«فورين أفيرز»: لا تسمحوا للسعودية بزعزعة استقرار لبنان

الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 10:11 ص

تحاول المملكة العربية السعودية دحر نفوذ إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والآن، بعد هزيمتها في سوريا، والصراعات في اليمن، والسجل المتذبذب في العراق، تتجه الرياض إلى لبنان لتكون الجبهة المقبلة في صراعها مع طهران.

وتهدف السعودية في لبنان إلى مواجهة حزب الله، التنظيم الشيعي القوي، الذي يتمتع بتحالف قديم وعميق مع إيران، وبفضل المساعدات المالية والعسكرية السخية التي يتلقاها من طهران، تحول حزب الله إلى قوة إقليمية هائلة، وهي قوة عززت في الأعوام الأخيرة هيمنتها على عملية صنع القرار في لبنان، وعززت القوة الرادعة أمام (إسرائيل)، وساعدت في إنقاذ نظام «بشار الأسد» في سوريا، ودعمت غيرها من الميليشيات الشيعية في البحرين والعراق واليمن.

ويرى السعوديون أن سيطرة حزب الله على السياسة في بيروت لا يمكن السكوت عنها، وهذا هو السبب في أنهم قرروا مواجهة حزب الله بشكل أكثر فعالية من خلال تحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن المغامرة الإقليمية للمجموعة، بما في ذلك في الفناء الخلفي السعودي في اليمن، حيث تزعم المملكة أن حزب الله يدعم المتمردين الحوثيين.

وكانت أول إشارة للتدابير العقابية السعودية ضد لبنان هي الاستقالة القسرية لرئيس الوزراء «سعد الحريري»، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، بينما كان في الرياض.

ولم يعتقد السعوديون أن «الحريري»، الذي سعى إلى التوصل إلى توافق في الآراء مع حزب الله، العام الماضي، لضمان بقائه السياسي، كان مستعدا أو قادرا على تنفيذ سياسة متشددة في مواجهة الحزب، لذلك أجبروه على التخلي عن منصبه.

لكن قد لا يتوقف العقاب السعودي هنا، كما يمكن للرياض زيادة الضغط على حزب الله من خلال سحب جميع الودائع السعودية من البنوك اللبنانية، وطرد المواطنين اللبنانيين من الأراضي السعودية، وكلاهما من شأنه أن يضر بالاستقرار المالي للبلاد.

وقد تظن الرياض أن إحداث أزمة داخلية في لبنان سوف يشغل حزب الله، ويمنعه من توسيع وتعميق مشاركته في ميادين القتال الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، وسيؤدي تعطيل الوضع الراهن في لبنان إلى توسيع نطاق الأزمة والفوضى في المنطقة.

ولدى السعوديون كل الأسباب للقلق إزاء أنشطة حزب الله في لبنان واليمن، وأماكن أخرى، وليس هناك شك في أن افتقار التنظيم للمساءلة في الدولة اللبنانية، والتجاهل التام للسيادة اللبنانية، واستخدامه لمخزون الأسلحة ضد الأعداء المحليين والأجانب، سوف يستمر في إعاقة مشروع بناء الدولة اللبنانية وتهديد أمن العديد من الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة، بما في ذلك (إسرائيل)، لكن التسبب في الخراب السياسي والانهيار الاقتصادي في لبنان كوسيلة لإضعاف حزب الله، وهو ما يبدو أن السعوديين عازمون على القيام به، ليس في مصلحة أحد.

أوقفوا السعودية

ويحتضن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بشكل كامل القيادة السعودية الجديدة، المتمثلة في الملك «سلمان» وابنه ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الأمر الذي مكن المملكة من إظهار موقف جريء ضد إيران وخوض مقامرة خطرة في لبنان.

لكن يبدو أن كبار المسؤولين الآخرين في الإدارة قد حثوا نظراءهم السعوديين في واشنطن، بشكل خاص، على التراجع عن استخدام لبنان كساحة جديدة لمواجهاتهم بالوكالة مع إيران، وإذا كانت هذه التقارير دقيقة، فإن هؤلاء المسؤولين كانوا على حق تام في القيام بذلك، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الرياض ستستمع.

