهما واضحا لعيوب أو فوائد التكنولوجيا.

وعند الإطاحة بالشاه، أوقف النظام الجديد البرنامج النووي للبلاد، قبل استئنافه بعد توقف قصير في خضم الحرب الإيرانية العراقية المدمرة، التي استمرت خلال معظم الثمانينات.

وبعد فترة وجيزة، سعى النظام الجديد إلى إحياء العناصر المختلفة لمشروع الشاه النووي، كما اتبع سياسة التحوط، وهي السياسة التي تسمح له بالحصول على التكنولوجيا النووية للبرنامج المدني، مع إتاحة خيار تصنيع القنبلة.

وفي منتصف الثمانينات، أصبحت إيران زبونا لدى «عبدالقدير خان»، أبي برنامج الأسلحة النووية الباكستانية، الذي قاد أكبر شبكة للاتجار غير المشروع في التكنولوجيا النووية الحساسة.

وقد تم كشف هذه الشبكة وتفكيكها في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ومع كشف هذه الشبكة، تم اكتشاف عدم الامتثال الإيراني، بعد اكتشاف منشآت نووية سرية في طهران، وتم عرضها على طاولة المفاوضات مع الأوروبيين عام 2003، وهو نفس العام الذي غزت فيه إدارة «جورج دبليو بوش» العراق.

وفي ذلك الوقت تقريبا، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجتمع الاستخبارات الأمريكي، يبدو أن طهران قد توقفت عن برنامجها «المنسق» للتسليح بهدف تطوير جهاز متفجر نووي، وعادت بدلا من ذلك إلى دراسات الجدوى والدراسات العلمية، واقتناء بعض الكفاءات والقدرات التقنية ذات الصلة، وقد توقفت هذه العمليات عام 2009.

ومنذ ذلك الحين، لم تكن هناك أي مؤشرات موثوقة على أنشطة في إيران ذات صلة بتطوير جهاز تفجير نووي، غير أن طهران واصلت تطوير برنامجها لتخصيب اليورانيوم، حيث يمكن تسليح تكنولوجيا المياه الثقيلة، التي كان المجتمع الدولي مهتما بها، إذا اتخذت إيران قرارا باستئناف برنامجها للأسلحة النووية.

وفي عام 2015، بعد أكثر من عقد من محاولة دفع إيران إلى الامتثال، سواء من خلال الإكراه، أو محاولة الوصول إلى التوافق، أو العقوبات الدولية، أو المفاوضات الماراثونية، توصلت القوى العالمية إلى اتفاق مع طهران للحد من الأنشطة النووية في البلاد.

واليوم، يرى منتقدو الاتفاق أن الاتفاق لا يقوم بما فيه الكفاية، ولا يوفر للمجتمع الدولي رقابة كافية على البرنامج، ويذهب بعض المسؤولين الإداريين وأعضاء الكونغرس، مثل مدير وكالة الاستخبارات المركزية «مايك بومبيو»، والسيناتور «توم كوتون»، إلى حد المطالبة بأن تكون سياسة الولايات المتحدة هي السعي إلى تغيير النظام، لأنه ليس البرنامج النووي للنظام هو الذي يشكل تهديدا للولايات المتحدة، بل وجود النظام نفسه.

وبالنسبة لهم، يعد تغيير النظام هو الحل الوحيد المستدام للأزمة النووية الإيرانية، ولكن مع استمرار الطموحات النووية الإيرانية، لا يوجد دليل على أن وجود قيادة مختلفة قد تحقق اختلافا جوهريا في هذا الصدد.

الطريق إلى الأمام

قد لا يكون الاتفاق النووي الحالي مع إيران مثاليا، ولا يوجد مثل هذا الاتفاق على الإطلاق، ولكن بدلا من إلغاء صفقة غير كاملة والدفع نحو تغيير النظام، من أجل أمل من غير المحتمل أن يحدث تغييرا جذريا في سلوك طهران، يجب أن يتعلم صناع السياسة في الولايات المتحدة من التاريخ.

فتغيير النظام عبارة عن عملية مزعزعة للاستقرار مع نتائج غير مؤكدة، وعلى واشنطن أن تركز بدلا من ذلك على أفضل الطرق للحد من القدرات التقنية للبلاد، التي يقيدها الاتفاق النووي بالفعل.

وللقيام بذلك، يجب عليها أن تبقي على الاتفاق، وأن تبني عليه، مع إيجاد حل متفق عليه لمسألة القذائف التسيارية (الصواريخ الباليستية) ومعالجة مشهد ما بعد الاتفاق النووي.

  كلمات مفتاحية

إيران ترامب البرنامج النووي الاتفاق النووي

كيف تعاونت إسرائيل وإيران لوأد البرنامج النووي العراقي؟