استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في استقبال «القرن الإسلامي»

الثلاثاء 1 يوليو 2014 10:07 ص

نصري الصايغ، السفير - 30-06-2014 

القرن العربي يغادرنا. خسرناه. لم يعد فيه ما يستحق الأمل. اكتمل الفصل الأخير فيه منذ زمن بعيد. وصل إلى نهايته في غفلة منا. لم يكن أمراً قابلاً للتصديق. نهايته إلغاء لنا وإبقاؤنا في العراء.

القرن العربي الذي بدأ في مثل هذا العام، مع الفصول الأولى للحرب الكونية في العام 1914، حمل وعداً عربياً جسيماً وملهماً، غير أننا لم نفِ بشروطه. حنثنا به. قرن عربي، تعرض لحروب وعقائد، تجسّد في دول (كيانات) وأنظمة، مثلته قيادات تجرأت، ألهمته عقائد وطموحات وأحلام انتهت إلى أضغاث، تناوبت عليه سياسات قسّمته و«كيّنته» (من كيان) وعزلته. ففي سجل هذا القرن أحلام ونضالات وجماهير مؤمنة طاعنة في الحماسة. وفيه كذلك، اخفاقات وانكسارات وهزائم ونكبات وانتحارات وخيانات...إذا فُرِدَت الخريطةُ في المشرق العربي، فسيفتح المشهد على بدايات جديدة، لم تكن متوقعة، لشدة ذهول العقول عن مآلات ما قد بدأ منذ عقود. لقد ورثت الكيانية الوحدة، وتبوأت المذهبية الطائفية الصدارة بعد سحق العروبة، بتواطؤ الأنظمة واستفحال العجز وسطوة الاستبداد، والارتهان للخارج.

الخريطة المكتشفة حديثاً، لم تعد حمّالة تأويلات وتخمين غايات: العراق، لم يعد عراقاً. شعبه لم يعد شعباً. وحدته لا تمت إليه بصلة... عراق الخريطة القديمة، لم يعد موجوداً... فوق مساحته كردستان الكردية. تتمدد وتتحصن وترسم حدودها، والدول على وشك القبول. فوق مساحة العراق، دولة وحشية ترتسم في بيئة سنية، بقيادة «داعش»، ومن ينتمي إلى سلالة ابن تيمية، ومحمد عبد الوهاب، ولو على مضض أو حاجة، أو تأسيساً على «منطق ملغوم»، الضرورات تبيح المحظورات... فمتى هذا المحظور الأعظم، المتمثل بـ«داعش»، أباحته الضرورة المذهبية... فوق مساحة العراق، تتكوّن دولة الأمر الواقع الشيعية.

ما يرتسم في العراق ليس عابراً. إنه تأسيس يصعب إلغاؤه. قد يُقْتَصُّ من «داعش»، بتحالف الأعداء، ولكن الكيان السني، لن يتنازل عن دولته، التي هي «حق مذهبي صاف»، في القرن الديني الحاضر.

لنفرد الخريطة باتجاه الغرب قليلاً: سوريا، قلب العروبة النابض، منطلق الحركة القومية، ما عادت كذلك من زمان. الكلمات والشعارات والعروبيات الفضفاضة، المعتقلة بأنظمة شمولية، لا تشبع العروبة النضالية والحضارية والإبداعية. تلك عروبة الآباء المؤسسين الذين صدحوا بها، في وجه الأتراك العثمانيين، والغرب الاستعماري، وكانوا ينتمون إليها، بصلة العقل والقلب والمصلحة، لا بدافع ديني أو مذهبي. عروبة الآباء، نقية من دين أو مذهب أو طائفة.

ليس في سوريا دولة. دولة «داعش» تحتل قسماً منها، أطبق على مناطق ومحافظات في العراق. الخريطة السورية فارغة من الدولة الواحدة. هي دويلات قيد التشكل، ونظام قيد التحصن، برغم الإصرار العسكري على الوحدة... بلا نتائج ميدانية.