وهناك 3 أسباب تدفع الولايات المتحدة للخشية من خطط الرياض في لبنان؛ أولا، من المرجح أن يفقد السعوديون حلفاءهم اللبنانيين ويقوون حزب الله، وثانيا، ستكون التكاليف التي ستتحملها الولايات المتحدة في حال زعزعة الاستقرار في لبنان أكبر بكثير من الفوائد التي ستتحقق من معركة سيئة التخطيط مع حزب الله، وثالثا، هناك طرق أفضل لتقويض حزب الله دون إيذاء لبنان ككل.

ولقد أثارت سياسة الرياض الجديدة في لبنان بالفعل قدرا كبيرا من الاستياء بين أبناء السنة، المجتمع الذي يفترض أن يكون أكثر تأييدا للرياض، ومن خلال إذلال زعيمهم علنا، أغضبت المملكة الكثير من السنة هناك، وبالطبع فإن حبهم للبلد أقوى من كراهيتهم لحزب الله، وعلاوة على ذلك، فإنهم، شأنهم شأن كل اللبنانيين، يشعرون بقلق عميق إزاء ظروفهم المعيشية وثرواتهم الاقتصادية، ويخشون مما سيحدث إذا بدأت المملكة تطبيق العقوبات المالية دون تمييز.

وعلاوة على ذلك، قد تشتت التقلبات السياسية والصعوبات المالية حزب الله، ولكنها لن تضعفه بالضرورة، فحزب الله قادر تماما على إيجاد بديل لـ«الحريري»، وحتى لو تدهورت العلاقات بين السنة والشيعة في لبنان، فلدى حزب الله المزيد من السلاح لإسكات منتقديه، أكثر في الواقع مما لدى القوات المسلحة الوطنية في البلاد.

ويجب أن نتذكر أن حزب الله ولد في خضم المرحلة الأكثر عنفا من الحرب الأهلية في البلاد أوائل الثمانينات، لذا، فهو يزدهر في حالة الفوضى، ومع مرور الوقت، قد يتقن فن البقاء على قيد الحياة، ولا أقول إن حزب الله قوة خارقة لا يمكن مواجهتها، لكنه يهيمن جزئيا بسبب خصومه المحليين الضعفاء والمنقسمين.

وسيؤدي تعطيل الوضع الراهن في لبنان إلى توسيع دائرة الأزمة والفوضى في المنطقة، ما قد يعود بالنفع على أعداء الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة.

وقد أنفقت الولايات المتحدة طنا من الأموال ورأس المال السياسي لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من العراق وسوريا، وآخر ما تريده هو حالة فوضى في لبنان قد تمنح تنظيم الدولة فرصة لإعادة التجمع، فضلا عن توفير أرض خصبة لحركات متطرفة أخرى.

وعلى الرغم من الخلل العميق، تقدم لبنان نموذجا للتعايش الطائفي الذي قد يكون مفيدا بشكل كبير لدول مثل العراق وسوريا واليمن، التي تعصف بها الحروب الأهلية، وتعد تجربة لبنان السياسية الفريدة والانفتاح الديني أقوى الأسلحة ضد المزيد من التطرف في الشرق الأوسط، ولا شك في أن كل هذا أمر يستحق المحافظة عليه.

وأخيرا، هناك طرق أفضل لتحقيق هدف الرياض المتمثل في إضعاف حزب الله، وسيكون السعوديون أفضل حالا بالعمل مع الولايات المتحدة على سن عقوبات مالية أكثر صرامة وأكثر وضوحا على حزب الله، بدلا من محاولة تعطيل الاقتصاد اللبناني، الذي يكافح بالفعل للتعامل مع نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في بلد لا يزيد مواطنوه على 6 ملايين نسمة.

كما يمكن للسعوديين تقديم الدعم المالي لحلفائهم في الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقرر إجراؤها في مارس/آذار عام 2018، للمساعدة في الحد من التأثير السياسي لحزب الله.

وتعتبر لبنان هشة جدا وثمينة للغاية لاستخدامها كساحة تنافس بالوكالة بين الرياض وطهران، وقد حاولت (إسرائيل) استخدام هذه الاستراتيجية من قبل، بمساعدة من الولايات المتحدة، في مناسبات عديدة آخرها عام 2006، وفي كل مرة، أدت إلى كارثة والمزيد من إضعاف البلاد، وقد تستفيد المصالح السعودية والأمريكية على نحو أفضل إذا تعلمت المملكة من هذا التاريخ.

  كلمات مفتاحية

السعودية لبنان ترامب حزب الله سعد الحريري