إثيوبيا تحصن «سد النهضة» بـ«درع عسكري» وتوارب باب التفاوض

الخميس 23 نوفمبر 2017 11:11 ص

قال مراقبون إن إثيوبيا تحضر نفسها لأي سيناريو محتمل يتعلق بتعامل مصر مع أزمة سد النهضة، ومن ضمنها استهدافه عسكريا، وفي هذا الصدد فرضت منطقة حظر جوي «غير معلنة» فوق أجواء السد، واشترت منظومة دفاعات جوية مضادة للطيران.

لكن هؤلاء المراقبين أشارا إلى أن أديس أبابا لم تغلق باب التفاوض تماما من أجل حل الأزمة سلميا، وإنما أبقته مواربا، حسب تقرير لـ«الأناضول».

وبدأت الحكومة الإثيوبية إنشاء «سد النهضة» في أبريل/نيسان 2011، على النيل الأزرق (أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل)، بمدينة «قوبا» على الحدود الإثيوبية السودانية، وتشير التطورات الأخيرة إلى فشل المفاوضات بينها وبين الحكومة المصرية للتقليل من مخاوف الأخيرة بشأن تضرر حصتها من مياه نهر النيل جراء بناء السد.

تحسبا لأي «مغامرة مصرية»

ورغم أن القاهرة لم تلوّح صراحة باللجوء إلى استخدام القوة في التعامل مع أزمة «سد النهضة»، وأكدت على لسان كبار مسؤوليها اعتمادها «فقط» الطرق الدبلوماسية في حلها، إلا أن المراقبين يرون أن الجانب الإثيوبي يتحسّب لأي «مغامرة مصرية» قد تشمل استخدام القوة في معالجة الأمر، خاصة مع دعوات تطلقها بين الفينة والأخرى جهات إعلامية مصرية بضرورة شن ضربات جوية على سد النهضة كونه يمنع «شريان الحياة» (نهر النيل) أو مورد المياه الرئيسي عن البلاد.

وقال مصدر دبلوماسي غربي، للأناضول، في وقت سابق، إن إثيوبيا قلقة من صفقة وقعتها مصر، مؤخراً، لشراء عدد من طائرات «رافال» الهجومية من فرنسا، والتي تستطيع بلوغ الأجواء الإثيوبية دون توقف؛ وهو ما يرفع في تقدير المراقبين «درجة الحساسية» بين القاهرة وأديس أبابا.

وردا على ذلك، على ما يبدو، فقد تعاقدت إثيوبيا على شراء منظومة دفاعات جوية مضادة للطيران من ذات المصدر (فرنسا) لحماية السد من أي مخاطر محتملة تهدده.

وكان مصدر سياسي إثيوبي اتهم في وقت سابق مصر وإرتيريا بإقامة حلف عسكري وأمني وثيق، ولم يخف المصدر قلق بلاده من أن يشكل هذا التعاون تهديدا مباشراً لمشروع بناء السد في حال استخدامه لتنفيذ ضربات عبر الأجواء السودانية الخارجة عن سلطة الدولة، ثم العودة لقاعدة الانطلاق باستخدام الأجواء والقواعد الإرتيرية.

وأضاف ذات المصدر أن الحظر الجوي غير المعلن فوق منطقة سد النهضة يمتد إلى عمق الحدود السودانية، إضافة لعمق مماثل لأجواء داخل حدود دولة جنوب السودان تحوطاً وحذراً من أي محاولة لاختراق الطوق الاحترازي المضروب حول السد لتأمينه، ويشمل الحظر أيضاً الطيران المدني إلا بإذن من السلطات، وفق قوله.

وأشار إلى أن أديس أبابا تراقب عن كثب تطور العلاقات بين مصر ودولة جنوب السودان التي قد تكون حدودها المتاخمة للحدود الإثيوبية «نقطة ضعف هشة» يمكن عبورها إذا تطورت الأمور إلى حد المواجهة العسكرية مع مصر رغم استبعادها حالياً.