إرهاصات هذا القرن بدأت في لبنان، الذي تتحسس بعض مذاهبه من العروبة. نافست الطائفية العروبة. استدرجت هذه الطائفية شقيقتها المذهبية. وأفلت لبنان الكيان من جغرافيته، وبات أسير دويلات، خاضت حروبا (1975 ـ 1990) أفضت إلى اقتسام لبنان بدل تقسيمه. هو اقتسام يشبه التقسيم مع وقف التنفيذ. اقتسام لا ترتسم حدوده على الخريطة الواحدة. فهذه، لا تزال تحتضن لبنان الواحد المتعدد، وتحتمل خرائط الطوائف والمذاهب، بحدودها القائمة في المؤسسات والإدارات. وما يقال عن ان لبنان هو في طور بناء الدولة، منذ التأسيس، ليس صحيحاً، بل هو كذب فاقع، لأن تاريخ القوى السياسية المذهبية والطائفية، هو تاريخ تهديم الدولة الذي بلغ غايته، في احتلال موقع العاجز دائماً، عن إتمام شروط ملء الفراغ الناشئ عن النزاعات الحساسة والخطيرة.

لبنان مرشح، بصيغته هذه، وبواقعه الانقسامي المزمن، إلى ان يصبح كالعراق وسوريا، إذا تمكّنت قوى الأمر الواقع الإقليمية، من تكريس وتصليب كياناتها الكردية، السنية، الشيعية، العلوية.

قيل مراراً، ان الداء السوري معدٍ. هذا صحيح. ولكن أحداً لم يتوقع ان يكون الدواء، هو الطريقة اللبنانية. وقيل، ان للحرب السورية ارتدادات على المنطقة برمتها، ولقد صدق القول. ونال العراق حصته بعنف غير مسبوق. وها هو الأردن يتخوف من انتقال وريث الزرقاوي، إلى داخل الحدود. أما لبنان، فحصته الأولى قد نالها، في مزيد من الانقسام والتدخل و«استقبال الانتحاريين» والخوف من تدفقهم... ما الذي يمنع أن يستفيق لبنان، ولو بعد أعوام، على ما يشبه العراق، في بعض مناطق لبنان؟ كابوس ماثل للأذهان، ولا جواب، ولا قدرة على رصد تحرك يعيد صياغة المناعة اللبنانية.

لدى لبنان، كل الأسباب التي تدعوه لأن يخاف. العلاجات الأمنية الاستباقية، تنجح في «حرب داعش الانتقائية»، وقد لا تنجح أبداً. إذا توسم «داعش» وحلفاؤه، أن يوسعوا اجتياحاتهم... ليست كل الطرقات بينها وبين لبنان مقفلة، والعلاج بالأمن لن يفيد عندها.

القرن العربي غادرنا، بدأ انحساره بعد نكسة حزيران. فازت السعودية في حرب تشرين. تقدمت الصفوف، وتراجعت العروبة. البديل، نفط ومال ووهابية. ترسخت الكيانية والقطرية. انتشرت السعودية على رفات التقدمية والعروبة والعلمانية. للأخ الأكبر، عقيدة مضادة للعروبة. الإسلام الوهابي يغزو الايمانات. بدل ان يكون الأزهر قبلة العلم، باتت السعودية آلة تخريج الائمة الذين ينطقون باسم محمد عبد الوهاب وابن تيمية. فرّخت المنظمات المدعومة منها. الاسلامية بديل للعروبية... والسيرة تطول، حتى بلغت الربيع العربي، فجاء الاسلام الإخواني في مصر، وانتشر الاسلام التكفيري في سواها. ليس مهما إن كان «داعش» صناعة سعودية. لأجهزة الاستخبارات اضبارات عن التعاون والدعم. إنما المسألة أبعد من ذلك. فذاك النبع الوهابي قادر على ري «النصرة»  و«داعش» بالفكر الذي يكفر الروافض ويكفر كل من ليس على صراط الوهابية.

لنفرد الخريطة للمرة الأخيرة. لنقل وداعاً لكيانات سايكس ـ بيكو. هذه الدول الخادعة، لم تعد جديرة بالبقاء... كانت بديلاً في زمن انتشار عصر الطوائف، أصبحت الآن في مرتبة الأصيل... خريطة المشرق الإسلامي، ارتسمت حدودها بالمذاهب والطوائف والأعراق. وهي حدود أولية، ولكي تستقر، يلزم ان تستكمل حرب المئة عام الاسلامية. ولا جديد في ذلك، فلقد شهد التاريخ العربي، صراعاً سنياً ـ شيعياً في بغداد والحلة، دام مئة عام... إلا عاماً.

هناك متسع من الوقت بدأ يضيق، لكي يفكر اللبنانيون، ضد تفكيرهم الراهن والقديم، الذي قادهم إلى تأسيس كيان، صار نموذجاً للعراق وسوريا، في الحرب وفي السياسة.

لبنان الطوائف مصيره الأسود أمامه... هل من طريق آخر؟

[email protected]

 

  كلمات مفتاحية