المستشار القضائي الإسرائيلي: «إجراء هانيبعل» لا يتناقض والقانون الدولي!

الخميس 15 يناير 2015 04:01 ص

احتدم السجال في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حول «إجراء هانيبعل»، الذي قاد استخدامه في الحرب الأخيرة على رفح إلى ارتكاب جرائم حرب، في ما عُرِف بيوم «الجمعة الأسود». 

ويتمّ اللجوء إلى هذا الإجراء عند توفر شبهات بقيام قوة معادية باختطاف أو أسر جندي إسرائيلي، حيث تندفع قوات كبيرة لمنع العدو من الإفلات وتشكل ساتراً نارياً يشلّ الحركة. وبسبب انضمام السلطة الفلسطينية إلى معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية، والخشية من ملاحقات بتهم جرائم حرب، يتشدد المدعي العسكري الإسرائيلي في التحقيق في الاتهامات للحيلولة دون الملاحقة القضائية.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون أبرز مَن تحدّث ضد فتح تحقيق في أحداث يوم «الجمعة الأسود» في رفح، والذي قتل فيه ما يزيد عن مئة مدني فلسطيني ينيران الدبابات والمدفعية والطائرات التي استهدفت أحياء مدنية.
لكن السجال حول التحقيق في أحداث ذلك اليوم كان في جوهره حول «إجراء هانيبعل»، وهو سجال لم يتوقف منذ شاع العلم بوجود هذا الإجراء أثناء الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني. ودار السجال حول جانبين في هذا الإجراء:

هل ينطوي على أمر فعلي باستهداف آسري الجندي حتى لو قاد ذلك إلى مقتل الجندي؟ وهل نتائج الفعل أشدّ خطورة من السبب نفسه؟

وبديهي أنه في كل المراحل كان الحديث يدور حول أخلاقية هذا الإجراء، الذي يتضمّن المجازفة بحياة جنود من أجل إنقاذ جندي، أو حتى قتله، لتجنب خضوع إسرائيل لابتزازات من جانب آسري الجندي.

وبديهي أن هذه الإجراء برز بشكل خاص في إطار الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وبعد أن صار أسر الجنود الإسرائيليين هدفاً بحد ذاته، ووسيلة للإفراج عن الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية. ومن المنطقي الافتراض أن هذا الإجراء نبع أيضاً من واقع أن إسرائيل لا تعامل المقاتلين، من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، على أنهم أسرى حرب، وتجري محاكمات لهم، ولا يتم الإفراج عنهم إلا بعد قضاء مدة محكوميتهم.

وقبل أيام، وعلى خلفية السجال حول «إجراء هانيبعل»، قدّم المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية يهودا فاينشتاين رأياً قانونياً للحكومة، يشدد على أن هذا الإجراء لا يتناقض مع القانون الدولي، وأنه يحظر العمل على قتل الجندي المختطَف. وقال «ليس في القانون الإسرائيلي ولا في القانون الدولي ما يمنع اتخاذ تدابير لإحباط عملية اختطاف، وحتى في الظروف التي تنطوي على احتمال أن تعرّض هذه التدابير للخطر حياة المختطف».

وأضاف أن «استخدام نار مكثفة من أجل منع هروب الخاطفين» لا يتناقض مع القانون الدولي، وأن «الأمر العملياتي بشأن إحباط محاولة اختطاف جندي أو مدني إسرائيلي لا يتضمّن أي أمر يفهم منه صراحة أو ضمناً السماح بالعمل خلافاً لمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك مبدأ التمييز ومبدأ التناسب».

وجاء هذا الرأي في إطار الرد على طلب «رابطة حقوق المواطن» الإسرائيلية بشأن منع هذا الإجراء، وحظر استخدامه في المناطق المكتظة بالمدنيين. ورغم هذا الكلام، اعترف فاينشتاين بأنه لا يمكن الكشف عن النص الكامل للأمر العسكري بشأن «إجراء هانيبعل». 

وقد علق يعلون أمس الأول على تفسير المستشار القضائي للحكومة، قائلاً «حسناً إنه يوجد لهذا إسناد قانوني». وعلى حد قول يعلون، «فان هذا موضوع مهم، واضح لنا انه عند وضع نظام هانيبعل اتخذت فيه كل الاعتبارات، وليس القانونية فقط – توجد هنا اعتبارات أخلاقية، قيمية وكذلك اعتبارات عملياتية».

لكن موقع «والا» الإخباري نقل عن ضباط في لواء «جفعاتي»، المتورط في مجزرة «يوم الجمعة الأسود» في رفح، قولهم إن الجيش علّمهم ما يخالف تفسير فاينشتاين. وقالوا «تلقينا تعليمات واضحة: وجوب فعل كل شيء من أجل منع عملية الاختطاف»، مشدّدين على أن هذه تعليمات تلقوها طوال العام السابق للحرب على غزة.

وقال ضابط في «جفعاتي»، «الأوامر تقول: لا جنود مختطَفين. افعلوا كل شيء لمنع الاختطاف، وأن الفهم الميداني هو إطلاق النار باتجاه مختطِفي الجندي، حتى إذا كان ذلك يعرض للخطر حياة المختطَف».

وأشار معلقون إسرائيليون إلى أن الفهم السائد لدى القوات على الأرض هو «جندي ميت أفضل من جندي مختطَف»، وهو الفهم الذي يفسّر، ربما، وجود مئات حالات الصدمة النفسية لدى الجنود بعد انتهاء الحرب.

وشدد ضباط وجنود، من لواء «جفعاتي» على أنه في العام السابق للحرب والعام الذي قبله أجريت مناورات اختطاف أثناء التدريبات، بعضها في عهد قائد اللواء السابق عوفر ليفي. وقال ضابط إنه في «نهاية المناورات عوقب قسم من الجنود غير اليقظين». وقال آخر «قالوا لنا بوجوب منع الاختطاف بكل ثمن. لم يميز أحد بين ما يحدث في عمل الدوريات أو في النشاط الميداني. في التدريبات حالياً يتحدثون معنا عن الأسر. يحاولون تغيير الفكرة. قالوا لنا إن المدنيين يخطفون والجنود يقعون في الأسر: هناك فارق. يبدو لي أنهم يحاولون إخفاء عجزهم».

في كل حال من المؤكد، وفق ما ترويه وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن ضباطاً كباراً، ممن قادوا العمليات في رفح في الحرب الأخيرة على غزة، توجهوا مؤخراً إلى محامين طلباً للمشورة القانونية بعد أن شرع المدعي العسكري بفحص أحداث يوم «الجمعة الأسود».

ومعروف أن منظمات حقوق إنسان فلسطينية ودولية تقدّمت بعشرات الشكاوى جول جرائم حرب واضحة ارتكبت في رفح في الأول من آب الماضي. ويشتكي الادعاء العسكري، الذي طالما عمل بطريقة توفير الغطاء القانوني للمجرمين بحق القانون الدولي، من كثرة الملفات المطلوب منه التحقيق فيها من ناحية، ومن شدة الحملة عليه من جانب سياسيين وعسكريين لمنع هذه التحقيقات. واضطر المدعي العسكري للإعلان أن وحدته هي «الدرع الواقي» لضباط الجيش من الملاحقات القضائية في الخارج.

 

المصدر | حلمي موسى، السفير

  كلمات مفتاحية

إسرائيل إجراء هانيبعل القانون الدولي تحقيقات حرب غزة اختطاف الجنود