«ربيع قرطبة».. رواية تتناول السلطة والتعايش الديني في الأندلس

الأربعاء 8 نوفمبر 2017 03:11 ص

يتناول الأديب المغربي «حسن أوريد»، في روايته الجديدة «ربيع قرطبة» التي طرحت بالمكتبات قبل أيام؛ الحقبة الإسلامية في الأندلس، متخذاً منها وسيلة لمساءلة كثير من قضايا السياسة ودواليب البلاط وتقلبات الحكم والتعايش الديني، ويقدّم وصايا من عصرها الذهبي.

الرواية الصادرة عن دار «المركز الثقافي العربي» اختار فيها «أوريد» (55 عاماً) العودة إلى الفترة الذهبية بالأندلس إبان حكم الخليفة الحكَم «المستنصر بالله» (915 - 976 م)، ثاني خلفاء الأندلس بعد والده «عبدالرحمن الناصر لدين الله»، الذي أعلن الخلافة في الأندلس عام 316 هـ (922م).

في بناء سردي بسيط يعتمد «أوريد» على التذكر المباشر، يبدأ خيط السرد انطلاقا من حالة الخليفة «المستنصر بالله» وهو على فراش الموت حيث يريد أن يبوح بكل شيء.

تسامح ديني

يجمع المؤرخون على أن فترة الأندلس كانت من أزهى فترات الحضارة الإسلامية تسامحا، ولذلك تركز الرواية على إبراز هذه القضية.

هكذا تصور الرواية «المستنصر بالله» واعياً بالزمن وحريصا على تسجيل مذكراته ونقلها للأجيال المقبلة، فيقول للفتى الذي يملي عليه: «سجل يا فتى في صحيفتك ما تعرفه ولكني أريدك أن تحمله للأجيال المقبلة لأنه يعبر عن صورة الأندلس صورة التوادد والتعايش».

وعلى لسان الخليفة «عبدالرحمن الناصر»، وهو يوجه الكلام لابنه «الحكم» يقول السارد: «لتعلم يا حكم أن شأن العقيدة أمر شخصي. أُحْكُمْ على الناس بما يأتون من عمل لا بما يؤمنون به أو يعتقدون. فالحق أجلُّ من أن يقصر في دين، والأخلاق أسمى من أن تحصر في قبيل».

قبل أن يضيف «أوريد»، على لسان «الحكم» هذه المرة: «نحن أهل الأندلس مسلمون ومسيحيون ويهود في آن».

البلاط الملكي والأندلسي

يدور محور الرواية حول مخاطبة الخليفة «المستنصر بالله» الفتى البربري «زيري»، الذي اتخذه لمهمة خاصة هي أن ينقل عنه شهادته، مخبراً إياه بأنه «بقي أمر واحد وهو أن تتحول الأندلس إلى فكرة ولذلك أردتك مدوناً لهذا الحديث»؛ ويضيف الخليفة «عن قريب ألقى الله وينبغي أن تشهد عني وأن تكون هذه الشهادة كفارة لي».

كاتب الرواية «أوريد» سبق أن درس مع العاهل المغربي الملك «محمد السادس»، ورافقه لسنوات طوال، وكان أول ناطق رسمي باسم القصر الملكي (1999 - 2005)، كما كان المؤرخ الرسمي للمملكة، قبل أن يبعد عن المهام الرسمية.

من هنا يجد القارئ انشغالاً بتفاصيل الحياة داخل البلاط، فلم يدخر السارد جهداً في التعليق على وظيفة الحكم وإبراز هواجس السلطان وحالته النفسية ومشاعره المخفي منها والمعلن.

يقول «أوريد» «قد يختصنا الله نحن الملوك لجليل الأمر، ولكنه لا يفعل ذلك إلا بعد أن ينزع منا ما هو جميل في الحياة»، ويتابع «أوريد»: «ألا ما أثقلها من أمانة وما أعظمها من مسؤولية، فهي كالجمرة نتوارثها ولا يحق لأي منا أن تنطفئ في يده».

