فيلم «الجزيرة الغامضة».. مجانين العالم يتهمون المقاومين بانعدام الضمير!

الثلاثاء 14 نوفمبر 2017 08:11 ص

فيلم اليوم «الجزيرة الغامضة أو Shutter Island» إخراج «مارتن سكورسيزي» وبطولة الأمريكي «ليونارد دي كابريو» يمثل واحدًا من علامات السينما الأمريكية بعامة، والأفلام الغامضة بخاصة خلال السنوات القليلة الماضية؛ ففيه من روح أفلام المخرج البريطاني الراحل «ألفريد هيتشكوك» المُرعبة مع غموض المخرج الروسي الراحل أيضًا «أندري تاركوفسكي».

باختصار إننا أمام فيلم لا تستطيع تحديد المساحة الغالبة عليه أهي للرعب أم التحليل النفسي أو الغموض، على أن أبرز ما في الفيلم الذي يمتد إلى 138 دقيقة؛ هو نهايته التي تجيء مفاجئة تمامًا رغم استمراره أكثر من ساعتين و10 دقائق.

في الفيلم تغلب الأجواء الدرامية الكابوسية على الأحداث، أما تقنيات المسرح من الديكورات والموسيقى التصويرية فتغلب على الشكل، ولكن كل هذا لا يمنع أن الفيلم يجسد لوحة سينمائية متناغمة لولا الإطالة والإغراق في الغموض.

الدماء لا تسقط بالتقادم

فيلم اليوم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة «دينيس ليهان» بسيناريو لـ«ليتا كالوغريديس»، وهو التعاون الخامس بين مخرجه «سكورسيزي» وبطله «دي كابريو» منذ «عصابات أمريكا Gangs of New York» عام 2002، و«الطيار The Aviator» عام 2004، و«المغادرون The Departed»، وأخيرًا «ذئب وول أستريت The Wolf of Wall Street».

ورغم أن فيلم اليوم لم يدخل في حسابات أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي تمنح جائزة «الأوسكار» لما رأته من تقديم الفيلم لأجواء غير مُعتادة سينمائيًا، لكن الفيلم أُعتبر برغم هذا من أروع الأفلام الأمريكية، كما تم اختياره كواحد من أفضل 250 فيلمًا في تاريخ السينما العالمية منذ بدايتها.

ورغم أن أفلام «سكورسيزي» لا تحقق الدخل المادي المرجو فأن فيلم اليوم الذي تكلف قرابة 80 مليون دولار استطاع تحقيق ربح تجاري وفير ربما للمرة الأولى في تاريخ مخرجه الإيطالي الأصول.

في قطع متوازٍ تدور أحداث الفيلم بين الحقيقة والأحلام، ما يذكرنا بفيلم «دي كابريو» «استهلال Inception» لـ«كريستوفر نولان» وهو من إنتاج 2010 أيضًا، فالبطل «تيدي دانيالز» (ليوناردو دي كابريو) مارشال أمريكي متخصص في مجال التعامل النفسي مع المجرمين، سبق أن نال وسام المحاربين القدامى في الجيش، كما سُجِنَ في تحرير «داكاو» الألمانية في الحرب العالمية الثانية.

 أحداث الفيلم تدور في عام 1954م بانتقال «دانيالز» (رونالدو دي كابريو) مع مساعده الذي يتعامل معه للمرة الأولى «شاك» أو (مارك رونالدو)، للتحقيق في هروب سجينة من مستشفى للأمراض العقلية بالغ الحصانة على «الجزيرة الغامضة»، وهو ما يُمثل الهروب المستحيل، فالمستشفى منيع، وهو يحتوي أخطر المجرمين والمضطربين نفسيًا، فضلًا عن أنه مفصول عن العالم داخل جزيرة تحدها المياه من جميع أطرافها، وفي المستشفى يُفاجأ «دانيالز» بتعنت «كالاوي» (بن كسينغلي) مدير فريق الأطباء النفسيين ويضطر للانسحاب من القضية كلها.

يباغت الفيلم المُشاهدَ بأن البطل «دانيالز» يعاني هو الآخر من انفصام في الشخصية؛ فهو يحقق في اختفاء سجينة مجرمة ذبحت أبناءها وطهتهم وتناولتهم، وفي نفس الوقت رأيه فيها أنه ينبغي القضاء عليها وعدم السماح لها بالحياة، مع شفقته الواضحة على أشباهها من النزلاء المسجونين المُكلفين بخدمة المستشفى وهم في القيود أو الأصفاد؛ كما أن «دانيالز» يعاني من استحضاره لزوجته في المنام واليقظة لتحل له إشكاليات الواقع التي لا يعرف كيف يحلها، فتخبره أن قاتلها المتطرف الذي أشعل النيران في بنايتها موجود في المستشفى وأن النزيلة لم تهرب منها وبالتالي فإنه لن يغادرها.

