«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: لماذا تصمت إيران على التقارب السعودي الروسي؟

الأحد 19 نوفمبر 2017 06:11 ص

في الشهر الماضي، قبل حملة التطهير التي قادها ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، ضد المنافسين المحتملين، فعل والده الملك «سلمان» شيئا لم يسبق له مثيل أيضا، فقد زار روسيا، عدو السعودية السابق.

ورغم أن عدد الصفقات التجارية المعلنة بعد الزيارة يعد بالكثير، غير أنه لم ينجز منها سوى القليل، بيد أنه في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الخدمة الفيدرالية للتعاون الفني العسكري الروسي أنها ستقدم للمملكة العربية السعودية نظامها المتطور من الصواريخ الدفاعية الجوية من طراز «إس 400»، ويبدو أن زيارة الملك «سلمان» حققت تعاونا حقيقيا.

إعادة تعريف العلاقة

تعد إعادة تعريف طبيعة العلاقة بين السعودية وروسيا أمرا مثيرا للدهشة في حد ذاته، وكانت الدولتان على طرفي النقيض من الحرب الباردة، لكن الأكثر تناقضا هو علاقة روسيا بإيران، المنافس الإقليمي للسعودية، فقد كانت علاقة إيران وروسيا معقدة للغاية، وتميزت لعدة قرون بالريبة وعدم الثقة، لكن الروس والإيرانيين، في الأعوام الأخيرة، نحوا خلافاتهم جانبا، وأصبحوا حلفاء عسكريين في مهمة إنقاذ بشار «الأسد» وتدمير تنظيم«الدولة الإسلامية».

والآن، تستعد روسيا لتزويد أكبر عدو لإيران بصواريخ الدفاع الجوي، ولم تصدر إيران أي اعتراض، وهو أمر يثير الريبة.

وبالنظر في موقف روسيا في الشرق الأوسط، يدعي معظم المراقبين أنه من خلال الشراكة مع إيران لإنقاذ نظام «الأسد»، عززت روسيا نفوذها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة.

لكن هذا مجرد سوء فهم، فتدخل روسيا كان محدودا في الواقع، وفي ذروة مشاركتها، كان لديها فقط 30 إلى 75 مقاتلة وطائرة هليكوبتر تعمل في البلاد، وكان التزامها صغيرا ولكن ناجحا، حيث منعت الحكومة السورية من السقوط، ووقفت أمام صعود تنظيم «الدولة الإسلامية».

لكنها لم تقوض الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بل قد تكون بذلك قد عززتها في الواقع، فعندما بدأت الحرب الأهلية السورية، كانت الولايات المتحدة مصممة على إزالة «الأسد»، ومع ذلك، لم يكن هناك ما يكفي من المعتدلين لتدريبهم وتسليحهم، وتحولت الولايات المتحدة إلى أولوية محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» بدلا من القتال ضد «الأسد».

وكانت روسيا، في الواقع، تساعد الولايات المتحدة على القيام بعملها القذر، والآن، تقوم الولايات المتحدة وروسيا بتنسيق جهودهما في سوريا، سعيا لتحقيق هدف مشترك منذ أعوام.

والآن، بعد أن تم إنقاذ «الأسد» وهزيمة «الدولة الإسلامية»، فإن السؤال هو: ماذا يأتي بعد ذلك؟ ومع خروج «الدولة الإسلامية»، التي مثلت عدوا مشتركا للجميع، من الصورة، لم يعد لدى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية و(إسرائيل) وروسيا وتركيا وإيران أي سبب للتعاون فيما بينها.

وتعد الحياة بعد «تنظيم الدولة» في الواقع أكثر صعوبة بالنسبة لروسيا من الحياة معها، وتتنافس إيران وتركيا والسعودية على ملء فراغ السلطة الذي خلفه رحيل التنظيم، كما أن مصالح روسيا طويلة الأمد لا تتفق مع مصالح الدول الثلاث.

وخلافا لـ«الدولة الإسلامية»، فإن الدول الثلاث جميعها لديها القدرة على تهديد المصالح الروسية مباشرة، ولنأخذ تركيا، على سبيل المثال، يمكن لتركيا أن تقطع وصول روسيا إلى البحر الأبيض المتوسط ​​عن طريق إغلاق البوسفور، كما أنها تتنافس مع روسيا في القوقاز، ومع تعزيز قوتها، ستبدأ في السعي لبسط النفوذ على البلقان، وهي منطقة أخرى في مجال نفوذ روسيا.

ولدى إيران، مثل تركيا، مصالح في القوقاز، كما تشترك في حدود مع آسيا الوسطى وأفغانستان، وهي منطقة نفوذ روسية أخرى يمكن أن تسبب إيران فيها مشاكل خطيرة لموسكو.

وتطرح السعودية، من جانبها، اثنين من التحديات؛ أولا، لا تزال المملكة قادرة على التأثير على أسعار النفط العالمية، حيث قد تضر التقلبات الصغيرة بالاقتصاد الروسي، وثانيا، تعتبر السعودية الوجهة الرائدة عالميا في تصدير الجهادية، وهو تهديد لبلد مثل روسيا، التي لديها عدد كبير من السكان المسلمين الأقلية، الذين تتزايد أعدادهم بسرعة.

وقد واجهت روسيا هذه التحديات، لا عن طريق اختيار علاقات أفضل مع بلد واحد منها على حساب الباقين، بل بمحاولة إقامة علاقات أفضل مع الجميع.

