استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

غياب القيم والمبادئ يعمق نزعات التقسيم

الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 02:11 ص

الوحدة والتقسيم ظاهرتان عاصرتا نمو المجتمع الانساني منذ القدم، وما تزالان تتحديانه في القرن الحادي والعشرين.

هذا برغم الحديث المتواصل عن تقدم الانسانية ووعيها وبلوغها مستويات عليا من النضج الاخلاقي والسياسي، وبرغم الفرضية القائلة بان الانسانية «عائلة واحدة»، وتأكيد القرآن الكريم على ذلك: «كان الناس أمة واحدة»، وقول الامام علي بن أبي طالب: «الناس صنفان: اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق».

وبرغم مشاعر الاحباط، فما تزال قيم الوحدة معشوقة الجماهير في كل مكان في الجانب النظري على الأقل. فلا أحد يعشق الفرقة والتمزق والشتات. لكن المشكلة أن من يعمل لتمزيق الوحدة إنما يطرحها ممزوجة بقيم «المصلحة» او «الحفاظ على السلم الاهلي» وغير ذلك.

ويمكن القول ان نهاية الحرب الباردة توجت بحدث فريد من نوعه: توحيد شطري مدينة برلين الالمانية وهدم الجدار الذي فصلهما 27 عاما. غير ان هذه الوحدة لم تكتمل بعد، فما تزال مشاعر الماضي تفرض نفسها على سكان تلك المدينة، وما تزال التقارير تتحدث عن حواجز نفسية ومشاعر الاحباط.

وما أكثر محاولات لم شمل الشعوب التي مزقتها الحروب والخلافات السياسية.

فاليمن الذي فرقته أطماع أهله وأعدائه، طالما تلهف لوحدة شطريه، وقد تحققت تلك الوحدة برهة، لكنها سرعان ما تعرضت لانتكاسات سياسية ونفسية. واليمن اليوم يتعرض لعدوان غاشم يعمل حثيثا لتمزيقه ليس شمالا وجنوبا فحسب، بل وفق أسس التمايز الاخرى كالقبلية والمذهبية.

وقد ارتفعت الاصوات المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال خصوصا بعد ان سيطرت دولة الامارات العربية على عدن، وانتشرت المجموعات المسلحة التابعة لها في حضرموت ومناطق اخرى. وقصة اليمن واحدة من التجارب المرة التي يمتزج فيها القليل من الأمل بالكثير من الاحباط.

أصبحت ظاهرة تمزق الأوطان تهدد المجتمعات الإنسانية في مناطق شتى. ولم تسلم منها الدول المحكومة بـ «الديمقراطية».

فما تشهده اسبانيا في الوقت الحاضر من نزعات انفصالية أصبح يهدد ذلك البلد الذي ما إن بدأ طريقه للخروج من أزمته المالية العاصفة حتى برزت نزعات الانفصال.

وعندما صوت سكان اقليم كاتالونيا الشهر الماضي على الانفصال وتحقيق ما يعتبرونه «استقلالا» أصبحت اسبانيا مهدا للاحتجاجات الصاخبة التي اكتنفتها مشاهد عنف غير مسبوقة. ولتأكيد سلطة الحكومة المركزية اصبح هناك استهداف لقادة الانفصال الذين كانوا يحكمون تلك المقاطعة.

الأزمة هذه المرة تتجاوز الحدود الأسبانية لتشمل الاتحاد الأوروبي. هذا الاتحاد رفض نزعة الانفصال ولكنه اصبح مطالبا بمواقف قد تتناقض مع قيمه وسياساته.

فهناك ضغوط على بلجيكا لتسليم قادة الانفصال الذين لجأوا اليها مؤخرا بعد أن أصدرت الحكومة المركزية قرارات باعتقالهم ومحاكمتهم. كاتالونيا تحولت إلى بالون اختبار ليس للوحدة الأسبانية فحسب بل لبقية الدول التي تعاني من نزعات انفصالية خطيرة. وبلجيكا التي اصبحت طرفًا في الصراع الأسباني، تعاني هي الأخرى من دعوات انفصالية قديمة.

بريطانيا هي البلد الأوروبي الآخر الذي يؤرقه شبح الانفصال والتفتت لأسباب عديدة.

فالأزمة الايرلندية التي يفترض انها قد حلت تمثل شبحا دائما لا يغيب عن الحياة السياسية. فمثلا فاز حزب «شن فين» الذي يعتبر الجناح السياسي للجيش الايرلندي الشمالي فاز في الانتخابات البرلمانية الاخيرة بسبعة مقاعد، ولكن اعضاءه لا يحضرون جلسات البرلمان لاعتراضهم على قسم الولاء والطاعة للملكة، مع احتفاظهم بحقوقهم الاخرى.

كما ان جمهورية ايرلندا نفسها عضو بالاتحاد الاوروبي ولكنها قلقة جدا بعد القرار البريطاني الانسحاب منه، لأنها ستواجه قضية الحدود بينها وبين بريطانيا بعد اكتمال إجراءات الانسحاب.

