فيلم «ملائكة وشياطين» .. صراع المسيحية والعلم وبينهما «توم هانكس»!

الأربعاء 15 نوفمبر 2017 09:11 ص

فيلم اليوم «Angels & Demons أو ملائكة وشياطين» للمؤلف الأمريكي «دان براون»، يستحسن تقديم المؤلف على المخرج، بخاصة مع تجسيده لظاهرة في عالم الأدب ناجحة، بداية من عام 1998، قبل أن ينتقل إلى عالم السينما، بداية من عام 2006، وفيلم اليوم التجربة السينمائية الثانية لـ«براون» بتوقيع نفس المخرج أو «رون هاوارد» .. وإن كان الفيلم الأول أثار إشكاليات كبرى مع عرضه. 

فيلم اليوم «Angels & Demons أو ملائكة وشياطين» للمؤلف الأمريكي «دان براون»، يستحسن تقديم المؤلف على المخرج، بخاصة مع تجسيده لظاهرة في عالم الأدب ناجحة، بداية من عام 1998، قبل أن ينتقل إلى نجاح أرحب برواياته في عالم السينما، بداية من عام 2006، وفيلم اليوم التجربة السينمائية الثانية لـ«براون بتوقيع نفس المخرج أو «رون هاوارد» .. وإن كان الفيلم الاول أثار إشكاليات كبرى مع عرضه .. فلم يكن فيلم اليوم بأقل إثارة للإشكاليات الكبرى من سابقه « The Da Vinci Codeأو شفرة دافنشي».

عالم المتناقضات وظلاله الإبداعية

وقبل التوقف أمام التحليل الفني والنقدي لفيلم «ملائكة وشياطين» نرى أن التناقض الشديد بين الواقع الديني الغربي في جانبه الكاثوليكي، ذلك الواقع النظري الذي يحاول التحليق في المثالية .. ومن جانب آخر التطبيق الموازي لنفس النصوص .. وهو مُغرق في الآثرة والأنانية وحب الذات بل تقديمها على ما عداها ولو استدعى الأمر إبادة الآخرين كما في قنبلتي «هيروشيما» و«ناجازازكي»، وإبادة سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) من قبل، وهلم جرًا.

ومن ذلك التناقض الواقع النظري الذي جعل رجال الدين المسيحيين يسمحون لأنفسهم في القرون الوسطى بإصدار «صكوك الغفران» أو «عقود تمليك في الجنة» .. والصراع مع رجال العلم والتنوير من مثل «غالليو» بل قتله لمخالفته آراء الكنيسة، ومن ثم نشوء ما أبرزه «براون» في فيلم اليوم من «Illuminati أو مستنيرين» من علماء للفلك والطب والرياضيات أغلقوا بدورهم مجال التسامح عن عقولهم وحاربوا الكنيسة حربًا دموية تطورت حتى «افتراض» بقية لها أودت بـ«بابا للفاتيكان» مؤخرًا وكادت تنسف الدولة الدينية الوحدة في العالم، بحسب الرواية والفيلم.

على أن المتناقضات داخل عالم اليوم تزداد قسوتها وحدتها فنيًا في عالم فيلم اليوم نفسه؛ فلم يكتف الفيلم بأنهار الدماء التي صورها في دولة مخصصة للملائكة (الفاتيكان) وباعتمادات مادية بلا حدود جعلتها تنشأ بنكًا ثريًا خاصًا بها، مما جعل «روبرت لانغدون» أو (توم هانكس) البطل يرد على الشرطي الإيطالي الشاب بحزم لما قال له:

ـ «نحن هنا في عالم روحي راقٍ».

فيجيب بطل الفيلم الأوحد المفترض في سخرية مريرة:

ـ «وأيضا في بنك ممتلئ بالأوراق المالية!».

