أسرار جديدة عن إقالة رئيس أركان الجيش المصري السابق

الاثنين 20 نوفمبر 2017 01:11 ص

كشفت مصادر دبلوماسية وعسكرية رفيعة، مقربة من رئيس أركان الجيش المصري المقال، الفريق «محمود حجازي»، جانبا من الكواليس والأسرار التي قد تقف وراء قرار الإقالة المفاجئ للرجل الثاني في مصر، يتعلق جانبا منها باتفاقية التنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية، وجانبا آخر يتعلق بمحتوى التزام قدمه «حجازي» بأي مسار تتخذه القوات المسلحة دون النظر إلى التزامه العائلي تجاه الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي». 

وقال مصدر مقرب من رئيس أركان الجيش المصري المقال، إنه بعد قرابة ثلاثة أسابيع على إعفاء «حجازي» من مهام منصبه العسكري الرفيع والحيوي، ومنحه منصب مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجي، دون صلاحيات محددة، فإن تحركات الرجل القوي السابق «تبدو محدودة للغاية».

ووفق المصدر ذاته، فإن «حجازي» يشعر بالإهانة من الطريقة التي انتهت بها مهمته، والتي بدت كعقاب على ردة فعل متراخية في التعامل مع «مجزرة الواحات»، غربي البلاد (التي قتل فيها 58 شرطيًا يوم الجمعة 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، أو بتحديد أكثر كعقاب لقيام القوات التابعة للداخلية بمهمة على طريق الواحات دون تنسيق مسبق مع القوات المسلحة.

الغريب أن رئيس الأركان المقال، لم يتم تخصيص مكتبا له لممارسة مهامه الجديدة كمستشار للرئيس، ولا يعلم المصدر الذي طلب التكتم على هويته، بتخصيص مهام سياسية محددة له، بحسب «مدى مصر».

المصدر نفسه قال إن هناك بالفعل عملية تقسيم ثلاثي للملفات التي كان «حجازي» يتولاها، بين مساعد وزير الدفاع للعلاقات الخارجية، ورئيس المخابرات العامة، ووزير الخارجية، تحت الإشراف المباشر لمدير مكتب رئيس الجمهورية.

وكشف المصدر، عن أن هناك تعليمات ألا يتم إلقاء الكثير من الأضواء في الإعلام أو الصحافة على العمل الذي يقوم به رئيس الأركان الجديد أو غيره ممَن تولوا ملفات «حجازي» السابقة، وقال أيضًا إن هناك تنبيهًا بأن تتم مخاطبة رئيس الأركان الجديد باسم «محمد فريد» فقط، وليس «محمد فريد حجازي»، ربما منعا للبس، على حد قوله.

ويحمل صعود وخروج «محمود حجازي» من الدوائر العليا للحكم دلالات كثيرة حول الطريقة التي يتعاون بها «السيسي» مع المقربين منه من العسكريين والسياسيين.

قصة ظهور

«لقد كان دومًا شخصًا حاضرًا، بل قوي الحضور، في العديد من الاجتماعات التي جرت في الأيام التالية لاندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كان يبدو واثقًا من نفسه، وكان لا يتردد، مثل آخرين، في طرح ما يريد أن يقول».. هكذا وصف أحد الوجوه السياسية، التي ارتبط اسمها بالثورة، «حجازي»، كان ذلك في النصف الثاني من 2014، بعد شهور قليلة من صعود رئاسي محتفى به لـ«السيسي».

كان «حجازي» بالفعل في واجهة المشهد في الشهور التالية لثورة يناير، حضوره الأبرز ربما كان في مؤتمر صحفي أعقب مظاهرات ماسبيرو، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2011، والتي راح ضحيتها 28 مواطنًا منهم 26 من الأقباط.

ومع تظاهرات جرى الحشد نحوها بعد نحو عامين في يونيو/حزيران 2013، للمطالبة بإنهاء قسري ومبكر لحكم «محمد مرسي»، الرئيس المدني الأول لمصر منذ ثورة يوليو/تموز 1952، ظهر «حجازي» بقوة، هذه المرة «رجلًا ثانيًا» بقرب «السيسي»، الذي كان يومها وزير دفاع جاء به «مرسي» ليحل محل «محمد حسين طنطاوي»، الذي كان عرفًا رأس الدولة المصرية بعد تنحي «حسني مبارك» عن الرئاسة في 2011 وحتى انتخاب «مرسي» منتصف 2012.

