تركيا وروسيا.. علاقة تحلق بأجنحة المصالح في آفاق جديدة

الجمعة 17 نوفمبر 2017 09:11 ص

التقى الرئيس التركي، «رجب طيب أردوغان»، ونظيره الروسي، «فلاديمير بوتين»، في مدينة سوتشي الروسية، الإثنين الماضي، للمرة الثامنة منذ إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، يوم 24 نوفمبر/تشرين ثانٍ 2015.

هذه القمة، وهي الرابعة للزعيمين في سوتشي منذ بداية العام الجاري، حظيت بأهمية خاصة على أصعدة عديدة.

وتناول الرئيسان القضايا المتعلقة بمجال الطاقة، واتفقا على إزالة العقبات في طريق إنشاء وتشغيل محطة «آق قويو» للطاقة النووية، ومشروع خط أنابيب الغاز «السيل التركي».

ووقعت تركيا وروسيا، في ديسمبر/كانون الأول 2010، اتفاقاً للتعاون في إنشاء وتشغيل «محطة آق قويو» بولاية مرسين جنوبي تركيا.

وتبلغ تكلفة المشروع حوالي 20 مليار دولار أمريكي، وسيسهم في تعزيز أمن الطاقة في تركيا، وإيجاد فرص عمل جديدة.

فيما جرى توقيع مشروع «السيل التركي»، بمدينة إسطنبول التركية (شمال غرب)، خلال أكتوبر/ تشرين أول 2016، ويشمل مد خطي أنابيب لنقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، وسينقل كل خط 15.75 مليار متر مكعب سنوياً.

وبعد محادثات الطاقة، كانت تطورات الأزمة السورية هي ثاني أهم قضية ناقشها الرئيسان، حيث اتفقا على ضرورة إيجاد حل سياسي.

كما ناقشا العلاقات بين روسيا ومنظمة «ب ي د» في سوريا، واستمرار عملية أستانا بشأن سوريا (تركيا وروسيا وإيران هي الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا).

وتطرق الزعيمان أيضًا إلى رفع القيود المفروضة على المنتجات الزراعية بين البلدين، وإعادة تعديل نظام التأشيرات، بما يتماشى مع الفترة التي سبقت 24 نوفمبر/تشرين ثانٍ 2015، والتعاون القوي في مجال السياحة.

ويلاحظ كذلك أنه جرى تبادل الأفكار بشأن مبادرة روسية محتملة لحل أزمة إقليم «ناغورني قره باغ» (يقع في أذربيجان، وتحتله أرمينيا)، لكن لم يتم الكشف عن التفاصيل.

مستويات ما قبل الأزمة

خلال اللقاء قال الرئيسان «أردوغان» و«بوتين» إنه يمكن القول إن العلاقات الثنائية عادت عامة إلى مستويات ما قبل الأزمة (الخاصة بإسقاط المقاتلة الروسية فوق الحدود التركية).

إن عمق المشاركة المتبادلة (بين البلدين) في عدد من القضايا تجاوز حتى ما قبل مستويات أزمة 2015، فمثلًا يمكن القول إن استكمال محطة «آق قويو» للطاقة النووية ومشروع «السيل التركي» يمكنهما الانتقال بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي عالٍ جديد.

وفيما ترغب تركيا في تشغيل المفاعل الأول بحلول عام 2023، فإن ثمة توقعات روسية بأن هذا لن يكون ممكناً.

ولكن بما أن الزعيمين اتفقا على إقامة مراسم الافتتاح في وقت قريب، فيبدو أن العملية الشاملة ستتحرك بسرعة.

وخلال القمة، منحت تركيا جميع الأذونات اللازمة للمضي قدماً في مشروع «آق قويو»، وتم وضع اللمسات النهائية على قائمة الشركات التركية التي ستشارك في المشروع، ومن ثم إزالة كافة العقبات.

وبالنسبة لمجال الصناعات الدفاعية، فهناك تعاون متطور بشأن التصنيع المشترك للعديد من الأسلحة.

