«ناشيونال إنترست»: مقامرة قطر البراغماتية في سوريا

الخميس 2 نوفمبر 2017 05:11 ص

تطورت أزمة الخليج هذا العام، بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، إلى صراع لا يتعلق فقط بالمصالح الإقليمية المختلفة في الشرق الأوسط، بل أيضا بالمصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة. وبررت اللجنة الرباعية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) الحظر المفروض على قطر، بسبب دعمها السياسي والأيديولوجي والمالي المزعوم للجماعات المسلحة غير الحكومية في الشرق الأوسط، وخاصة خلال الربيع العربي.

واستثمرت الإمارات، على وجه الخصوص، في حملة دبلوماسية عامة في واشنطن لإقناع دوائر السياسة الرئيسية بأن إمارة قطر الصغيرة الغنية بالغاز كانت من الرعاة الرئيسيين للإرهاب في المنطقة.

وكانت استجابة إدارة «ترامب» غامضة. وبينما مال البيت الأبيض في البداية ناحية الجهود المشتركة التي تبذلها اللجنة الرباعية لـ«تصحيح» السياسة الخارجية الإسلامية المزعومة من قبل قطر، كانت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع أكثر حذرا.

وهناك حاجة إلى فهم أكثر دقة للسياسة الخارجية والأمنية في قطر خلال الربيع العربي، من أجل تقييم كيفية عمل الدوحة من أجل مصالحها وقيمها منذ أواخر التسعينات. وتعد سياسة قطر في سوريا نموذجا ممتازا للدراسة، لتوضيح طموحات الدوحة ونواياها، فضلا عن عيوب التنفيذ.

عندما خرج المتظاهرون الأوائل إلى شوارع تونس في أواخر عام 2010، رأى الأمير آنذاك، «حمد بن خليفة آل ثاني»، فرصة لوضع رؤيته للعالم موضع التنفيذ. ومن خلال إدارة شؤون الدولة منذ أوائل التسعينات، سلك «حمد» طريقا للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كان من شأنه أن يساعد الدولة الصغيرة على التحول إلى دولة حديثة من القرن الحادي والعشرين.

وكان على قطر أن تتحرر من التأثير المتحفظ جدا للمملكة العربية السعودية، من خلال التغلب على الأعراف الاجتماعية الراسخة، وتحرير التعليم وسوق العمل، وإدخال الحريات المدنية. وعلى الرغم من أن قطر لم تكن في طريقها إلى أن تصبح ديمقراطية ليبرالية، إلا أن حمد قد استثمر في القيم الليبرالية، مثل حرية الدين، وحرية التعبير، والخطاب الاجتماعي السياسي التعددي بين الأمير والجمهور. وبصرف النظر عن امتلاك ثروة لا تصدق من الغاز الطبيعي، كان حمد حريصا على ضمان العدالة الاجتماعية، والتوزيع المتكافئ للثروة بين المواطنين، والمجتمع الشامل. وأصبحت قطر، من نواح كثيرة، نظيرا أكثر ليبرالية للأنظمة الاستبدادية في العالم العربي.

وفي أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011، أعرب «حمد»، الذي يترأس أغنى بلد من حيث دخل  الفرد في العالم، عن أمله، من خلال الحفاظ على وجهة نظر سياسية ليبرالية، ودعم أولئك الذين يرفضون الأنظمة الاستبدادية، في إحداث تحول في اتجاه المنطقة. وعلى غرار الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون»، الذي تحدث عن «الجانب الصحيح من التاريخ»، تصور حمد «صحوة عربية»، وهو الحل الذي أثبت صعوبة في تحقيقه عمليا.

سياسة قطر في سوريا

وبعد سقوط الأنظمة في تونس ومصر، واندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، حولت قطر انتباهها إلى سوريا في مارس/آذار عام 2011. وأرسل «حمد»، مستفيدا من العلاقة الشخصية للأسرة المالكة مع «الأسد»، ابنه «تميم»، لإقناع الرئيس السوري بالتنحي (تميم هو الآن أمير قطر). وفي مقابل ضمان مسار للإصلاح السياسي والانتقال السلمي للسلطة، وعد تميم «الأسد» بتعويضات ومساعدات مالية، لجعل هذا الانتقال سلسا قدر الإمكان. ورفض الرئيس السوري العرض، وتحول موقف قطر نحو دمشق من المشاركة إلى المواجهة.

