رحلة «السيسي» إلى فرنسا.. مقايضة «الأمن» بحقوق الإنسان

السبت 4 نوفمبر 2017 07:11 ص

خلال الفترة من 23-26 أكتوبر/ تشرين الأول، قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارته الأولى إلى باريس منذ فوز «إيمانويل ماكرون» في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وقد كانت المسائل السياسية والجيوسياسية على رأس جدول أعمال الرئيس المصري والمسؤولين الذين رافقوه إلى جانب مصلحة «السيسي» في تأمين المزيد من الاستثمارات والدعم الاقتصادي من فرنسا. وتحرص فرنسا على تعزيز تحالفها مع مصر، حيث أن مصر مشتر رئيسي للأسلحة الفرنسية، وذلك على الرغم من دعوات منظمات حقوق الإنسان إلى ربط الدعم المالي والعسكري بحمل مصر على الالتزام ببعض معايير حقوق الإنسان.

وباعتبار مصر قوة سياسية وقوة عسكرية ذات قدرات فعالة نسبيا في مجال مكافحة الإرهاب، فإنها شرطي محتمل في منطقة معرضة لعدم الاستقرار وانتشار «المنظمات الإرهابية». وفي السنوات الأخيرة، استهدف «المتطرفون» كلا من مصر وفرنسا من خلال عشرات الهجمات. إن الأجهزة الأمنية في البلدين تشعر بقلق بالغ إزاء مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين يغادرون العراق وسوريا إلى شمال أفريقيا أو أوروبا. وكانت سيناء المصرية، حيث كان الهجوم الأخير الذي شنته إحدى الجماعات المحلية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في 16 أكتوبر / تشرين الأول، مجالا للقلق المشترك نظرا لخطورة تحول سيناء بشكل أكبر إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية.

ووسط تزايد المخاوف بشأن استقرار مصر وقدرة الدولة على حماية البلاد بشكل فعال من الإرهاب، زار «السيسي» فرنسا لتعزيز العلاقات وتنويع شبكة مصر من التحالفات الأمنية. ويذكر في هذا السياق أنه في عام 2015، عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال حذرة من تقديم المساعدات العسكرية للسيسي بسبب سجل نظامه في مجال حقوق الإنسان، وقعت فرنسا ومصر اتفاقيات عسكرية كبيرة. وكان من بين ذلك صفقات عسكرية مثل 24 طائرة رافال مقاتلة وفرقاطة متعددة المهام وصواريخ بقيمة 65.2 مليار يورو بتمويل من قرض فرنسي وخيار للحصول على 12 طائرة إضافية تناقشها الحكومتان في الوقت الحاضر. وبالإضافة إلى ذلك، وقعت مصر وفرنسا عقودا بقيمة 2 مليار يورو في العام الماضي شملت قمرا صناعيا عسكريا مشتركا تبنيه شركة إيرباص للدفاع والفضاء وشركة ثاليس ألينيا سباس وهو مشروع فرنسي إيطالي مشترك.

وعلى الرغم من أن الاقتصاد الفرنسي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، إلا أن صناعة الدفاع حققت أداء جيدا نسبيا، وترى الحكومة الفرنسية أن مبيعات الأسلحة هي إحدى الطرق لخلق المزيد من فرص العمل والحصول على المزيد من العملات الأجنبية. وبعيدا عن قطاع الدفاع، فإن البلدين هما شريكان هامان في مجال الاستثمار. وتعتبر فرنسا سادس أكبر مستثمر أجنبي في مصر، حيث يتجاوز الاستثمار الفرنسي في اقتصاد مصر 4 مليارات دولار، وتعتبر مصر التي يبلغ عدد سكانها 97 مليون نسمة، هي السوق الأولى في الشرق الأوسط لفرنسا.

ليبيا وقطر

أدت الحرب الأهلية الليبية إلى تقريب مصر وفرنسا. وقد دفع صعود الإسلاميين في ليبيا بعد عام 2011 وفشل حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في تأكيد سلطتها إلى ما وراء مناطق معينة من طرابلس كل من فرنسا ومصر إلى الانضمام إلى الإمارات والسعودية والأردن، وروسيا في دعم مجلس نواب طبرق بدرجات متفاوتة منذ منتصف عام 2014.

وكانت معظم الحكومات الغربية، على الأقل حتى وقت قريب جدا، قد أيدت بشدة الجيش الشعبي ورفضت إضفاء الشرعية على صعود الجنرال «خليفة حفتر» في الساحة السياسية في ليبيا. لكن طوال الحرب الأهلية في ليبيا، اتفقت فرنسا، أكثر من أي قوة أوروبية أخرى، مع دعم مصر لمجلس نواب طبرق و«حفتر».

وفي الآونة الأخيرة، فإن حكومات غربية أخرى، على الأقل بشكل غير رسمي، تتجه ببطء للتعامل مع «حفتر »بوصفه شخصية سياسية شرعية قادرة على هزيمة الإسلاميين المسلحين في المعركة في ليبيا. وفي ضوء الهجمات الجديدة التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، إلى جانب الأزمات الأمنية في مصر والتهديد الجهادي المستمر في فرنسا وأماكن أخرى في أوروبا، يود المسؤولون في القاهرة وباريس أن يروا تعاونا سياسيا وأمنيا متزايدا في ملف ليبيا.