مع ذلك، لا يمكننا القول إننا عدنا إلى مستويات ما قبل الأزمة، عندما يتعلق الأمر بمشاكل لا يزال رجال الأعمال الأتراك العاملون في روسيا يواجهونها، وكذلك عقبات تتعلق ببيع المنتجات الزراعية (التركية)، ومشاكل التأشيرات.

من ناحية أخرى سنكون مخطئين إذا لم نقل إن العلاقات بين تركيا وروسيا تتقدم في مسارها الطبيعي، منذ رفع مستوى تعاونهما إلى مستوى جديد في وقت قصير جداً، بسبب حاجة البلدين إلى بعضهما البعض في مواجهة الضغوط القادمة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تُركت تركيا وحيدة في أوقات حرجة من جانب حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، خلال الأزمة السورية، فلم تتلق مساعدة من أي من حلفائها فيما يتعلق بنظام الدفاع الجوي، الذي هي بأشد الحاجة إليه.

ولم تخجل الولايات المتحدة، حليفة تركيا في «ناتو»، من إقامة تحالف استراتيجي مع منظمة «ب ي د»، الفرع السوري لمنظمة «بي كا كا» الإرهابية، رغم كونها واحدة من البلدان التي تعتبرها منظمة إرهابية.

كما أن الموقف الذي اتخذته واشنطن (صمت طويل) بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في 15 يوليو/تموز 2016، كان بمثابة خيبة أمل كاملة للمجتمع التركي.

 مشروع «السيل التركي»

بالنسبة لروسيا، فإن الحصار الذي فرضه عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في أعقاب الأزمة الأوكرانية، وجه ضربة قوية لاقتصادها.

ونجح الغرب في نشر دعاية ضد روسيا بأنها «بعبع شر»، لينتشر الخوف منها في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في بلدان البلطيق.

وإلى حد كبير، قامت الاستراتيجية الغربية لاحتواء روسيا عسكرياً على البحر الأسود، وتوقف الممر الذي يعبر أوكرانيا، وتضخ روسيا منه الغاز إلى أوروبا.

وباتت لدى موسكو فرصة ضئيلة جداً لتنفيذ مشاريع، من أبرزها «السيل الشمالي2»، التي كانت تخطط للوصول من خلاله إلى الغرب.

ومع فرض الحصار على سياسيين ورجال أعمال روس، أُجبر رأس المال الأجنبي على مغادرة روسيا.

وهكذا، نجح المشروع الغربي لحصار روسيا، اقتصادياً وسياسياً على السواء.

ويمكننا القول إن روسيا تحتاج إلى تركيا لتكون قادرة على التغلب على هذا الحصار.

وهنا تكمن أهمية مشروع «السيل التركي»؛ فالخطط الروسية لضخ الغاز إلى الغرب، عبر بلغاريا، عرقلها الاتحاد الأوروبي.

وفتحت تركيا الآن جيبا لروسيا من خلال تسهيل توصيل صادراتها من الغاز.

 تهديد العقوبات الأمريكية

من المحتمل أن يكون مشروع «السيل التركي» واحدًا من أهم القضايا بالنسبة لروسيا في ما يخص علاقاتها مع تركيا.

ومع ذلك، هناك عقبات رئيسية أمام هذا المشروع، فالعقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا قد تؤثر سلباً على سلسلة من المشاريع الروسية، منها «السيل التركي».

وتستهدف العقوبات الأمريكية كلاً من مشروع «السيل التركي» ومشروع «السيل الشمالي 2»، الذي يمتد من بحر البلطيق إلى ألمانيا.

ورغم أن طبيعة العقوبات التي أعلنتها الولايات المتحدة ليست واضحة بعد، فإن جميع المستثمرين الأجانب، الذين يتعاونون مع شركة «غازبروم» الروسية، قد يواجهون عقوبات.

والواقع أن المستثمرين الأجانب يراقبون ذلك وهم في وضع الاستعداد لتلك التحركات.

بعد تولي (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب منصبه (في 20 يناير/ كانون ثانٍ الماضي) كانت من أولى الخطوات التي اتخذها لإثبات قوته هو التصديق على قانون يتضمن عقوبات على روسيا.

