في زيمبابوي.. «موغابي» يترنح وحكمه ينزلق والجيش يحاول التبرؤ من الانقلاب

الأربعاء 15 نوفمبر 2017 07:11 ص

بعد نحو أربعة عقود من حكم البلاد، تبدو السلطة وكأنها قد انزلقت أخيرا من يد الرئيس الزيمبابوي «روبرت موغابي» الذي احتفظ بقبضة حديدية على منصبه رغم ضعفه المتزايد وعزله الدبلوماسي عن الغرب، ورغم إنكار الجيش أن تكون تحركاته الأخيرة بهدف الانقلاب العسكري على «موغابي» فإن العالم تحدث عنها باعتبارها كذلك بالفعل، وناقشت وسائل الإعلام مصيرها كما لو كان حكمه جزءا من الماضي.

«الانقلاب العسكري يعد أشبه بالخيار النووي، وسيكون من الصعب الدفاع عن انقلاب عسكري في الداخل وفي المجتمع الدولي، ولذلك سيرغب الجيش في تفادي وصف تحركاته بذلك».. هكذا فسر الأكاديمي الزيمبابوي المقيم في لندن «أليكس ماجايزا» تصريحات الجيش، وإن كان هو الآخر رأى أن حكم «موغابي الطاغية» قد انتهى أخيرا.

صحيفة «النيويورك تايمز» قالت إن مصير «حكم موغابي المترنح» ذو الـ93 عاما بات في في أيدي حلفاء سابقين ومسؤولين معارضين يتفاوضون بشأن مستقبله، وذلك بعد أن أعلن رئيس جنوب إفريقيا «جاكوب زوما» أنه اتصل بـ«موغابي» وأخبره بأنه «قيد الإقامة الجبرية» لكنه بخير.

ويرى محللون إن الجيش يرغب في طرح تحركه كخطوة أبعد ما تكون عن انقلاب كامل، لتفادي الانتقادات من قبل أفريقيا الحريصة على الابتعاد عن صورة قادة الجيش الذين يشكلون السلطة العليا، وهي الصورة التي سادت القارة إبان الحرب الباردة.

لكنهم اعتبروا أنه في حالة «موغابي» المكروه داخليا وخارجيا، قد يقبل الجميع ويغض الطرف عن أي شيء ينهي سنوات حكمه البغيض، فقط سيكون عليهم ان يتأكدوا أن موغابي آخر لن يحكم ذلك البلد الذي أنهكته الدكتاتورية

طاغية أسقطه غرور امرأة

وعلى مدى ما يقرب من أربعة عقود، مارس السيد موغابي سلطة لا مثيل لها من خلال توزيع جرعات صحية من القوة والأرض والخوف. وقد سحق المعارضة من خلال الاشراف على مذبحة الآلاف من المدنيين في الثمانينيات، وتجاوز كل منافسيه في حزبه والمعارضة. كانت هيمنته ساحقة لدرجة أنه حتى في التسعينيات من عمره رغم مرضه وضعف صحته بسبب السن، أظهر خلفاء محتملون احتراما شديدا، و اختاروا البقاء هادئين حتى الموت النهائي.

ولكن يبدو أنه ذهب بعيدا جدا في محاولة لوضع زوجته، «غريس موغابي» ، 52 عاما، خلفا له. ودخلت السياسة قبل عامين فقط، ولم يكن لها دور في حرب التحرير في البلاد.

وفي العاصمة هاراري، اصطفت الدبابات متمركزة حول المباني الحكومية الاستراتيجية والتقاطعات، لكن المحلات التجارية والبنوك ظلت مفتوحة، وواصل معظم الناس أعمالهم اليومية كالمعتاد، ربما لأن الانقلاب الظاهري حدث بدون عنف أو مقاومة.

وأظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون على «تويتر»  جنودا عسكريين يفتشون السيارات في الطريق الرئيسية المؤدية إلى مطار العاصمة، والذي لا تزال اللافتات تحمل اسمه الجديد الذي أطلق عليه اسم «الرئيس المحتجز» في الأسبوع الماضي، «مطار روبرت غابرييل موغابي الدولي».