ومن امتداد إشكاليات الفيلم أن الرواية التي تحولت عنه جاءت عام 2000 بعد «القلعة الرقمية» وقبل «شفرة دافنشي إلا ان صُنّاع الفيلم كان لهم رأي آخر إذ جعلوه كتتمة لفيلم «شفرة دافنشي» الذي قدمه فريق العمل 

تقريبًا بنفس المنتج «برايان جريزر»، وذلك اعتذارا منهم عن حدة فيلم «دافنشي» وهجوم الكنيسة الضاري على اتهامها بإخفاء حقائق تخص «التثليث ووجود نسل (خفي) للسيد المسيح (!)»، وبالتالي غرق المسيحية الكاثوليكية كلها في خدمة الماسونية العالمية.

 وما سبق استدعى صناعة فيلم ثانٍ وإن سبق تأليف قصته «ملائكة وشياطين» على الفيلم الأول «شفرة دافنشي»، أي قلب الترتيب الزمني لتأليف الروايتين والاتكاء والاستناد على وجود بطل واحد في العملين الأدبيين «لانغدون»، خبير فك الرموز الماسونية؛ لجعل الأحداث مُشابهة لكن بصيغة تبرئ الفاتيكان (مجتمع الملائكة بحسب الفيلم)، من وجود شيطان واحد داخله .. أو أمين سر البابوية «كاميرلنغو» أو (إيوان ماغريغور)، وبالتالي قدرته على محاربة الدولة كلها وزلزلتها أمام العالم بل يكاد ينتخب كـ«بابا جديد» بعد قتله القديم.

تناقض قاسٍ في صورة اعتذارية عابثة عن «شفرة دافنشي» تعصف بالمشاهد الواعي المدرك لخطورة ما يفعله الفيلم إذ يُلغي عقله تمامًا لكي يرضى صُناع الفيلم الفاتيكان .. من هنا نرى شابًا واحدًا هو التابع الوحيد لأمين سر البابوية .. يقتل في وحشية وهمجية من رجال الشرطة وسط الجماهير فيما لا يوقفه أحد، حتى وإن قتل 3 من 4 من أبرز الكرادلة المُرشحين للمنصب بعد البابا القتيل، وكذلك على المشاهد أن يصدق أن أمين السر نفسه .. طار بطائرة برفقة قنبلة انشطارية في سماء الفاتيكان ثم هبط بمنطاد (براشوت) بسلام قبل أن تنفجر القنبلة.. أو أن الفاتيكان الحريص على كل كتاب من مكتبته رضي أن يقلب «لانغدون» المكتبة كلها رأسًا على عقب لينجو بنفسه.. والفاتيكان في آخر المطاف يهديه كتابًا نجا من المجزرة ويوصيه بأن يوصي بإعادته قبل وفاته!

ظلال الواقع

بطل فيلم اليوم «هانكس» مواليد عام 1956 أي أن عمره وقت إنتاج الفيلم (عام 2009) قارب الـ53 عامًا، ورغم كبر سنه نسبيًا عن «لانغدون» فيلم «شفرة دافنشي» (عام 2006) إلا أنه عمد لقبول دوره في فيلم الليلة إلى تحويل نفسه كبطل أوحد، يجري ويقفز بين الكنائس الأثرية، ويطارد القاتل فيختبأ ويسقط «هانكس» تحت الأرض؛ وينقذ الكاردينال الوحيد الناجي تحت الماء في نافورة، ويضرب الساتر الزجاجي المقاوم للرصاص في مكتبة الفاتيكان بالرصاص وغيره حتى ينهار، ويجد له ملابسًا على مقاسه في البابوية، دون سابق تحضير، دون أن يتعجب أو يترك مساحة للمُشاهد كي يتعجب، أمر أشبه في وجه العام بأدوار المُمثل المصري «عادل إمام» مع الفارق في فيلم «اللعب مع الكبار» مثلًا .. مع كون الأخير زاد بأن رقص وأدى مشاهد أكثر فجاجة.