وتعد علاقتها مع تركيا أكثر استدامة (في الواقع، في سبتمبر/أيلول، وقعت تركيا اتفاق خاص لشراء منظومة الدفاع الجوي إس 400 من روسيا)، وتعد علاقتها مع إيران صلبة، لكنها لا تفتقر للدراما.

وكان الإعلان الروسي، في أغسطس/آب عام 2016، عن استخدام قاعدة إيرانية للهجمات في سوريا، قد أثار جدلا سياسيا قصير الأمد في إيران، ما أثار رد فعل عنيف من السياسيين الإيرانيين، الذين شعروا بأن استخدام روسيا للقاعدة ينتهك الدستور الإيراني.

والآن، وصلت روسيا إلى السعودية، وإلى جانب الاتفاقات المتعلقة بالتعاون العسكري، حصلت موسكو على وعد من الملك «سلمان»، خلال زيارته الشهر الماضي، بوقف التبشير السعودي (الدعوة) للمسلمين في روسيا.

وتزرع روسيا علاقات أخرى أيضا، وقد اجتمع مسؤولون من موسكو مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» عدة مرات هذا العام، وأبقوا خطوط الاتصال مفتوحة حول خطورة الاقتناء المحتمل لحزب الله للأسلحة المتقدمة، كما أعربت روسيا عن تأييدها لمختلف الجماعات الكردية التي تكافح من أجل الاستقلال في المنطقة، وأبقت موسكو، على سبيل المثال، على سفارتها في أربيل، عاصمة كردستان العراق، مفتوحة طوال استفتاء الاستقلال المتنازع عليه.

وبينما قالت روسيا إنها لا تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب السياسي الكردستاني في شمال سوريا، في جهده نحو الاستقلال، لكنها دعت الحزب إلى مؤتمر يضم جميع الأطراف ذات الصلة، لمناقشة مستقبل سوريا، مع تركيا وإيران وجماعات المعارضة السورية ضد «الأسد».

الصمت والعمى

وقد تكون السياسة الخارجية الروسية مدمرة، ولكن سيكون من الخطأ التفكير في أنها متجانسة أو غير متغيرة، وقد بسطت الحرب الباردة، على كل أخطائها، السياسة الخارجية، ولم يكن من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي أكثر قوة.

وأصبحت مناطق مثل الشرق الأوسط ساحات معارك لمعرفة أي منهما الأقوى، وكان للولايات المتحدة حلفاؤها، السعودية و(إسرائيل) وتركيا، وللاتحاد السوفييتي حلفاؤه، مصر وسوريا والعراق، وفي بعض الأحيان، تحولت البلدان بين الجانبين، ولكن في نهاية المطاف، كانت اللعبة صفرية، مع محاولة كل جانب لإضعاف الآخر.

لكن الحرب الباردة قد انتهت قبل أكثر من عقدين من الزمان، وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي بالأمس، وتتشارك الولايات المتحدة وروسيا، بالفعل، بعض المصالح طويلة الأجل في الشرق الأوسط، ولا يريد أي بلد أن يهيمن على المنطقة بأسرها.

وتريد واشنطن وموسكو التكافؤ؛ فهما يفضلان أن تتنافس بلدان المنطقة مع بعضها البعض بدلا من أن تسبب لهما المشاكل، وفي عالم مثالي، كانت الولايات المتحدة لتصبح متورطة تماما في الشرق الأوسط، وكانت روسيا لتصبح بعيدة عن الأمر، لكنه ليس عالما مثاليا، لذا، فإن هدف موسكو الأساسي هو التأكد من أن تبقى مشاكل وطموحات الشرق الأوسط في الشرق الأوسط.

وتعيدنا استراتيجية الاحتواء المختلفة هذه إلى إيران وصمتها على الصداقة بين السعودية وروسيا، فإيران لا تعتقد أنها بحاجة إلى مهاجمة السعودية، وتعتقد الحكومة في طهران أن السعودية سوف تنهار في نهاية المطاف تحت وطأة مشاكلها الخاصة، وأنه في هذه الأثناء، فإن أفضل شيء يمكن أن تفعله إيران هو إشراك السعودية في حروب مكلفة بالوكالة تستغرق وقتا طويلا.

ولا تزال روسيا تلعب دورا مهما في مساعدة نظام «الأسد»، الحليف الرئيسي لإيران، من أجل استعادة أجزاء سوريا التي فقدها في الحرب، ويستحق هذا الهدف الآن الصمت على عمليات بيع الصواريخ للمملكة.

ولكن لا يعني صمت إيران أنها عمياء عما يحدث، وكذلك لا يعني تعاون إيران وروسيا في الأعوام الأخيرة أن علاقتهما أصبحت بخير.

ولا يمكن لروسيا أن ترضي الجميع في المنطقة، وستضطر في مرحلة ما إلى اتخاذ قرارات صعبة، وفي هذه الأثناء، تسود البراغماتية، ومن خلال تحسين العلاقات مع السعودية، تستعين روسيا بسياسة التحوط مع الرهانات التي وضعتها على إيران.

ومن خلال الحفاظ على هدوئها، لا تزال إيران تجني المكاسب جراء التحركات الروسية، ولا تغير الأخبار حول صفقة صواريخ إس 400 من الوضع القائم كثيرا، لكنها تؤكد فقط مدى سرعة التغيير الذي قد يحدث.

المصدر | جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوشرز

  كلمات مفتاحية

السعودية روسيا إيران تركيا إس-400