«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: ما بعد تنظيم «الدولة».. عودة المنافسات الإقليمية

الثلاثاء 31 أكتوبر 2017 12:10 م

الدولة الإسلامية في وضع دفاعي في سوريا، وقد تمت السيطرة على ما يسمى بعاصمتها في الرقة، وبدأت في التراجع إلى مناطق في جنوب شرق البلاد بالقرب من الحدود مع العراق.

ويعني هذا أن جميع الكيانات المشاركة في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، العراق وإيران ولبنان وتركيا وروسيا والولايات المتحدة والأكراد، يمكنها الآن العودة إلى العمل كالمعتاد، أليس كذلك؟

حسنا، نعم ولا، فتنظيم «الدولة الإسلامية»، لكي نكون واضحين، لم يتم تدميره تماما، إنه فقط لم يعد مركز الثقل الذي كان عليه، وإذا لم يسترد المنطقة التي فقدها، فإن مقاتليه سيختلطون ببساطة بين سكان البلدان المجاورة، وسيواصلون شن الهجمات، وعلى أي حال، فإن العمل كالمعتاد في الشرق الأوسط يعني الفوضى.

ويعتبر الشرق الأوسط منطقة من العداء وعدم الثقة والتنافس العرقي والطائفي والحدود السيئة، منذ قرون، وقد أدى صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى انشغال أصحاب المصالح في المنطقة قليلا.

ومع تراجع التنظيم، فإنهم سيعودون لتلك التنافسات التي كانت لديهم قبل وقت قصير، وقد يبدو الشرق الأوسط الآن مختلفا، مع تشكل تحالفات جديدة وتلاشي أخرى قديمة، لكن السعي لتحقيق المصالح على حساب الآخرين سيبقى قائما.

رفقاء غرباء

وفي الواقع، لقد دفع وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى تكوين شراكات غريبة، فعلى سبيل المثال، تعاونت الولايات المتحدة مع خصومها السابقين، مثل الحكومتين السورية والروسية، وقد تعاونت بشكل خاص مع إيران، وكان الاتفاق النووي الإيراني، في نهاية المطاف، نتيجة التهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية».

وأصبحت روسيا وتركيا على وفاق، بعد علاقات شائكة بسبب إسقاط أنقرة لطائرة روسية مقاتلة عام 2015، ولكن الآن، بعد أن تم ترويض العدو المشترك (حتى وإن لم يتم القضاء عليه)، لا يزال الحماس حاضرا لتعاون كل منهم مع الآخر.

وبالنسبة للأكراد، في العراق، سارعت حكومة إقليم كردستان إلى التعامل مع تراجع تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبغض النظر عن الدعم الخارجي والمكاسب الإقليمية التي تحققت في المعركة ضد التنظيم، أجرت حكومة إقليم كردستان على الفور استفتاء حول الاستقلال، صوت خلاله الناخبون الأكراد لصالح الحصول على المزيد من الحكم الذاتي، وقد لا يكون النجاح في هذا الصدد محتملا، ولكن أربيل كانت قد خلصت إلى أن مغادرة تنظيم «الدولة الإسلامية» كانت أفضل فرصة لها لذلك.

لكن في الواقع، لم تدم الفرصة طويلا، وقد عارضت الحكومة في بغداد بشدة المحاولة الكردية لتحقيق الاستقلال، وكانت بغداد بحاجة لاستعادة الأراضي الشمالية التي فقدتها وسط المعركة مع تنظيم الدولة.

وانضمت تركيا وإيران إلى العراق في معارضتها، ولم يكن مفاجئا أن تدعم تركيا الحركات المناهضة للأكراد في المنطقة، لأنها تعتقد أن وجود كردستان العراق المستقلة قد يشجع على إنشاء كردستان التركية، وفي الوقت نفسه، احتلت أنقرة مواقع في إدلب وحلب، على الرغم من أنه من غير الواضح بالضبط مقدار الوجود العسكري الذي تخطط له في سوريا، ومنذ ذلك الحين، عكست الحكومة الكردية في أربيل خططها للاستقلال.

وهناك السعودية، التي كانت دائما في منافسة مع منافستها الإقليمية، إيران، والآن بعد أن تراجع تنظيم «الدولة الإسلامية»، تعتقد الرياض أنها قد وجدت فرصة لكسب النفوذ على طهران، ورغم عداء المملكة مع النظام السوري، لكن ذلك لم يمنع مسؤولا سعوديا رفيع المستوى من السفر إلى الرقة للاجتماع مع المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص للتحالف العالمي لمواجهة تنظيم «الدولة»، وناقشوا إمكانية تمويل الرياض لإعادة إعمار البلد الذي مزقته الحرب، ومن شأن هذا أن يعطي المملكة موطئ قدم في بلد يتلاءم تقليديا مع إيران.

