تأثير الحصار.. الأزمة الخليجية تجبر الدوحة على تنويع تحالفاتها الأمنية

الجمعة 17 نوفمبر 2017 11:11 ص

كان غزو «صدام حسين» واحتلاله للكويت مطلع التسعينيات درسا لقطر أن تحالفها مع المملكة العربية السعودية، الدولة المهيمنة على مجلس التعاون الخليجي، يعد ضمانة غير كافية للأمن. وكان أحد أهم استراتيجيات الدوحة هو أن أفضل حماية لها من التهديدات الخارجية هي تحالف عسكري وثيق مع القوة العظمى الوحيدة في العالم في ذلك الوقت، الولايات المتحدة.

وكانت مشاركة قطر العسكرية في الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق قد وضعت الأساس لتشكيل تحالف وثيق بين الدوحة وواشنطن لا يزال قويا حتى اليوم. وقد وقع اتفاق التعاون الدفاعي في السنة الاخيرة لحكم «بوش» وكان بمثابة ضامن أمني للإمارة.

وبموجب اتفاقية التعاون، استضافت قطر في البداية 5000 جندي أمريكي عندما قامت الولايات المتحدة بنقل المقر الإقليمي للقيادة المركزية الأمريكية من السعودية إلى قاعدة العديد في قطر عام 2003. وعلى الرغم من أن عملية النقل لم تنه التعاون الأمني فى مكافحة الارهاب بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، كان هذا التحرك مدفوعا بالضغط الديني فى المملكة لطرد القوات العسكرية الأمريكية، فضلا عن اهتمام واشنطن بالعمل من قطر. وخلافا للسعوديين، لم تقيد السلطات القطرية حرية تنقل القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان.

وطوال أزمة مجلس التعاون الخليجي التي استمرت لأشهر، اعتمدت قطر على وجود أكثر من 10 آلاف من العسكريين الأمريكيين في العديد كضامن أمني ضد أي عمل عسكري يقوم به أي عضو من دول الخليج المحاصرة لها - البحرين، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة- وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها عدة مراكز تفكير ومؤسسات أكاديمية ونخب عسكرية وجماعات ضغط، إلا أن المؤسسة الدفاعية والدبلوماسية الأمريكية لم تحافظ فقط على الأوضاع الطبيعية في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وقطر بل أيضا عملت على تعميق العلاقات الثنائية. فعلى سبيل المثال، وقع البلدان بعد ذلك صفقة لطائرات مقاتلة ومذكرة تفاهم لمكافحة الإرهاب.

عالم متعدد الأقطاب

وبغض النظر عن مدى ثقة القطريين في مستقبل الشراكة الدفاعية مع واشنطن، فإن الإمارة تسعى إلى تنويع تحالفاتها الأمنية. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، لم تكن قطر وحدها التي حفزتها رؤية إدارة «أوباما» في الشرق الأوسط لاستكشاف حلفاء وشركاء أمن خارجيين لإكمال الضمانات الأمنية. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سحب واشنطن الدعم لحليفها «حسني مبارك» منذ عام 2011، حيث بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تبحث عن شراكات أجنبية جديدة.

ومع ذلك، كانت قطر وحدها داخل دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأت بالتفاوض مع تركيا في عام 2014 لاستضافة قاعدة عسكرية مشتركة سميت باسم طارق بن زياد. وأدرجت قطر تركيا في مجموعة من حلفائها الأمنيين خوفا من أن تنفذ الرياض يوما ما تهديدها لقطر والذي لوحت به في عام 2014 . وباعتبارها دولة قوية ذات خبرة عسكرية ومع انسجامها مع العديد من المواقف بشأن القضايا الإقليمية التي تتبناها قطر، ومع كونها عضوا في حلف شمال الأطلسي ودولة مؤثرة في العالم الإسلامي السني، كان يمكن أن تتحول إليها قطر إلى تركيا دون خلق رد فعل عنيف من الحلفاء الغربيين التقليديين للإمارة.

وعندما اندلعت أزمة دول مجلس التعاون الخليجي الحالية، كان لدى تركيا نحو 100 جندي متمركزين في قاعدة طارق بن زياد. لكن انقرة تحركت بسرعة لنشر المزيد من القوات التركية في قطر وتعزيز التعاون العسكرى الثنائى. وخلال أول الأسبوعين من الأزمة، قامت تركيا بإرسال خمس عربات مدرعة إلى الإمارة، وتعهد المسؤولون في أنقرة بإرسال 3,000 جندي تركي آخر.