الرئيس مسلوب الحرية؟

ورغم أن الجيش تجنب ذكر إزاحة «موغابي» من منصبه كرئيس للجمهورية، ما يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية الإبقاء عليه أثناء فترة انتقالية، فإنه مع كل الترتيبات التي تجري في هاراري، بدا واضحا بشكل متزايد أن حقبة جديدة قد اقتربت من ذلك البلد اأفريقي.

المحامية الدستورية والحقوقية الزيبابوية «فادزاي ماهاري» لفتت على صفحتها بـ«تويتر» إلى أن بيان الجيش لم يتضمن وقف العمل بالدستور، ولا إعلان حالة الطوارئ، لكنها لفتت إلى أن الدستور والمنطق لا يتضمن أن يكون رئيس البلاد محتجزا ورهن الإقامة الجبرية وهو لا يزال في يتولى السلطة، كما بثت صورا على صفحتها لما يشتبه أنهم مسئولون كبار يجلسون على الأرض في صف فيما يحيط بهم جنود عسكريون داخل باحة احد الأبنية الحكومية.

«نيويورك تايمز» من جانبها رأت أن السلطة تنزلق عن السيد موغابي لأن القوات الخارجية أصبحت هي التي تحدد مصيره، في إشارة إلى تأكيد «جاكوب زوما» أنه سيرسل وفدا من بلاده (جنوب إفريقيا) بينهم وزير دفاعه، للقاء «موغابي» والعسكريين الذين استولوا على السلطة والتحدث بشأن ما يجري في البلاد.

واستيقظت العاصمة الزيمبابوية هاراري، الأربعاء، على وقع تحركات عسكرية، وفوجئ المواطنون ببث عسكري على التليفزيون الرسمي يؤكد أن النشاط العسكري في البلد اأفريقي ليس استيلاء على الحكم لكنه يرمي إلى «استهداف مجرمين» محيطين بالرئيس، وذلك إثر ليلة مضطربة عاشتها البلاد شهدت تحرك دبابات الجيش على خلفية المواجهة بين زوجة رئيس البلاد الطامحة لخلافته، ونائب الرئيس «إيميرسون منانغاغوا»، وقد انتهت بإقالة الأخير من منصبه.

وتحركت القوات المسلحة بعد 24 ساعة فقط من تهديد قائد القوات المسلحة «كونستانتينو تشيونغا» بالتدخل لإنهاء حملة تطهير ضد حلفائه في الحزب الحاكم، وتحذير الرئيس «موغابي» بسبب إقالته نائب رئيس الجمهورية إثر دخول الأخير في مواجهة مع «غريس موغابي» (52 عاما) زوجة الرئيس التي تناصب العداء للكثير من المسؤولين في الحزب الحاكم.

وذكرت وكالة رويترز أن الجنود انتشروا في أنحاء العاصمة هاراري، وسيطروا على هيئة البث الرسمية (ZBC) في الساعات الأولى من صباح اليوم، بعد أن وجه حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي، وهو الجبهة الوطنية الحاكم، الذي يتزعمه موغابي، اتهاما لقائد الجيش بالخيانة، مما زاد من التكهنات بحدوث انقلاب على الرئيس، فى تصعيد كبير في الصراع على خلافة موغابي، الذي لم تعرف زيمبابوي زعيما غيره منذ أن نالت استقلالها عن بريطانيا عام 1980.

«شباب زانو».. و«جي 40»

وألقى الجيش القبض على وزير المالية «إجناشيوس تشومبو»، الذي يعد عضوا بارزا في جناح بالحزب الحاكم يعرف باسم (جي 40)، وتتزعمه زوجة «موغابي».

وبث الناشط الحقوقي «دوغ كولتارت» صورا لحاملات جنود مصفحة على طرق رئيسية في العاصمة بعد 24 ساعة فقط من تهديد قائد القوات المسلحة «كونستانتينو تشيونجا» بالتدخل لإنهاء حملة تطهير ضد حلفائه في الحزب الحاكم.

وقال الناشط الحقوقي إن زعيم حركة «شباب زامو» الموالية لـ«موغابي» تم إيقافه، وأن بيانا للحركة قالت إن زعيمها آمن، وإن الإيقاف تم لضمان سلامته، وإنه يطلب منهم البقاء هادئين، وهو ما يعد تحولا في موقف الحركة التي سبق أن هددت الجيش بالمواجهات في الشوارع إذا ما تحرك ضد رئيس البلاد.