ومن جانبها، كانت إيران رائدة في ملء الفراغات الناتجة عن النزاعات، وقد اكتسبت منذ فترة طويلة ولاء الحكومات في العراق وسوريا، وتدعم قواتها العسكرية التقليدية الوكلاء في هذه الدول، بما في ذلك «حزب الله»، والجماعات الشيعية العراقية والمقاتلين الشيعة من العالم الإسلامي الأوسع، بما في ذلك أفريقيا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى، للقتال جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة للنظام السوري.

ويهيمن على الدولة العراقية الحالية فصيل شيعي مؤيد لإيران، كان له دور أساسي في الانتصار على الأكراد، لإرغامهم على التراجع عن محاولة الاستقلال، وتواصل طهران دعم الجماعات في اليمن، التي تقاتل مجموعات قتالية أخرى تدعمها السعودية.

وكان ولي العهد السعودي قد أعلن في وقت سابق أن بلاده لن تتوقف عن مشاركتها في الحرب الأهلية اليمنية، لأنها لا تستطيع تحمل خطر تشكيل مجموعة أخرى تشبه «حزب الله» على حدودها، وهي إشارة مبطنة إلى المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران.

إلى أين وصل الوضع؟

يبدو أن السعودية لا يمكنها تجاهل الجيش الإيراني التقليدي كذلك، فالرياض هي القوة السنية الوحيدة في المنطقة، ولكن نفوذها يتلاشى، وأسفر انخفاض أسعار النفط عن تقليص الإيرادات الحكومية، ما قوض قدرتها على إدارة الإصلاح الاقتصادي والسياسي المحفوف بالمخاطر في الداخل، والاضطرابات في الخارج.

وتحاول إيران استغلال الانحدار السعودي، ويجعل هذا من المملكة مرشحا مناسبا للتحالف بالنسبة لـ(إسرائيل)، التي تواجه التهديد من قبل إيران أيضا.

وحتى الآن، لم تكن هناك ردود قوية على الوجود العسكري التقليدي المتزايد لإيران، وفي سوريا، بدأت (إسرائيل) ضرب أهداف لحزب الله، مثل القوافل ومرافق التخزين، بشكل متكرر، ويقال إن الضربات كانت توجه لأهداف يعتقد أنها مسكن للميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، والتي تدعم «الأسد»، التي يشكل وجودها وحده تهديدا لـ(إسرائيل)، لذلك يمكن توقع استمرار الضربات الجوية.

وتشارك الولايات المتحدة في كل هذه الأمور، ويعد الجيش التقليدي الإيراني أقل تهديدا لواشنطن، لكن واشنطن تنوي ترك الشرق الأوسط يتبع مصيره، ولا تريد في ذلك أن تصبح إيران قوية جدا.

ويفسر هذا إلى حد كبير لماذا سحب الرئيس «دونالد ترامب» تصديقه على الاتفاق النووي الإيراني، وقد سمح الاتفاق لإيران بالتهرب من عقوباتها، مع تمكين الولايات المتحدة من الحد من تورطها العسكري في المنطقة، وأصبحت معالجة كل من هذه الحاجات أكثر إلحاحا بالنسبة لكل الأطراف التي حاولت مواجهة تنظيم الدولة القوي في المنطقة، ما ساعد على دفع الأطراف جميعا للتعاون.

ولكن الظروف تغيرت الآن، وبالتالي تغير وضع الصفقة أيضا، ومن الجدير بالذكر أن إلغاء الصفقة سيكون صعبا، ولكن لدى الولايات المتحدة خيارات أخرى لمعاقبة إيران، فمجلس النواب الأمريكي، على سبيل المثال، قد وافق بالفعل على تشريعات لمعاقبة «حزب الله».

وعلى الرغم من كونها خفية، فقد كانت الرسالة واضحة، حيث ترغب الولايات المتحدة في العمل ضد إيران وجماعاتها بالوكالة لصالح (إسرائيل) والسعودية.

ورغم انشغال تركيا بمحاولة منع الأكراد من إقامة دولة مستقلة، فإنها تكرس وقتها للتغلب على النفوذ الإيراني في سوريا والعراق، وتتحرك إيران لتصبح قوة إقليمية أكثر بروزا، وتعارض السعودية صعود إيران، وترغب الولايات المتحدة في توازن القوى.

وإذا كان كل هذا يبدو مربكا، فذلك لأن الشرق الأوسط معقد، وفي العملية الجيوسياسية، يتحرك الوقت ببطء، وفي مثل تلك المنطقة، يكون كل حدث غالبا محوريا، مع عواقب طويلة الأجل.

وتكون التحولات أقرب إلى التطورات البيولوجية من الطفرات الجينية، وكل هذا يصعب الظروف في منطقة متقلبة مثل الشرق الأوسط.

ونحن نعلم أن «الدولة الإسلامية» ستنهزم في النهاية، لكن حينها، ستتحول الجهات الفاعلة في المنطقة إلى بعضها البعض، في محاولة لكسب أكبر قدر من النفوذ، وما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية، يبين كيف تتشكل جهود كل واحد من تلك الأطراف.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران تركيا العراق كردستان العراق