وفي موطن آخر من الرواية يقول «أوريد»: «تبيّنت كم هي ثقيلة تلك الرسالة التي أتهيأ لحملها. وددت لو كنت خلوا من الأمر لا لي ولا عليّ. فتى يأكل الطعام ويمشي في الأسواق».

كما نقرأ في الرواية «تُنْسَب إلينا نحن الملوك عدة أشياء، ولكننا لا نملك كثيراً من الأمر أمام خدامنا وأمام الظروف أو التاريخ. وقد يداخل بعضنا الغرور فيحسبون أنهم الفاعلون لما يريدون».

ليستدرك «أوريد» بالقول ليس هناك من حكم على الملوك إلا التاريخ يا «زيري». العامة متقبلة والخاصة متأرجحة وفق أهوائها ومصالحها. ولذلك نحرص أن نقدم روايتنا ولو منقحة لأن لا سلطان من دون أسطورة.

وكان لبطانة السلطان قسط من الاهتمام، فيذكر «أوريد» أن «كل مَنْ يتولى شؤون العباد يعرف كذب الحاشية ونفاقها، ومع ذلك فهو محتاج إليها وإلى نفاقها. محتاج إلى هذه البطانة التي تشيع فيه الدفء. دفء السلطان وزهوه وغروره».

ويضيف «أوريد»: «يتوزع كل من يتولى أمور العباد بين شعور الحاجة إلى هؤلاء والازدراء لهم لأنه يعرف في قرارة نفسه أنهم لا يدينون لشخصه بل للقبه».

الوعي باللغة

يطلق الناقد المغربي «سعيد يقطين» وصف «الرواية البدينة» على الروايات التي صدرت في الآونة الأخيرة حيث تتجاوز أغلبها 300 صفحة، لكن يبدو أن رواية «ربيع قرطبة» لا تهتم بهذا الهاجس الكمي، إذ لا تتجاوز صفحاتها 160 صفحة، مما يجعلها من الروايات النادرة التي تحافظ على أناقة في الشكل رغم أنها تكتب عن مرحلة شائكة.

إضافة إلى ذلك تهتم الرواية باللغة، إلى حد كبير، حيث يمكن تلمُّس الكثير من المفردات التي تتوارى من فترة لاحقة، ما يعني أن الكاتب حاول التماهي مع لغة كانت سائدة في فترة الأندلس، يضطر معها أحياناً إلى وضع هوامش على امتداد الرواية لشرح المفردات الصعبة.

وكما لو كان جواباً على أسئلة معاصرة عن المسألة اللغوية في الوطن العربي، تنوه الرواية بعناية السلطان باللغة العربية ودعوة غير العرب للاعتزاز بها.

فعلى لسان الخليفة يقول «أوريد»: «عسى أن يعرف اللاحقون سوق الآداب في حضرتنا، وما اضطلعنا به من دفاع عن لغة الضاد وحمل رايتها. نحن سد مانع ضد الرافضة (فرقة في التاريخ الإسلامي) وما استحدثوه من أمر يهدد لحمة الأمة. ونحن حملة اللغة العربية».

ويتابع «أوريد»: «زيري أيها الفتى البربري، (اللغة العربية) هي لغتك كما هي لغة أبي علي القالي وهو من الأرمن، كما هي لغتي أنا الذي تجري فيه دماء العرب والبربر والقوط».

وتُذكر الرواية في المُجمل بالمسلسل العربي الشهير «ربيع قرطبة»، الذي ألفه الأردني «وليد سيف»، وأخرجه السوري «حاتم علي»، كما تذكر بعدد من الأعمال السردية العربية التي تناولت فترة الأندلس، وأشهرها «ثلاثية غرناطة» للرواية المصرية «رضوى عاشور».

وكان حسن أوريد طرح من قبل الكثير من الأعمال الأدبية أهمها روايات «الموريسكي»، و«سيرة حمار»، و«الأجمة»، كما أصدر كتبا أخرى في الفكر أهمها كتاب «مرآة الغرب المنكسرة».

المصدر | الخليج الجديد+الأناضول

  كلمات مفتاحية

ربيع قرطبة أوريد المغرب محمد السادس المستنصر بالله تعايش حضارة بلاط ملوك

زعيم حزب إسباني معادي للمهاجرين سليل قائد عربي