وفي الوقت نفسه تراقب إثيوبيا بحذر شديد الحدود السودانية التي لا تبعد عن منطقة سد النهضة سوى كيلومترات قليلة (حوالي 20 كم)، وذلك لوجود معسكرات تابعة لـ«الحركة الشعبية/قطاع الشمال» في المنطقة، التي تخضع لسيطرة الحركة التي لا تزال تقاتل الخرطوم؛ وهو ما يعني بالتالي سهولة التسلل من تلك المنطقة إلى منطقة السد.

تأمين الحدود مع السودان

ويبدو أن مخاوف أديس أبابا وجدت طريقها على أرض الواقع.

وقال وزير الدولة الإثيوبي في مكتب الاتصال الحكومي، «زادقي أبرها»، في بيان له، مطلع مارس/آذار الماضي، إن «الأجهزة الأمنية الإثيوبية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة».

ولفت إلى أن «المجموعة المهاجمة كانت تتكون من 20 فردًا، انطلقوا من دولة إرتيريا؛ للاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية تصدت لهم وقتلت 13 مهاجمًا وهرب 7 إلى داخل الأراضي السودانية، لكن الخرطوم سلمت المهاجمين فورًا إلى الحكومة الإثيوبية».

وفي أبريل/نيسان الماضي، أكد العقيد، «أرقاوي كيداني»، قائد الفرقة السادسة بالجيش الإثيوبي في إقليم (بني شنقول جمز)، غربي البلاد، أن القوات السودانية والإثيوبية تتعاونان لتأمين الحدود المشتركة، وتعملان معا من أجل محاربة المجموعات المناوئة للسلام والاستقرار.

وفي تصريحات نقلتها عنه وكالة الأنباء الإثيوبية، وقتها، أضاف المسؤول العسكري أن قوات بلاده جاهزة، و«ستقوم بما يلزم، من أجل التصدي لأي مجموعات مناوئة (لم يسمها) حاولت الاعتداء على سد النهضة».

وجدد تأكيده على أن قواتهم «قادرة على تدمير كل من يحاول الاقتراب من السد، قبل وصوله لهدفه».

ولفت إلى أن «إثيوبيا والسودان لديهما تعاون أمني وعسكري؛ ولعل عملية تسليم 7 من المجموعة التي حاولت الهجوم على سد النهضة من قبل الحكومة السودانية مثالا للتعاون بين البلدين».

وأشار الى أن رئيس الوزراء الإثيوبي، «هيلي ماريام ديسالين»، والرئيس السوداني، «عمر البشير»، اتفقا على أهمية تفعيل اتفاق التعاون العسكري والأمني بين البلدين.

وفي أكتوبر/تشرين أول الماضي، وقعت إثيوبيا والسودان مذكرة تفاهم في أديس أبابا، لتعزيز التعاون العسكري والأمني المشترك لمكافحة الإرهاب.

وأكد البلدان أن مذكرة التفاهم «تعمل على تأمين الحدود، وتبادل المجرمين، ومنع أي نشاط معادٍ للبلدين، وخاصة من الجماعات المناوئة للسلام».

إبقاء باب التفاوض مواربا

لكن أديس أبابا رغم ذلك تبقى باب التفاوض لحل الأزمة مع القاهرة مواربا.

ففي يوليو/تموز الماضي، قال رئيس مجلس النواب الإثيوبي  (إحدى غرفتي البرلمان)، «أبادولا جميدا» (استقال مؤخرا) إن بلاده ملتزمة بالمسار التفاوضي مع مصر حول سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا.

جاء ذلك في بيان للخارجية المصرية، عقب استقبال «جميدا»، سفير مصر لدى إثيوبيا، «أبو بكر محمود»، في مكتب الأول بالعاصمة أديس أبابا؛ لبحث تطورات المفاوضات بين بلديهما حول سد النهضة.

ووفق البيان، أكد «جميدا» أن «بلاده لا يمكن لها بناء تنميتها ورخائها على حساب أي من شعوب المنطقة ومنهم الشعب المصري الشقيق».

وأشار إلى ثقته في «قدرة الحوار البناء والشفاف الحالي بين البلدين على تحقيق المنفعة المتبادلة دون الإضرار بأي طرف».

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

إثيوبيا مصر سد النهضة