ورغم استعانة «هاوارد» مخرج فيلم اليوم بسيناريست ثانٍ «ديفيد كويب» بالإضافة إلى سيناريست فيلم «شفرة دافنشي» «أكيفا غولدزمان»، وذلك لتعويض مساحة السرد في الرواية الأولى التي تحولت لحوار بالغ الممل، إلا أن «هانكس» نجح في اقتدار في تحويل مساحة السرد في رواية براون «ملائكة وشياطين» إلى ظل علمي واهٍ ضعيف في الفيلم فيما يخص قنبلة انشطارية لا تعتمد على المادة من الأساس مثلًا في مختبرات «سيرن» النووية السويسرية، والقنبلة نفسها عبارة عن زجاجة تُدمر بلا حدود في افتراض بأن العلم قادر على تحدي المادة وتدميرها بما يشبه العدم، وهلم جرا من إنكار الرواية التي تحول الفيلم عنها لحقيقة أن الهرم والعين المرسومين على الدولار الأمريكي هما رمزان ماسونيان، والحقيقة الروائية الأخيرة مع عدم وجود سند واضح عليها إحدى مرتكزات الرواية.

ومن مثل تسطيح حقائق الرواية قفز الحوار، أيضًا، على عوامل السرد الجذابة في الرواية كطبيعة الفاتيكان الخاصة عالميًا، والشقاق والمشكلات الخطيرة في المجتمع الديني الذي يبدو ناصعًا من الخارج فحسب، وايضًا أسرار التقارب والعمق البشري بين «لانغدون» والبطلة «فيتوريا فيتارا» أو الممثلة الإسرائيلية (إيليت زورير)، وقد تعمد «هانكس» والمخرج أن يجيء دورها باهتًا وحضورها بالغ الضعف لكيلا تؤثر على حضور واستئثار «هانكس» بالبطولة.

من هنا لم نرَ عمقًا لأية شخصية في الفيلم، ولو «هانكس» نفسه سوى أنه يقفز جيدًا في هذه السن، ولكن ماذا عن ساعته الحاملة على ارضيتها صورة «ميكي ماوس» (جاءت ساعة بدائية أفسدت أجواء الرواية حتى في تخيل ساعة بمعصم يد البطل) وهلم جرًا فلم يقربنا الفيلم من «أمين سر البابوية» نفسيًا.. ولماذا يقتل أباه الثاني أو البابا الذي رباه؟ ويتعمد حرق الفاتيكان كله واستدعاء أختام التنويرين وتحريض قاتل على تدمير الدولة كلها .. ثم قتله .. وبالتالي من أين واتته هذه (القوى) الخارقة دفعة واحدة وهو رجل دين شاب بملامح بريئة؟ .. لا تفسير لهذا إلا بأن الفقراء أنذال بالفطرة، وفي المقابل فإن قائد الحرس السويسري «أوليفيتي» (بيير فرانسيسكو فافينو)، الذي ارتضى لنفسه الموت دفاعًا عن الفاتيكان لا أثر لخلفية واحدة عن تضحياته بل إن الفيلم صوره كمجرم وبرأه لثوان بعد وفاته.

القصة الحقيقية بين الأدب والسينما

تبدو القصة بحسب الفيلم خفيفة كلاسيكية معروفة .. فمنذ البداية يستطيع المشاهد تقبل بسهولة أنه أمام فيلم حركة مكرر؛ اللهم إلا من المخاطر التي تحيط بالبطل، وقبل نحو 146 دقيقة يتخيل المشاهد أن «لانغدون» سيقهر جميع الأعداء، والأصدقاء إن أراد، وعبر التماثيل والمباني الأثرية والأسلحة التي تقتل في ثوان سينجو لكنه لن يحب البطلة، ولعل الحدث الأخير هو جديد الفيلم وفق منظومة الأكشن المعروفة.