يضاف إلى ذلك وجود رغبة جامحة لدى قطاع واسع من سكان مقاطعة اسكتلاندا بالاستقلال والانفصال عن بريطانيا. ومع ان الاستفتاء الذي أجري منذ أكثر من عامين لم يحقق الأغلبية لدعاة الانفصال إلا ان شبحه ماثل امام الساسة البريطانيين، خصوصا ان الحزب الاسكتلاندي الأكبر بزعامة السيدة نيكولا ستيرجن يتبنى مشروع الانفصال ويهدد باستفتاء جديد.

وما لم يحسم مستقبل اسكتلاندا وايرلندا الشمالية فمن المتوقع بروز مطالب اخرى بانفصال ويلز وربما كورنوول أيضا.

هذه النزعة للانفصال لها اسبابها التي من بينها الشعور بتهميش ثقافة شعوب تلك الأقاليم وغياب التوزيع العادل للثروة وكذلك التهميش السياسي.

وفيما يستذكر العالم هذه الأيام الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، فانه استحضر ايضا تبعات ذلك الاعلان ليس على صعيد فلسطين وأهلها الذين دفعوا ثمن ذلك الاعلان باهظا بل على المنطقة كلها.

الفلسطينيون قدموا آلاف الشهداء، وفقدوا ارضهم، وطردوا من أوطانهم. والأشد ايلاما ان بريطانيا التي أسست لذلك لم تكتف بالصمت بل احتفت بالذكرى المشؤومة واستضافت أحد أبشع رموز الاحتلال، وتعاملت معه كرجل دولة متجاهلة انهار الدماء التي اسالها وما يزال يفعل.

وقد ساهمت الامم المتحدة في صناعة الازمة الفلسطينية. فبعد ثلاثين عاما على صدور إعلان بلفور، اصدرت تلك المنظمة قرارها رقم 181 عام 1947 الذي تبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي:

- دولة عربية: تبلغ مساحتها حوالي 4.300 ميل مربع (11.000 كيلومتر مربع) ما يمثل 42.3٪ من فلسطين وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.

- دولة يهودية: تبلغ مساحتها حوالي 5.700 ميل مربع (15.000 كيلومتر مربع) ما يمثل 57.7٪ من فلسطين وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً.

اما القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة فتبقى تحت وصاية دولية. وبعد سبعين عاما على صدور قرار التقسيم ما يزال الفلسطينيون محرومين من وطنهم ودولتهم، في ظل نظام دولي جائر يساند القوي ويتخلى عن الضعيف.

تقسيم المقسم وتجزيء المجزّأ، ذلك هو المشروع الغربي في المنطقة العربية، ماضيا وحاضرا.

قبل ستة اعوام قسم السودان إلى بلدين، ومنح جنوب السودان استقلالا عن شماله بعد حروب استمرت عقودا، أثيرت فيها النزعات العرقية والدينية. كان ذلك عقابا للسودان على سياساته التي أعلنت تطبيق الشريعة وأصبحت محسوبة على تيار الإسلام السياسي، برغم ان حاكمه ضابط وصل للسلطة بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة في 1989.

تواصلت الضغوط على ذلك البلد، وتم التلويح بورقة دارفور التي شهدت حربا طاحنة منذ العام 2003 وقتل فيها مئات الآلاف. ولتفادي ذلك غير السودان في السنوات الاخيرة سياساته الخارجية وتقارب مع الغرب، خصوصا بعد ان اصدرت محكمة الجنايات الدولية قرارا باعتقال الرئيس عمر البشير.

هذا القرار أصبح لاغيا بعد أن تقارب البشير مع السعودية وأمريكا، وقطع علاقاته بإيران. مع ذلك سيظل سيف التمزيق مسلطا على السودان، كما على غيره من البلدان العربية الكبرى كمصر وسوريا والعراق.

فطرح قضية أكراد العراق بالشكل والزخم الاخيرين يؤكد رغبة الغرب في اللعب على التناقضات واستغلالها لتمكين وجوده السياسي والعسكري في المنطقة.

وعندما تصرفت الحكومة المركزية بحزم تم احتواء مشكلة انفصال الاكراد عن العراق، وبالتالي تم تجميد مشروع تقسيم الدول التي تضم جاليات كردية كبيرة مثل سوريا وتركيا وروسيا وإيران.

ما مستقبل التوجهات الانفصالية؟

إذا استمر العالم بلا قيادة وبدون قيم أخلاقية تحكم مساره، فستتصاعد نزعات الانفصال والتفتت، أما إذا اصبح هناك نظام عالمي مركزي يتمتع بأذرع ضاربة وقيم أخلاقية وإنسانية عميقة، فمن المتعذر حدوث تصدعات كبرى في الكيانات السياسية القائمة.

برغم استسخاف البعض لمقولة وحدة الأمة، إلا أنها تظل الضامن الأقوى لوقف مسلسل التصدع والانفصال وتتضاءل دوافع الكيانات الصغيرة للاستقلال.

عندها تتعمق بذور الانتماء والوحدة والتقارب بدلا من التصدع والتمزق والتفتيت.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

القيم المبادئ التقسيم الأقليات العرقية كتالونيا كردستان العراق فلسطين وعد بلفور