ترامب والمأزق الإيراني

السبت 4 نوفمبر 2017 03:11 ص

تحققَ اندحارُ الوحدات القتالية الرئيسة لتنظيم «داعش» في العراق وسوريا من خلال عمل عسكري اضطلع به ائتلافٌ واسع من البلدان والمليشيات التي يُعد بعضها خصوماً لبعض في العديد من القضايا الأخرى.

ذلك أن الجزء الأكبر من الحرب البرية ضد «داعش» في العراق وسوريا، خاضته القوات الحكومية العراقية والقوات التي لا تزال موالية للرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب قوات الحرس الثوري الإيراني، ومليشيات «الحشد الشعبي» العراقية الشيعية التابعة لإيران، وقوات البشمركة الكردية في العراق ومليشيات كردية في سوريا، وكذلك «حزب الله» اللبناني.

هذا في حين أن معظم الحرب الجوية قامت بها القوات الأميركية وحلفاؤها والقوات الجوية الروسية.

والواقع ميدانيا هو أن نظام الأسد وحليفيه الروسي والإيراني، يمكنهم الآن ادعاء انتصار جزئي، حيث باتوا يبسطون سيطرتهم في الوقت الحالي على جزء كبير من المناطق التي فقدوها خلال السنوات الأولى من الانتفاضة الشعبية السورية، وبالمثل فإنه يمكن للحكومة العراقية ادعاء نصر عسكري على تنظيم «داعش» في العراق، وهو نصر ما كان يمكن أن يتحقق لولا الدعم الأميركي والإيراني.

غير أن النتيجة النهائية لهذه الحروب في البلدين، سوريا والعراق، هي أن الولايات المتحدة خسرت قدراً كبيراً من نفوذها وتأثيرها، في مقابل تنامي الوجود الروسي والإيراني عبر المنطقة، وإن بشكل خاص على الساحل المتوسطي.

والواقع أنه على هذه الخلفية الاستراتيجية المتغيرة، يجب الحكم على جهود إدارة ترامب الحالية الرامية إلى زيادة الضغط على إيران.

ففي الثالث عشر من شهر أكتوبر المنصرم، ألقى ترامب خطابا تلفزيونيا وطنيا ندد فيه بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو «الاتفاق النووي الإيراني» كما يعرف إعلامياً، وقد قال فيه:

"إنه لن يقر للكونغرس بالتزام إيران بالاتفاق النووي، وذلك على الرغم من أن وكالات الاستخبارات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أشارتا إلى أن إيران تحترم الاتفاق وتلتزم به".

ومن خلال هذه المناورة، يكون ترامب قد حوَّل إلى الكونغرس، في واقع الأمر، مسؤوليةَ إعداد مجموعة أكثر تشدداً من المطالب تجاه طهران، وهي مطالب لا تشمل أنشطة إيران النووية فحسب، وإنما تغطي أيضا طموحاتها إلى الهيمنة وبرنامجها الصاروخي المتواصل ودعمها لـ«حزب الله».

بيد أن المشكلة بهذا الخصوص، كما يعرف معظم المحللين وكثيرون من أعضاء الكونغرس، هي أنه من دون دعم كامل وقوي من الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين، فإن ثمة القليل جداً مما تستطيع الولايات المتحدة فعله بمفردها من أجل تغيير السلوك الإيراني.

ثم إنه في حال عمدت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني بشكل أحادي، مثلما يهدد ترامب بذلك، فإن واشنطن هي مَن ستتلقى اللوم في هذه الحالة، إذ ستُحمِّلها الأطراف الغربية الأخرى (إضافة إلى روسيا والصين) مسؤولية فشل الاتفاق النووي، وليس إيران، وحينها من شبه المؤكد أن هذه الأخيرة ستقوم باستئناف برنامجها النووي.

وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي الأميركي المخضرم السابق «فرانك ويزنر»، أثناء كلمة ألقاها في واشنطن الأسبوع الماضي:

«هل تستطيعون تخيل أي مشكلة في الشرق الأوسط –اليوم– يمكن أن تكون أقل تعقيداً واستعصاءً على الحل لو كان لدى إيران سلاح نووي؟». و«بدلاً من تمزيق الاتفاق»، حث ويزنر الولايات المتحدة على استخدام «الدبلوماسية الماهرة»، وذلك من أجل مواجهة «الأنشطة الشريرة» التي تقوم بها إيران في أنحاء عدة من منطقة الشرق الأوسط، وتحديد ماهية تلك الأنشطة، وكيفية مواجهتها بطريقة فعالة.

غير أنه، وللأسف الشديد، ليس ثمة ما يدل على أن إدارة ترامب لديها أي خطط أو استراتيجيات منسجمة من أجل التعاطي مع إيران، عدا هذه التهديدات التي لا مناص منها بفرض مزيد من العقوبات والتلويح باستخدام القوة.

والواقع أنه لو تصرفت إيران بتشدد وشراسة جديدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، أو كانت ثمة مواجهة بحرية عرضية في منطقة الخليج، فإن ترامب قد يحصل على دعم أكبر، سواء داخل الولايات المتحدة أو بين الحلفاء الأوروبيين.

لكن في غياب مثل هذه الأحداث، فالاحتمال الأقوى والأرجح أن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق، لا سيما بالنظر إلى المواجهة الخطيرة جداً التي ما زالت مستعصية على الحل في شبه الجزيرة الكورية، ذلك أن آخر شيء تحتاجه الولايات المتحدة هو أزمتان نوويتان متزامنتان في الشرق الأوسط وشرق آسيا!

* جيفري كمب مدير البرامج الإقليمية الاستراتيجية في مركز نيكسون بالعاصمة الأميركية واشنطن

  كلمات مفتاحية

ترامب إيران الاتفاق النووي الحرس الثوري رفع العقوبات العلاقات الإيرانية الأمريكية