وبالتنسيق الوثيق مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما»، بدأت الدوحة العمل على مبادرة لعزل نظام «الأسد» في جامعة الدول العربية، في حين شكلت هيئة حاكمة تمثل المعارضة السورية، وهي المجلس الوطني السوري.

وشاركت قطر الرؤية الغربية لسوريا جديدة، تستند إلى الشمول الاجتماعي السياسي والعدالة الاجتماعية والحريات المدنية، وهي رؤية لا تعني بالضرورة الانتقال إلى الديمقراطية الليبرالية. وكان المجلس سيصبح الهيئة الاستراتيجية التي تدير المعارضة السورية، فيما يشبه حكومة في المنفى، تمثل 60% من جميع جماعات المعارضة السورية.

ومنذ البداية، كانت الحكومة القطرية مصرة على أن أي مبادرة للمعارضة يجب أن تكون شاملة، وأن تمثل «إرادة الشعب السوري»، وهو طموح قد يبدو غير قابل للتحقيق مؤخرا، بالنظر إلى تعدد البرامج المختلفة التي تسببت في انقسام المعارضة.

وكانت أكثر القوى المهيمنة في المعارضة عموما (المجلس على وجه الخصوص) هي جماعة الإخوان المسلمين. وقام النظام منذ السبعينات بقمع المعارضة السورية بشكل واسع. وبسبب العلاقات الشخصية القائمة مع الإخوان السوريين، وجهت قطر على الفور دعمها إلى الإسلاميين المعتدلين الذين قدموا أنفسهم كمنظمين ومؤثرين، وكان لديهم رؤية اجتماعية وسياسية واضحة لسوريا جديدة.

وعندما أصبح من الواضح أن المجلس الوطني السوري قد تعثر في حروب العشائر والمنافسات السياسية بين مخيمات المعارضة المختلفة، ظهرت شبكة الإخوان البعيدة كوسيلة بديلة لقطر لتسليم البضائع إلى السوريين، بعد قطع الإمدادات والخدمات عنهم من قبل نظام «الأسد».

وبحلول مطلع عام 2012، أظهرت تقارير أكثر فأكثر أن المجالس العسكرية، التي يشرف عليها المجلس الوطني، تطورت إلى شبكات محسوبية فاسدة، لم توفر للسوريين المعونة والأمن على نحو شامل.

وبدأت الدوحة الوصول إلى مجموعات مفردة في الجماعات الإسلامية السورية المعتدلة في سوريا، التي كانت في أغلب الأحيان مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.

ورأت قطر أن لهذه المجموعات سجلا أفضل في توفير السلع العامة للشعب السوري، لأنها كانت تكمل خدمات النظام محليا من خلال جمعياتها الخيرية، وهو ما يؤكده بحث مستقل عن فعالية المجالس الإسلامية.

وهكذا، لم تكن سياسة قطر في سوريا أيديولوجية ولا دينية، ولكنها كانت عملية. وتطورت شبكات قطر مع الإسلاميين إلى أن أصبحت ملجأ للمضطهدين السياسيين، وحاولت البلاد التحوط في سياستها الخارجية من خلال التنويع.

وعلاوة على ذلك، كان هناك اعتقاد واسع النطاق بين كبار صناع السياسة في قطر بأن الإسلام السياسي يوفر المعارضة الوظيفية الوحيدة للسلطوية. كما اعتبرت الدوحة أن العمل الخيري للجماعات الإسلامية كان أكثر فعالية وموثوقية وشمولية من الجمعيات الخيرية العلمانية.

وهكذا، في الوقت الذي تفكك فيه النظام الاجتماعي السياسي القائم في العالم العربي، رأت قطر أن الجماعات الإسلامية هي القوة الوحيدة المتاحة القادرة على سد الفراغ الاجتماعي السياسي الذي خلفته الأنظمة الفاشلة، على الأقل مؤقتا.