وبينما كانت هناك محاولات لطرح فكرة إقناع «مرسي» بأن يُجري انتخابات رئاسية مبكرة، كانت الإجابات الرافضة تأتي بالأساس من «حجازي»، المعروف بأنه كان معارضًا بشدة للسماح بمشاركة الإخوان في الانتخابات الرئاسية أو وصولهم للحكم، بحسب أحد المعاونين السياسيين لمرشح رئاسي سابق في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة عام 2012.

بحسب المصدر، بدا «حجازي» شديد الحسم في الرفض، وفي قوله إن ما فعله الإخوان كان بالتأكيد ضد مصلحة ما عرف في حينه بالمشروع الإسلامي للحكم، وقال وقتها: «إن على الإخوان أن يخرجوا عن الحكم خروج أربكان إذا ما أرادوا يومًا أن يكون لهم أردوغان»، في إشارة للقبول القسري للقائد السياسي التركي السابق «نجم الدين أربكان» بالخروج من الحكم في تركيا في تسعينات القرن الماضي في ظل البقاء الواثق للرئيس «رجب طيب أردوغان».

رئيس الأركان في العرف المصري هو الرجل الأقوى عسكريًا لأنه مَن بيده كما يقال دومًا «القدرة على الأمر بتحريك الدبابات»، يعزز ذلك صلة المصاهرة التي تجمع بين «السيسي» و«حجازي» (تزوج ابن الرئيس، محمود، قبل سنوات قليلة بابنة رئيس الأركان، داليا)، فسرت اختيار الرجل قائدًا للأركان، كونه محل ثقة الرئيس.

محلل سياسي قريب من الدوائر العسكرية، قال إن «حجازي كان الرجل الأقرب للسيسي وكان يلتقيه منفردًا على الأقل مرة كل أسبوع، مما كان يثير غيرة الجميع»، اتفق مع هذا التقدير سفير أوروبي قال: «الرجل أقوى من وزير الدفاع فيما يتعلق بعلاقته مع الرئيس، يمكنني أن أؤكد ذلك بدون تردد، وهذا يتضح في الكثير من التعاملات المباشرة».

«ميدفيديف وبوتين»

مصدر عسكري، خرج من الخدمة قبل أكثر من عام، وعرف «حجازي» عن قرب، قال قبل أشهر قليلة، إن رئيس الأركان المقال لم يكن أبدًا لينحاز بعيدًا عمّا يقرره أغلب قيادات القوات المسلحة، بالعكس، هناك ما يقال باتجاه أن الرجل ذهب لمن يثق أنهم يشعرون بقلق إزاء خيارات «السيسي»، خاصة مع الخلاف الذي دار في النقاشات حول التعاطي مع قضية نقل جزيرتي «تيران وصنافير» للمملكة العربية السعودية؛ ليخبرهم ضمنًا دون تصريح بأن «انتماءه العائلي لن يحول دون التزامه بأي مسار تختاره القوات المسلحة في أي لحظة».

اللافت أن كثيرا من المسؤولين الغربيين الذين التقوا «حجازي» في كثير من المراحل كانوا يخرجون من الاجتماع بتساؤل حول حقيقة طموح الرجل الثاني القوي، الذي ربما يطرح نفسه كبديل محتمل، بحسب سفير أوروبي آخر.

السفير نفسه قال إنه يسمع كثيرًا من بعض مَن يلتقيهم في القاهرة أن «السيسي» ربما ينظر إلى «حجازي» باعتباره «ميدفيديف لبوتين»، قاصدًا رئيس الوزراء الروسي الذي جاء به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «محللًا» لعودته لرئاسة البلاد حين منعه الدستور من الترشح لفترة رئاسة ثالثة في عام 2008، فأصبح رئيس وزراء «ميدفيديف» الذي تولى رئاسة البلاد ليعود «بوتين» للرئاسة بعد انتهاء فترة «ميدفيديف» في 2012.

ولكن السفير أضاف أنه شخصيًا يستبعد ذلك، لأن حجازي «رجل معتد جدًا بذاته ويعرف قدراته السياسية والعسكرية تمامًا»، مضيفًا: «لا أظنه أبدًا يقبل أن يكون ميدفيديف، هو يقبل أن يكون الرجل الثاني بوصفه شريكًا قويًا متقدما على آخرين، ولكن لا يقبل أن يكون بديلًا مؤقتًا، ربما يحب يومًا أن يلعب دور البطولة».

