استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

شبح مرعب لحرب كونية ثالثة

الاثنين 20 نوفمبر 2017 05:11 ص

ربما كانت السنوات الخمس التي اعقبت ضرب ثورات الربيع العربي من أسوأ حقب التاريخ المعاصر على العالم العربي. فقد أنشبت الطائفية سهامها في الجسد المتهالك لهذه الامة، وأمعنت فيه إيذاء حتى اعتقد البعض أن كافة منافذ الخروج من الازمة قد اغلقت تماما. لكن ما تشهده المنطقة منذ عامين قد يفوق ما حدث.

هذه المرة لم يعد التهديد محصورا بظاهرة الإرهاب التي استنفدت مبررات وجودها واصبحت على وشك الانقراض، بل أصبحت الامة تواجه شبح الحرب الشاملة التي قد تؤدي لحرب عالمية ثالثة. وفي هذا الخضم اصبح واضحا ان العالم يفتقد القيادة المسؤولة القادرة على احتواء الازمات ومنع نشوب الحروب. وهنا يمكن تسجيل بعض النقاط:

أولها أن ظهور نظام عالمي أحادي القطبية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في 1990 وانتهاء الحرب الباردة ساهم بشكل تدريجي في اضعاف الأمم المتحدة وتحجيم دورها. فلم تعد هذه المنظمة موجودة الا شكلا، لأن أمريكا تصدرت المشهد العالمي واصبحت هي الآمرة والناهية، وتشن الحروب بدون تفويض دولي.

ربما كان اضعاف المنظمة الدولية امرا عاديا بدون تبعات دولية على صعيدي السلم والحرب، لو ان الولايات المتحدة احتفظت بموقعها الدولي القوي ومارست دورا قياديا فاعلا. ولكن جاءت حوادث 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية لتحجم دور الولايات المتحدة وتظهر الخطر الناجم عن ظهور عالم أحادي القبطبية. ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الابيض اصبح العالم يفتقد القيادة التي تتسم بشيء من الحكمة.

فلا الولايات المتحدة قادرة على توفير ذلك الدور ولا الامم المتحدة تملك القوة لأدائه. فحين يصبح الرئيس الأمريكي معنيا بالرد على كل تغريدة تذكره ويدخل في مهاترات حتى مع زوجة جندي أمريكي قتل في أفريقيا لأنها انتقدت أسلوب تواصله معها، فهذا يعني غيابا حقيقيا للدور القيادي للولايات المتحدة.

عندما برزت ظاهرة الإرهاب قبل عقدين كان التردد هو السمة الاوضح في السياسة الأمريكية ازاءها. فلو كانت أمريكا قوية لاتخذت قرار التصدي لها. ولا بد من الاعتراف بان اعلان أمريكا على لسان الرئيس جورج بوش الابن بعد حوادث 11 سبتمبر مشروع «الحرب ضد الإرهاب» عنوان ايجابي يعكس قدرا من ممارسة القيادة، ولكن الاداء لم يكن بمستوى الاعلان.

فبرغم ذلك الاعلان الا ان الاعتبارات الاقتصادية والسياسية الاخرى التي تشبث بها البيت الابيض حالت دون خوض حرب فاعلة، فتحولت تلك الحرب إلى عمليات محدودة وخجولة وانتقائية. وبشكل تدريجي تحولت إلى محاولات محصورة باستهداف ظواهر الإرهاب وليس التصدي لجذوره او استهداف مموليه.

فالحقائق التي توفرت لدى الأمريكيين والتي بلغت ذروتها بإصدار الكونغرس الأمريكي العام الماضي قانون «جاستا» كانت تكفي لتنظيم حرب شاملة تشل حركة الإرهاب، باقتلاع جذوره وتجفيف منابع تمويله والتصدي للانظمة التي تدعمه.

فشل محاولات احتواء ظاهرة الإرهاب يعود لأحد أمرين: أما عجز أمريكي من النواحي الاستخباراتية والعملياتية، او الرغبة في ابقاء الإرهاب من اجل تحقيق اهداف سياسية.

ايا كان الامر فان تجربة خمسة عشر عاما من «الحرب على الإرهاب» ادت لتداعي الدور القيادي الأمريكي. هذا العجز احدث فراغا سعت دول إقليمية للقفز عليه لتحقيق اهدافها السياسية. وسيظل العالم يعاني من غياب القيادة الدولية، لمنع تفاقم الخلافات ونشوب المزيد من الحروب.