وقدمت قطر في البداية للمجالس العسكرية الإسلامية دعما ماليا، وليس عسكري، ما يسمح لهذه المجالس بتوفير السلع والخدمات العامة في المناطق المحررة من قوات النظام. وتتألف هذه المجموعات من سوريين أصليين، تجمعهم معا عقيدتهم الإسلامية، وتسترشد بمبادئ الإدماج الاجتماعي والالتزام بالأمن العام، في الوقت الذي كان لا يزال فيه الجهاديون السلفيون أقلية ضئيلة في سوريا.

نهج أكثر صعوبة

وبينما كانت طموحات قطر نبيلة، فقد ثبت أن النهج المثالي لدعم جماعات المعارضين المستقلين على نطاق واسع كان صعبا. وعلى غرار الولايات المتحدة، استثمرت كل من السعودية وتركيا في تدريب وتجهيز المعارضين على الأرض، ووجدت قطر أن من الصعب الاحتفاظ بالسيطرة على الأنشطة التشغيلية والتكتيكية التي يقوم بها التابعون لها.

وفي الوقت نفسه، كانت استراتيجية إدارة «أوباما» في سوريا مترددة في أحسن الأحوال، مما أدى إلى تأخير دعم قطر للمتمردين المعتدلين، الأمر الذي سمح للجماعات السلفية الجهادية بالحصول على الأرض. وأدت البيئة الفارغة التي تركتها إدارة «أوباما»، وفشل المجتمع الدولي في دعم الإسلاميين المعتدلين، إلى هزيمة المعتدلين على أيدي المتطرفين.

وعلاوة على ذلك، كان التدخل الأكثر حسما في الحرب الأهلية الذي أطال أمد الصراع في سوريا، من جانب إيران وروسيا. ومع هجوم رعاة «الأسد» على المعارضة المعتدلة، تمكنت جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية من توطيد سلطتهم، وتأكيد ادعاء «الأسد» بأن نظامه يحارب الإرهاب.

وعندما بدا واضحا أن المعارضة السورية المعتدلة كانت تقاتل في معركة شاقة وسط بيئة جيوستراتيجية مقيدة، سحبت قطر ضباط الاتصال العسكريين من سوريا عام 2014.

وفي قطر، واصلت الجمعيات الخيرية تقديم المساعدات للمجالس المحلية. ولكن مع انتشار الجهاديين السلفيين في سوريا، لم يعد من الممكن تقديم الدعم العسكري للجماعات على الأرض.

وأحبطت جهود قطر للوصول بشكل غير مباشر إلى أحرار الشام وجبهة النصرة، بسبب عدم رغبة تلك الجماعات في الامتثال لرغبة قطر الاستراتيجية في خدمة الشعب السوري بشكل شامل، من أجل خلق نظام اجتماعي وسياسي أكثر تحررا في مرحلة ما بعد سوريا «الأسد»، وهو مستقبل لا تستطيع قطر ولا السعودية تشكيله. والآن، هزمت عناصر هذه الجماعات على نطاق واسع، من قبل العناصر المتطرفة التي جاءت للسيطرة على المعارضة السورية عام 2014.

ومن هنا، وعلى الرغم من سوء التقدير الاستراتيجي فإن أهداف قطر في سوريا كانت متسقة على نطاق واسع مع أهداف الغرب. وفي الوقت الذي تخلت فيه الولايات المتحدة وأوروبا عن مواجهة فظائع «الأسد» البشعة، حاولت قطر مساعدة السوريين على بناء مستقبل ما بعد السلطوية. واعتمدت في ذلك على جماعات المعارضة المعتدلة في سوريا، التي وعدت باحتضان التعددية والحريات المدنية والإدماج الاجتماعي السياسي. ولم تسع قطر إلى تمويل أو تسليح المتطرفين أمثال تنظيم الدولة، لأنها تتنافى مع الليبرالية النسبية في الدوحة. وحقيقة أن الأسد وداعميه أتباعه أصبحوا الآن في مرحلة ما من الانتصار، فهو فشل جماعي للمجتمع الدولي في الدفاع عن الشعب السوري.

المصدر | أنرياس كريغ وأندرو براون - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

قطر سوريا تميم بشار الأسد أوباما