وإذا كانت واشنطن ستنقل المقر الإقليمي لقيادتها المركزية إلى المملكة العربية السعودية أو إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في المستقبل، فإن تركيا ستكون أكثر الدول منطقية بالنسبة للدوحة لتنتقل إليها بحثا عن مزيد من القوة العسكرية. ولكن في إطار الأمن القومي بالنسبة لقطر هناك مخاطر في تزايد الاعتماد على تركيا. حيث تنتشر القوات المسلحة التركية في العمليات العسكرية في شمال سوريا وجنوب شرق تركيا ويوجد هناك تطهير للمتآمرين في الجيش التركي المشاركين في الانقلاب المزعوم. ولا ننسى جزءا مهما من المعادلة وهو جهود أنقرة لتجنب تعريض علاقاتها الوثيقة مع الدول المقاطعة لقطر في قطاعات الاستثمار والبنوك والدفاع والبناء والسياحة.

وفي هذا السياق، من المرجح أن تتحول الدوحة نحو أوروبا لزيادة تنويع تحالفاتها الأمنية. وعلى الرغم من أنه لا يوجد بلد أوروبي واحد من المرجح أن يؤسس قاعدته الخاصة في قطر، فإن العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي - المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا و / أو إيطاليا - قد ينظرون في إنشاء قاعدة متعددة الجنسيات في الإمارة مقابل استثمارات قطریة بدرجة کبیرة.

التوجه نحو الشرق

بعد اندلاع أزمة قطر، وصلت الدوحة إلى روسيا ليس فقط للحصول على مساعدة موسكو في الوساطة ولكن أيضا لتعزيز علاقات أوثق مع القوة التي أصبحت بارزة على نحو متزايد في المشهد الأمني في الشرق الأوسط منذ عام 2015، والتي تحافظ حتى الآن، على موقف محايد في النزاع الخليجي. وقد يؤدي انسحاب القوات الامريكية من قاعدة العديد في قطر الى تأسيس قاعدة روسية فى قطر. لكن هذا السيناريو قد يبدو غير مرجح نظرا لعلاقات موسكو مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلا إذا رأى الكرملين طريقة للقيام بذلك دون التسبب في الكثير من ردود الفعل من حلفائه العرب.

وقد لعبت إيران دورا محوريا في الحفاظ على القدرة القطرية على الصمود طوال الحصار، وخاصة في مجالات التجارة والطيران والأمن الغذائي. إلا أنه وفقا لمصدر قطري، فقد نشر الجيش الإيراني قوات بحرية في مياهه بالقرب من قطر لوقف أي قوات بحرية إماراتية متجهة إلى الإمارة، مما يشير إلى أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تصاعدت أزمة قطر إلى مواجهة عسكرية. على الرغم من أن العلاقات القطرية الإيرانية تتحرك في اتجاه جديد يقوم على تصور مشترك للتهديد من المملكة العربية السعودية، فمن المستحيل تقريبا تصور قيام إيران بإنشاء موقع عسكري رسمي على الأراضي القطرية طالما حافظت أمريكا على وجودها العسكري في العديد.

وباعتبارها دولة صغيرة جغرافيا ذات قوة عسكرية ضعيفة نسبيا، فقد اعتمدت قطر دائما على الجهات الفاعلة الخارجية من أجل ضمان أمنها الداخلي وحماية السيادة الوطنية للإمارة. وخلافا للبحرين، أمضت قطر العقدين الماضيين في محاولة للهروب من الظل السعودي ومن تأثير جارتها الأكبر على سياسة الدوحة الخارجية. ومع اتساع الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر، والكشف عن عجز المجلس الذي يبلغ من العمر 36 عاما، تحاول الدوحة بوضوح تسريع تلك الجهود.

في هذه المرحلة، لم تظهر الولايات المتحدة أي مؤشر على أنها ستترك قاعدة العديد. ومع ذلك، فقد أبدت الدوحة اهتمامها بتقليص اعتمادها على مظلة واشنطن الدفاعية. وقد ساهم «ترامب» عبر تغريداته المؤيدة للحصار بعد يوم واحد من قطع العلاقات في تحفيز عزم الدوحة على زيادة تنويع تحالفاتها الأمنية. لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كانت قوة عسكرية أخرى يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة أو يمكن تحل محلها كضامن أمني نهائي في قطر.

المصدر | ماثيو هيدجز وجورجيو كافيرو - لوبييلوج

  كلمات مفتاحية

قطر تركيا أوروبا حصار قطر الدوحة العلاقات القطرية التركية الأزمة الخليجية