إن النظر إلى ليبيا لا يعني أن فرنسا ومصر ستفعلان ذلك في جميع القضايا ذات المخاطر العالية في الشرق الأوسط. فما وراء ليبيا، هناك هامش كبير للخلاف بين البلدين وأزمة قطر هي مثال رئيسي على المصالح المتباينة للقاهرة وباريس. وباعتبار فرنسا الدولة الأوربية الأكثر انخراطا فى الجهود الدبلوماسية للتوسط فى النزاع الخليجى، فقد حافظت على تحالفها الوثيق مع قطر ومصر و السعودية والإمارات والبحرين.

وبعد اندلاع النزاع الخليجي، واصلت فرنسا وقطر إجراء تدريبات عسكرية مشتركة من خلال الطائرات المقاتلة التي باعها الفرنسيون للدوحة على مر السنين. وفي الشهر الماضي أعطى ماكرون دفعة كبيرة لقطر بالدعوة إلى «رفع جراءات الحصار التي تؤثر على شعب قطر وخصوصا العائلات والطلاب في أسرع وقت ممكن».

وفى وقت سابق من هذا الشهر، شجع السفير الفرنسى لدى قطر اريك شوفالييه الاستثمار الفرنسى قائلا أن قطر «كانت شديدة الصمود فى مواجهة أزمة الخليج» وأظهرت التزامها «بزيادة تنمية اقتصادها» من خلال «الترحيب بشركاء أجانب جدد».

وفي الشهر الماضي أيضا، استضافت فرنسا الأمير «تميم» بعد زياراته إلى تركيا وألمانيا وفي طريقه إلى نيويورك حيث التقى بالرئيس «دونالد ترامب». ومما لا شك فيه أن هذه الرحلة ساعدت في تعزيز صورة قطر كدولة عربية مسلمة تتمتع بعلاقات ودية مع القوى العالمية، وليست كدولة راعية للإرهاب، كما تصورها مصر وأعضاء الحصار الآخرين.

التحولات الاستراتيجية

ومع ذلك، فإن علاقة فرنسا مع قطر من المرجح أن تكون أكثر من مجرد إزعاج في علاقة القاهرة بباريس. بالنسبة لمصر، كان تنويع الشراكات استراتيجية هامة للسياسة الخارجية، خاصة أن إدارة «أوباما» حجبت مبيعات الأسلحة إلى القاهرة على أسس حقوق الإنسان بعد الإطاحة بـ«محمد مرسي» عام 2013. وعلى الرغم من أن القيادة المصرية كانت متفائلة للغاية بشأن سلوك «ترامب» فإن قرار الإدارة في أغسطس/آب بخفض ما يقرب من 100 مليون دولار من المساعدات لمصر وحجب 195 مليون دولار أخرى تركت القاهرة غير مستقرة بشأن اعتمادها على واشنطن، مما أعطى «السيسي» حافزا إضافيا للاستثمار في علاقات أوثق مع القوى العالمية الأخرى مثل فرنسا وروسيا، ومؤيديه الإقليميين، مثل الإمارات والسعودية.

وعلى الرغم من الشك في أن فرنسا يمكن أن تحل قريبا محل أميركا كأكبر مورد للأسلحة إلى مصر فإن وجود علاقة أقوى بين القاهرة وباريس أو موسكو من المرجح أن يمنح السيسي قدرا أكبر من النفوذ في علاقته مع إدارة «ترامب». وفي الوقت نفسه، فإن تقلص نفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي، الذي أكدته إدارة «ترامب» في النزاع الخليجي، عرض على فرنسا فرصة للعب دور قيادي أكبر كما يتضح من جهود «ماكرون» للتوسط في الحرب الأهلية الليبية والنزاع الخليجي.

ولكن «ماكرون» يرى أنه في الوقت الذي يعد فيه بالترويج للقيم الفرنسية أن يعمل أيضا من أجل المصالح الاقتصادية والأمنية الفرنسية في عالم سريع التغير، وأن يتصدى لتعرض البلد للهجمات الإرهابية ويرى الرئيس الشاب مصر في مرتكزا للعلمانية والاستقرار في الشرق الأوسط، وبالتالي حليف حيوي في الكفاح ضد «التطرف العنيف».

وفي محاولة للتوصل إلى توازن بين المصالح الوطنية والقيم المتبادلة، قال «ماكرون» أثناء زيارة «السيسي» إنه على الرغم من أن فرنسا تقف على أهمية حقوق الإنسان، إلا أنه يرفض «محاضرة» مصر حول هذه القضايا. ومن المرجح أن يتلقى الرئيس الفرنسي انتقادات من أولئك الذين يصرون على أن قمع مصر للمعارضين السياسيين لن يؤدي إلا إلى مزيد من التطرف. غير أن «ماكرون» سيحصل في هذه العملية على مصالح أكبر من قيادة مصرية حريصة على دفع الغرب إلى تجاهل حقوق الإنسان مقابل الأولويات الاقتصادية والأمنية.

المصدر | سينزيا بيانكو وجيورجيو كافيرو - لويبلوج

  كلمات مفتاحية

السيسي فرنسا قطر ليبيا حفتر حقوق الإنسان العلاقات المصرية الفرنسية