التهميش والإقالة

تقدير مماثل ورد على لسان وزير مصري سابق تقاطعت ظروف عمله مع رئيس الأركان السابق، ورآه «الرجل الثاني القوي الذي يشهد الجميع بقوته وكفاءته والذي لا يمانع في دور العسكري القوي ولا يقبل بدور تنفيذي متواضع».

من ناحيته، أقر المحلل السياسي القريب من الدوائر العسكرية، بما قاله حكوميون مصريون من أن الملفات المكلف بها «حجازي» كانت تتسع على المستوى السياسي وليس فقط العسكري، فهناك مثلًا الإشراف المباشر على أعمال المخابرات العسكرية، والإشراف على الأوضاع في سيناء، إضافة إلى ملف صياغة حلول أمنية وسياسية للوضع في ليبيا، وملف العلاقات مع الولايات الأمريكية.

ولكن الأمر تغير منذ أشهر ماضية وبدأت عملية ما لتهميش «حجازي»، عندما استحضر الرئيس المصري، «محمد الشحات» رئيسا للمخابرات الحربية، وقام بتعيين «أسامة عسكر» مساعدًا للقائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء.

ووفق الرواية التي نقلها «مدى مصر» عن هذا المحلل، كان «حجازي» في زيارة للولايات المتحدة في مهمة عمل، مواعيدها معلنة، قبل أن يعود إلى القاهرة ليطلب منه فور وصوله التوجه فورًا للقاء رئاسي تم إبلاغه خلاله عن تحوله من رئيس الأركان إلى مستشار سياسي. حدث ذلك قبل الإعلان الرسمي يوم السبت 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لكن كلمات كتبها «معتز حجازي»، ابن رئيس الأركان المقال، في حساب له على موقع «فيسبوك»، عبرت عن رفض والده للانصياع للتيار بعد ساعات قليلة من خبر إعفاء الرجل من منصبه العسكري الرفيع(طالع: تعليق مثير للحدل لنجل رئيس الأركان المصري المعزول).

علاقة الإقالة بحادث طريق «الواحات» ما زالت ملتبسة. إذ يقول المصدر الحكومي إن مَن قام بتسريب التسجيل الصوتي المذاع في برنامج المذيع «أحمد موسى»، بما فيه من إشارة لتأخر الطيران في مد يد العون لدورية الشرطة المحاصرة في الواحات، أراد إلقاء اللوم على القوات المسلحة، ويبدو أن وزير الداخلية تمكن من إثبات ذلك.

ولكن السفير الأوروبي الثاني، قال إن «نمط أداء السيسي لا يتفق مع نظرية القرارات الانفعالية، خاصة إزاء أحد أقرب معاونيه»، وأضاف أن هذا الأمر «لا بد أنه كان محل تدبر من السيسي على الأقل لعدة أسابيع، هذا هو السيسي في قراءتي له».

«اليوم لا يمكن القول إن حجازي ذهب بسبب ما حدث في الواحات، بعد أربع سنوات من حوادث لا تقل إزعاجًا تحدث في سيناء»، بحسب العسكري السابق الذي سبق له أن تحدث عن حالة عدم ارتياح في بعض دوائر القوات المسلحة عن خيارات «السيسي»، خاصة عندما رفض «صدقي صبحي»، وزير الدفاع، التوقيع على اتفاقية نقل جزيرتي «تيران وصنافير» إلى السيادة السعودية، والذي بررته الحكومة في تقرير قدم إلى البرلمان جاء فيه، أن من وقع على الاتفاقية هو رئيس وزراء مصر وولي ولي عهد السعودية؛ وكل منهما لهم الصفة التمثيلية لدولتة؛ مشيرا إلي أن من يقوم بالتوقيع مسألة تقديرية لكل دولة.

المصدر الحكومي، قال إن «حجازي» رفض أيضًا عقد لقاءات ثنائية منفصلة مع مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى زاروا القاهرة خلال الأسابيع الماضية للنقاش حول تفاصيل إتمام نقل جزيرة «تيران» بعد أن تم الانتهاء من نقل جزيرة «صنافير».