هنا يقع المشاهد ضحية غموض مُركز بين أحداث واقعية أمامه وخلفيات خيالية كابوسية، ومع مرور زمن الفيلم يكتشف أن البطل «دانيالز» شارك في قتل  نحو 500 ألماني أثناء الحرب العالمية الأخيرة؛ ولم يكن القتل بسببٍ من دفاع عن النفس أو ما شابه لكنه أعدمهم مع آخرين بدماء باردة بلا سبب سوى روح العنف والحشية البشرية لما لا تجد ما يردعها، وهي نفسها التي يعاني منها العالم أو ضعفاؤه خاصة أمام الاندفاع الجنوني الأمريكي نحو قتلهم، ولكن هل ينسى القاتل مشهد الدمار والاحتضار اللذينِ تسبب فيهما؟

يتخيل «دانيالز» الجثث المتراكمة فوق بعضها، والأطفال والنساء، بل يخيل إليه أنه قتل «هتلر» (!)، وهو يرى هذه الصور في اليقظة قبل المنام تطارده فلا يستطيع إخبار أحد بها.

كيفية فصل العقل عن الجنون

جوهر الفيلم إذن؛ أن الدماء لا تسقط بالتقادم، وأن المجرم مهما فعل فلن يستطيع إخفاء جريمته، وأن الضباط السفاحين الأمريكيين يحاربون الأقل دموية منهم ويفصلونهم عن العالم ويعذبونهم، فيما الجميع من الأساس مجرم، ولكن هناك مجرمون داخل القانون وآخرون خارجه، والتميز بين النوعين يتم عبر مدى قوة نفوذيهما، وهكذا ففوق الجزيرة مجرمون شاركوا البطل عدوانه على الألمان (قائد شرطة الجزيرة، وقاتل زوجة البطل)، كما أن هناك أبرياء جل ذنبهم أنهم أرادوا كشف الزيف الطبي الأمريكي؛ الشاب الذي اكتشف أن سجن الجزيرة يتم خلاله مسخ عقول الضحايا لتحويلهم إلى أداة لإجراء التجارب الطبية البشعة بإبدال الفئران المعملية بآدميين، والطبيبة التي اكتشفت الأمر فتم سجنها مع المجرمين لولا هروبها في كهوف الجزيرة، وتم استنساخ نسخة بشرية منها في صورة المريضة التي ادعت إدارة السجن هروبها «راشيل سولاندو» أو «إيميلي مورتيمير».

وفي المنتصف يتورط صناع الفيلم في الجنون نفسه الذي عابوه، إذ تُوهم الأحداث المشاهد بأن البطل هارب هو الآخر من مصحة الأمراض النفسية للمجرمين الخطرين أو الجزيرة، وأنه توهم أحداث الفيلم بعد قتله زوجته المجنونة بعد قتلها أبنائها بلا سبب، وهو السيناريو الذي يتمادى الفيلم فيه وينتهي عليه تاركًا المشاهد في حيرة، هل البطل مريض نفسي توهم أن أطباء الجزيرة وقائد أمنها مجرمين أم أنه مارشال أمريكي حالي ما يزال؟

أما في الحقيقة أو ما يخص جوهر الفيلم فإن الجميع مدان، ولن يترك المدانون المساحة للبطل ليدعي أنه مارشال حالي في الجيش ليستوعبوا مرضه، مع ما سببه لهم ذلك من خسائر هائلة، وإلا لما تردت الحالة النفسية لجميع المرضى في المستشفى فصاروا أصدقاء لقاتليهم.

وأما على صعيد السطحيات التي أدمن الفيلم تناولها والتورط في دلائل صغيرة لكسب ذوي الثقافات المختلفة من المشاهدين، فإن مشاهد مثل مناداة «شاك» مساعد «دانيالز» له باسمه المعروف به كمارشال حالي قبل إجراء جراحة جديدة للأخير لينسى نفسه من جديد، وكذلك مشهد سحب سلاح الرجلين «دانيالز» و«شاك»، في بداية الفيلم وسحب الأول لسلاحه بسهولة، وتعثر الثاني كثيرًا يزيل هذا الغموض فالأول ضابط بالفعل والثاني طبيب نفسي مكلف بمراقبته، كما أن جملة النهاية في الفيلم كاشفة على أن أحداثه الحقيقية تدين جميع الأبطال من رجال القانون والطب والأمن وتُبرئ نسبيًا صغار المجرمين ولو كانوا قتلة.. تقول الجملة: «هل تفضل أن تعيش رجلًا جيدًا أو أن تموت وحشًا؟».

أما الوحشية، بحسب الفيلم، فهي استمرارك في تحقيق رغبات نفسك السيئة وقتل الآخرين بلا مبرر سوى شهوة الدماء.

نجحت الموسيقى التصويرية للكندي «روبي روبيرتسونفي» في تكثيف أجواء الفيلم الكابوسية أكثر، مثلها مثل الديكور والتلاعب بالظلال والأضواء والأبيض والأسود من المشاهد على ندرتها بشكل خاص.

فيلم «الجزيرة الغامضة».. اكتشاف مميز للنفس البشرية وقدرتها على قلب الأمور واتهام الآخرين بالجنون كمبرر للقضاء على حياتهم من جانب المجانين الحقيقيين، وهو ما يتورط العالم سياسيًا فيه اليوم.. لولا أن الفيلم (سينمائيًا) توغل في الغموض والكابوسية وأجواء الرعب!

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي الجزيرة الغامضة Shutter Island دي كابريو سكورسيزي غموض الحرب العالمية الثانية ألمانيا ضحايا سجن شرطة تحليل نفسي عنف

فيلم «إنقاذ الجندي ريان»: هل تعالج الكوارث بدعوات الأمهات؟!