وكشف الناشط «كولتارت» أن الجنود سيطروا على مقر هيئة البث الرسمية (ZBC) الناطق الرسمى باسم «موغابي» وأمروا العاملين بالمغادرة، وقال موظفان في الهيئة وناشط في مجال حقوق الإنسان إنه جرى التعامل بخشونة مع العديد من العاملين في هذه الهيئة.

التمساح.. الأوفر حظا

وكان «منانغاغوا» واسمه الحركي في أجهزة الأمن «ذا كروكودايل» (أي التمساح) حتى شهور قليلة مضت الأوفر حظا لخلافة «موغابي»، ولكن أطيح به قبل أسبوع لتمهيد الطريق أمام زوجة موغابي البالغة من العمر 52 عاما لخلافته، ولكن الجيش يرفض قبول إقالة «منانغاغوا».

واعتبر السيد «منانغاغوا» (75 عاما) قريبا من القادة العسكريين، بمن فيهم قائد قوات الدفاع الزيمبابوية، الجنرال «كونستانتينو تشيونغا»، الذي هدد بالتدخل العسكري في وقت مبكر من هذا الأسبوع.

وعلى الرغم من أنه كان قدامى المحاربين في حزب زانو-يف الحاكم، فقد كان منغانغوا معروفا أيضا أنه على علاقة جيدة مع مورغان تسفانجيراي، الزعيم الطويل لحزب المعارضة الرئيسي، حركة التغيير الديمقراطي.

وطبقا لعدد كبير من وثائق المخابرات التي سبق أن نشرتها عليها «رويترز»، فإن «منانغاغوا»  كان يعتزم إنعاش الاقتصاد بإعادة آلاف المزارعين البيض الذين طردوا من أراضيهم منذ ما يقرب من 20 عاما وإصلاح العلاقات مع مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ائتلاف.. لا انقلاب

وقال «كريس موتسفانغوا» وهو حليف وثيق للسيد «منانغاغوا»، وهو ايضا زعيم رابطة المحاربين القدماء ووزير سابق تحت السيد «موغابى»، فى تصريحات صحفية «لقد غيرنا قط رئيس القطار».

وقال السيد «موتسفانغوا» إنه في حكومة مؤقتة محتملة، سيعمل السيد «منانغاغوا» رئيسا، والسيد «تسفانجيراي» رئيسا للوزراء.

وقال «موتسفانغوا»: «إنه ائتلاف اكثر من انقلاب»، وأضاف: «موجابى كان خديرا وعاجلا، وان الامور تدار وراء الكواليس من قبل زمرة صغيرة وزوجته».

وقد عمل «تسفانجيراي»، زعيم المعارضة، في حكومة ائتلافية من قبل مع «موغابي»، وذلك بعد موسم انتخابي ذائع الصيت في عام 2008، حيث هاجمت قوات الأمن ومؤيدو «موغابي» وقتلوا وخوفوا الآلاف من أعضاء المعارضة، فازداد الغضب الدولي وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد، مما أجبر الرئيس على الموافقة على اتفاق لتقاسم السلطة.

وأدى السيد «تسفانجيراي» اليمين كرئيس للوزراء في عام 2009، ولكن هذا الترتيب كان معيبا من البداية وانهار بعد أن استعاد السيد موغابي السلطة في انتخابات عام 2013.

وقال مسؤولون بالمعارضة يوم الأربعاء إنه لم يتم اتخاذ أي قرار حول ائتلاف جديد، وأضافوا انهم ما زالوا حذرين من الدخول فى اى تحالف مع السيد «منانغاغوا».

وقال «إلياس مودزوري»، نائب رئيس حركة «التغيير الديموقراطي»، «نحن لسنا متأكدين من النهاية.. إنهم يقولون إن هذا ليس انقلابا، ولكن بالنسبة لنا، إنه انقلاب».

ورفض «سافيور كاسوكويري» وزير الحكم المحلي، وهو شخصية بارزة في جناح (جي 40) الشاب نسبيا الذي تتزعمه غريس، الرد على أسئلة لـ«رويترز» بخصوص الوضع في هاراري كما رفض متحدثون باسم الجيش والشرطة والحكومة الرد على العديد من المكالمات التليفونية طلبا للتعليق.

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

زيمبابوي موغابي انقلاب عسكري هاراري إفريقيا إفريقي