وهذه ليست المرة الأولى التي يرفض «حجازي» فيها مثل هذا النوع من اللقاءات، وهذا ليس بالضرورة مؤشرًا أنه كان ضمن القيادات العسكرية المتحفظة حول نقل سيادة الجزيرتين، ولكنه بالتأكيد كان مؤشرا لإدراكه أن هذه الصفقة لا تتمتع بأي شعبية في صفوف القوات المسلحة وأنها مرفوضة شعبية قولًا واحدًا.

بل لأن هذا الرجل الذكي يدرك أنه في يوم ما لو اختلف الواقع السياسي في مصر بعد سنوات طالت أم قصرت فإن صفقة تيران وصنافير قد تكون محل مساءلة قانونية ما، وهو الوضع الذي لا يريد أن يضع نفسه فيه، بحسب قول المسؤول.

المصدر الحكومي، قال: «أظن الآن بعد ثلاثة أسابيع يمكن أن نخلص أن هناك غضبا رئاسيا من رئيس الأركان السابق، كما أن قرار الرئيس أن يكون التعامل حاسما مع الرجل الذي كان محل ثقته، إلى جانب ما يربطه به من علاقة نسب، يعد تحذيرًا لكل من يتصور أن رأس السلطة التنفيذية يتردد في التخلص من أي من معاونيه دون أي اعتبار لأي صلات شخصية أو علاقة العمل سابقة»(طالع: 3 أسباب وراء إقالة صهر «السيسي» من رئاسة أركان الجيش).

وأضاف: «لم تنكشف بعد، حتى لنا في الدوائر الحكومية، حقيقة التخلص من محمد  التهامي، رئيس المخابرات العامة السابق، والذي كان محل ثقة كاملة من الرئيس (في أواخر 2014)، كما لا نعرف الكثير عن مدى التقارب مع المشير طنطاوي، وإذا كان ما زال قائمًا أم أنه مجرد أمر أدبي، الشيء الوحيد الأكيد هو أن الرجال الذين أحاطوا بالرئيس عند وصوله إلى السلطة، القوي منهم والضعيف، مَن دعم ترشحه الرئاسي ومَن رفض، أصبحوا كلهم تقريبًا خارج الدائرة المباشرة حتى لو احتفظ بعضهم بمناصب رسمية، عدا رجلين هما وزير الدفاع ومدير مكتب الرئيس».

الخروج الدرامي لـ«حجازي» من الكادر الأرفع للحكم في مصر ضَيَّق الحلقة المحيطة بـ«السيسي» لتشمل «عباس كامل»، رئيس مكتبه، و«خالد فوزي»، رئيس المخابرات العامة، و«محمد سعيد العصار»، وزير الإنتاج الحربي المشارك فعليًا لرئيس الوزراء «شريف إسماعيل» في مهامه بحسب أكثر من مصدر، و«محمد فرج الشحات»، مدير المخابرات الحربية، ووزير الدفاع، «صدقي صبحي»، الذي يعلم بحسب مصادر متطابقة أن رفضه التوقيع على اتفاقية نقل سيادة «تيران وصنافير» ليس بالأمر الذي سيتجاوزه رأس السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

النقطة التي يتفق عليها الجميع أن إقالة «حجازي» ليست تساؤلًا حول مدى متانة الدائرة الأقرب للرئيس، ولكنها إشارة إلى أن «السيسي» ما زال في طور التخلص من الذين كانوا إلى جانبه في رحلة صعوده إلى سدة الحكم التي بدأت في صيف 2012.

وكان «السيسي» أطاح بعدد من رفاق انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، على فترات  متلاحقة، أبرزهم وزير الداخلية السابق اللواء «محمد إبراهيم» منفذ مذبحتي «رابعة» و«النهضة»، ومدير المخابرات العامة السابق اللواء «محمد التهامي»، و21 قائدا عسكريا من أعضاء المجلس العسكري، لأسباب غير معروفة(طالع: المستبعدون والباقون من المجلس العسكري الذي نفذ انقلاب 3 يوليو).

وخلال 3 أعوام أطاح «السيسي» بأكثر من 1500 ضابط من مواقعهم في الجيش، وأحال قرابة 100 من مسؤولي الاستخبارات للتقاعد، ضمن تصفيته لغير الموالين له في جهاز المخابرات العامة منذ الإطاحة بـ«مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.

المصدر | الخليج الجديد + مدى مصر

  كلمات مفتاحية

محمود حجازي عبدالفتاح السيسي صدقي صبحي الجيش المصري مجزرة الواحات