وبهذا القانون حصل «ترامب» على صلاحية لفرض عقوبات على جميع الشركات، التي تستثمر في بناء وصيانة خطوط أنابيب روسية أو توفير تكنولوجيا لهذه الغاية أو تقديم أي خدمات للشركات الروسية.

والسبب الأساسي لروسيا في اتخاذ خطوة سريعة جداً بشأن مشروع «السيل التركي» هو الرغبة في إكمال المشروع قبل أن يتأثر بأي عقوبات.

سياسة روسيا تجاه «ب ي د»

بعد التوصل إلى اتفاق على أن الوقت قد حان للانتقال إلى تسوية سياسية في سوريا، كما هو منصوص عليه في عملية أستانا، فإن روسيا وتركيا ستقودان الآن الجهود الرامية إلى صياغة دستور مدني، ووضع اللمسات النهاية على عملية التسوية السياسية.

لكن عامل الخطر هنا يتلخص فيما إذا كانت الولايات المتحدة – وهي ليست لاعباً في عملية أستانا - ستقبل القرارات المتخذة في العاصمة الكازخية.

والولايات المتحدة في واقع الأمر تتبع سياستها الخاصة.

وهناك أيضاً أزمة بين تركيا وروسيا بسبب منظمة «ب ي د».

وقبل قمة سوتشي، دفعت دعوة روسيا لـ«ب ي د» إلى المؤتمر الشعبي السوري، الذي عقدته روسيا نفسها، إلى صدور رد فعل تركي.

ورغم أن روسيا استثنت «ب ي د» بعد ذلك من قائمة المدعوين، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى خلافات بين البلدين.

وستكون نوعية الاستراتيجية التي ستعتمدها روسيا بشأن «ب ي د» حاسمة.

ورغم أن روسيا استجابت لحساسيات تركيا، ولم توجه دعوة «رسمية» إلى تلك المنظمة، فإنها ستواصل بالتأكيد محادثاتها معها، لأنها لا تريد ترك المنظمة الإرهابية تحت السيطرة الأمريكية المطلقة.

لكن نفهم من تصريحات الرئيس أردوغان أن تركيا تذكّر روسيا بأن «ب ي د» تشكل تهديداً للأمن القومي التركي، وتؤكد على الخطوط الحمراء.

 صفقة إس 400

أعرب الرئيس «أردوغان» عن أن تركيا تولي اهتماماً كبيراً بالخطوات المشتركة التى اتخذتها مع روسيا فى مجال الدفاع على أساس نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400.

وتراقب بلدان «ناتو» عن كثب أيضا تلك المسألة.

ورغم أن تركيا أعلنت مراراً أن حصولها على صواريخ S-400 يهدف إلى صون أمنها القومي، بشكل مستقل عن الحلف، إلا أن هذا الوضع يستخدم ضد تركيا في الغرب.

كما أن للشعب الروسي تحفظاته بشأن امتلاك تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي.

ويردد البعض أن تركيا تستخدم منظومة صواريخ S-400 كتهديد للولايات المتحدة، ولن تشتريها فعلياً.

ومع ذلك، يبدو أن صدق تركيا في هذا الصدد وكلمات الرئيس «أردوغان» أقنعت روسيا، ويمكن أن يكون أكبر خطر هنا هو في تاريخ تسليم الصواريخ.

وتتحدث روسيا عن فترة زمنية تمتد عامين، قبل بدء التسليم.

لكن خلال هذه الفترة قد تحدث تغييرات في الظروف السياسية والعسكرية تجعل تركيا تعيد النظر في شرائها.

وأخيرا، فإن النتيجة الأكثر واقعية لقمة سوتشي هي أن الزعيمين يتفقان على تعميق العلاقات بين بلديهما من خلال التعاون الاستراتيجي.

وحقيقة أنهما التقيا ثماني مرات منذ أزمة المقاتلة الروسية تدل على النقطة التي وصلت إليها العلاقات التركية- الروسية.

* الكاتب هو أستاذ في قسم التاريخ بجامعة يلدريم بيازيت في أنقرة، ورئيس معهد الدراسات الروسية في أنقرة.

المصدر | صالح يلماز - الأناضول

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا العلاقات التركية الروسية إسقاط المقاتلة الروسية