من مجمع نووي سري «سيرن» في سويسرا تتم سرقة قنبلة خطيرة وقتل «ليوناردو فيترا» مخترعها، ويتم شحن الزجاجة في سيارة للفاتيكان في حدث مواكب لقتل البابا، ويُستدعى «لانغدون» خبير الرموز من جامعة «هارفارد» الأمريكية هذه المرة، لا من باريس كما في «دافنشي»، إذ إن القنبلة ستفجر الفاتيكان .. وإن لم يتم إيقاف انتخاب البابا سيُقتل الـ4 كرادلة البارزين واحدًا بعد الآخر كل ساعة عبر استلهام مكونات العلم من الهواء والماء والنار وهلم جرًا ليبدو الصراع محكمًا بين العلم والدين، وبالفعل ينجح المستنيرون في قتل 3 من 4 من الكرادلة قبل أن ينقذ «لانغدون» الأخير عبر مطاردات للرموز التاريخية الممتد عمرها إلى 4 قرون، ثم يكتشف أن المؤامرة من داخل البابوية وأن التنويريين (كما في الفيلم) ليسوا إلا مساعد البابا وقاتل محترف .. والجميع أبرياء من الشر لكن بدرجات قليلة أو أنها النفس البشرية التي تدل على المهالك لدى الجميع، بحسب أمين سر البابا المُسن الجديد في جملة نهاية الفيلم.

غابت شخصيات كاملة من الرواية عن الفيلم، وايضًا عشرات الصفحات من قرابة 660 صفحة من الرواية التي لم يعذر فيها المؤلف الكرادلة على النحو الذي في الفيلم بل أبرز إجرامهم استنادًا على كون «براون» (نشأ فى مطلع حياته نشأة دينية، ودرس فى مدارس الأحد الدينية المسيحية، وكان يمضى عطلات الصيف فى المعسكرات المسيحية).

ومن أبرز ما غاب عن الفيلم  أيضًا ما ذكره «براون» من أن الرئيسين الأمريكيين الأسبقين (جورج بوش الأب كان من جمعية المتنورين ، وأن جورج بوش الابن ماسونى ووصل إلى الرتبة الثالثة والثلاثين ،أى إلى أعلى قممها ، وأنه كان رئيسا للمخابرات المركزية CIA عندما تم إغلاق ملف المتنورين لعدم وجود أدلة !).

وهلم جرًا من استناد «براون» في الرواية على حقيقة قتل البابا «يوحنا بولس» الأول عام 1978 بحسب ما أعلنته هيئة الإذاعة البريطانية، فى 14 يونيو/حزيران 1998، بسبب مؤامرة من المجمع الماسوني لنيته تعيين الأسقف «مارسينكوس» في رئاسة بنك الفاتيكان .. وهو ما تحول إلى أسئلة أبرزتها «نيويورك تايمز» و«لندن ديلي ميل» في نفس العام.

جاءت زوايا التصوير في الكنائس موفقة أحيانًا، وكذلك تعبير الفيلم عن الازدحام في ردهات الفاتيكان، وظهر «هانكس» وكأنه مكلف بمهمة في الفيلم يلهث وراءها وفريق عمل الفيلم كله خلفه عدا البطلة الإسرائيلية بحوارها البالغ العلمية طوال الفيلم الأشبه بصعود منارة مع «هانكس» .. مع عدم ظهورها مستوعبة لأحداث الفيلم نفسها.

فيلم «ملائكة وشياطين»: أحد أبرز الأفلام التي تنتصر بسلبيتها السينمائية للأدب والرواية في مقابل السينما والتمادي في خطايا الساسة والسياسة .. حتى ليبدو «هانكس» حل مشكلة التعارض الشديد والتاريخ الطويل من عداء الكنيسة الأرثوذكسية للدين عبر الجري والقفز وفغر الفم طوال الفيلم .. ثم هو في النهاية يريد من المشاهد أن يصدقه!

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي دان براون Angels & Demons ملائكة وشياطين الفاتيكان صراع الدين العلم الأدب اعتذارية سابقه The Da Vinci Code