إن شن الاعمال العسكرية عبر الحدود خارج أطر الشرعية الدولية ظاهرة مقلقة جدا، تعيد إلى الاذهان الظروف التي سبقت نشوب الحربين العالميتين. ويزيد من هذا الخطر نزوع القوى الكبرى لاتخاذ المواقف الأحادية نظرا لغياب التوافق الداعم لسياساتها.

والمؤكد ان غياب الدور القيادي للامم المتحدة يزيد من خطر نشوب المزيد من الصراعات المسلحة. وثمة مصاديق اخرى لغياب القيادة الدولية:

اولا، استمرار الحرب التي تقودها السعودية على اليمن، وعدم ظهور مؤشرات لوقفها. هذه الحرب التي مر على نشوبها اكثر من 30 شهرا اصبحت تتحدى الضمير الانساني وتكشف عجز عالم القرن الحادي والعشرين عن وقف مجاعة تهدد ثلاثين مليون انسان وامراض فتاكة اصابت اكثر من مليون منهم وحصدت ارواح آلاف اخرى. برغم ذلك لم يصدر عن الامم المتحدة او المجتمع الدولي دعوة لوقف فوري غير مشروط لاطلاق النار، والسبب ان «العالم الحر» اصبح محكوما برجل لا مكان في قاموسه للقيم الخيرة التي تبلورت بعد تجارب الحربين العالميتين.

ثانيا، يتجلى بصلف الاحتلال الاسرائيلية الذي استغل الغياب القيادي المذكور، ونصب نفسه قائدا للمنطقة بعد ان طبعت علاقاتها مع بعض الانظمة التي تحكم بلدان الشرق الاوسط. إنها دولة احتلال غاشمة تواصل سياسات استبعاد سكان الارض الاصليين واستقدام الاجانب وتجنيسهم، كما تهدف لمد نفوذها السياسي بالتحالف مع الانظمة الاستبدادية الساعية للاستفادة من الخبرات الأمنية الاسرائيلية التي اكتسبتها على مدى سبعين عاما من الاحتلال في المواجهات التي لم تتوقف مع الشعب الفلسطيني. وفي غياب قيادة دولية تعمل لتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الامن لانهاء الاحتلال، اصبحت الساحة مهيأة لرموز الاحتلال لممارسة البلطجة وتحريض الغرب على دول المنطقة.

ثالثا: يتجلى في التهديدات السعودية المتواصلة للجيران، فبعد اجتياح قواتها البحرين في 2011 واليمن في 2015 استمر التهديد ضد قطر ولبنان كذلك. واخيرا وجهت تهديدات لإيران. وكان البلدان قد تقاربا في فترات متقطعة، اهمها في القمة الإسلامية التي عقدت بطهران في 1997 بحضور الامير عبد الله بن عبد العزيز الذي اصبح ملكا لاحقا. اليوم يتصاعد التوتر بين البلدين بشكل مرعب.

رابعا: ثمة تحالف غير معلن بدأ يتبلور في المنطقة على غير ما يأمل السعوديون. فقد حدث تقارب غير متوقع في العام الاخير، بين كل من تركيا وإيران وروسيا، لاسباب تتعلق بالوضع في سوريا وكذلك في تركيا. فقد كان للمحاولة الانقلابية في تركيا العام الماضي آثار سلبية على معنويات الاتراك الذين هرعوا لمد الجسور مع الجيران، بعد ان رأوا اصابع أمريكية وخليجية وراء المحاولة الانقلابية، الامر الذي أغضبهم ودفعهم للبحث في خيارات موازية.

كما ان التطورات في سوريا أظهرت واقعا جديدا من معالمه ضرورة التفاهم مع الجيران لمنع ظهور حالة تمزق في الامة تبدأ بمشروع انفصالي لدولة الكردية. واتضحت كذلك ضرورة احتواء ظاهرة الإرهاب التي جسدتها داعش، لكي لا تتوسع في تركيا وتهدد امنها. وقد لاحظت الدول الثلاث ان التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة ليس جادا في التصدي لداعش او القضاء الكامل على الإرهاب.

سيظل غياب القيادة الدولية مصدر قلق واضطراب دوليين، بل مؤشرا لاحتمال نشوب نزاعات مسلحة تفوق ما يجري في اليمن، وقد تؤدي لحرب عالمية ثالثة بعد التحالف الثلاثي المتلهف للتوسع بين أمريكا والسعودية و«اسرائيل».

إنه شبح مرعب يقتضي العمل الدولي بمشاركة اوروبا لابعاده قبل حلول الكارثة.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

  كلمات مفتاحية

صراعات إقليمية السعودية (إسرائيل) أمريكا إيران روسيا تركيا اليمن لبنان