رغم مساندته الثورة.. لماذا قتل «عبدالناصر» «محمد فوزي» بالتأميم؟! (1ـ2)

الجمعة 24 نوفمبر 2017 01:11 ص

يوم الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول 1966، لم يكن الفنان والمطرب المصري «محمد فوزي» تجاوز الـ48 من عمره، لكنه شعر بدنو أجله بعد أن زادت عليه الآلام إلى حد لم يعد يستطيع تحمله.

وفي حالته تلك كتب «فوزي» (مواليد 1918) كلمات نقلها عنه «فاروق إبراهيم» مصور الرئيس المصري الراحل «محمد أنور السادات»، وقال فيها: «منذ أكثر من سنة تقريباً، وأنا أشكو من ألم حاد في جسمي لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم، والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب التي أجريت لي، كل هذا يحدث والألم يزداد شيئاً فشيئاً، وبدأ النوم يطير من عيني واحتار الأطباء في تشخيص هذا المرض».

وأضاف «فوزي» بعفويته المعهودة: «كل هذا وأنا أحاول إخفاء آلامي عن الأصدقاء إلى أن استبد بي المرض ولم أستطع القيام من الفراش، وبدأ وزني ينقص، وفقدت فعلاً نحو 12 كيلوغرامًا، وانسدت نفسي عن الأكل (لم أعد استطيع تنال الطعام)؛ حتى الحقن المسكنة التي كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم بدأ جسمي يأخذ عليها (يتعود عليها) وأصبحت لا تؤثر فيّ، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعرونني بآلامي وضعفي وأنا حاسس (أشعر) أني أذوب كالشمعة».

وتابع: «الموت علينا حق... إذا لم نمت اليوم سنموت غداً، وأحمد الله أنني مؤمن بربي؛ فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها؛ فقد أديت واجبي نحو بلدي، وكنت أتمنى أن أؤدي الكثير، لكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، لن يطيبها الطب، لكنني لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصراً في حق نفسي، وفي حق مستقبل أولادي الذين لا يزالون يطلبون العلم في القاهرة».

واستطرد: «تحياتي إلى كل إنسان أحبني، ورفع يده إلى السماء من أجلي... تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني... تحياتي لبلدي... أخيراً تحياتي لأولادي وأسرتي».

واختتم الرسالة بوصية قال فيها: «لا أريد أن أُدفن اليوم، أريد أن تكون جنازتي غدًا الساعة 11 صباحاً من ميدان التحرير (حدد مسجد عمر مكرم)، فأنا أريد أن أُدفن يوم الجمعة».

يوم وفاة «فوزي» وأحداث عجيبة

يتفنن رجال السياسة والمسؤولون عن الحكم في أرجاء الوطن العربي بوجه عام في إهانة الموهبين من الأحياء في مختلف المجالات، ما لم يبادروا بنفاقهم، ثم يجيدون رثاءهم بعد وفاتهم، ربما تخلصًا من جرائمهم في حقهم أمام الشعوب، أما أمام الله فالحكم مختلف؛ إذ إن الميزان الذي سينصب هنالك لن يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها صاحب العرش الأعظم في هذا الوجود.

تقدم موكب جنازة «فوزي» الأكاديمي «عبدالقادر حاتم» نائبا عن «جمال عبدالناصر»، رئيس الجمهورية آنذاك، وسار في الموكب كبار الكتاب والفنانين، مثل «يوسف السباعي»، و«عماد حمدي»، و«أحمد مظهر» وغيرهم، لكن الأغرب ما تردد بقوة عن أن محبي «فوزي» سرقوا جثمانه وأخفوه حتى طاردتهم الشرطة وأعادته، مساء الجمعة، الذي أوصى الراحل بدفنه فيه، ولما سألت الشرطة خاطفي النعش عن سبب فعلهم قالوا إن الدولة التي ظلمته حيًا لا تستحق أن تسير خلف جثمانه ميتًا.

سر مرض «فوزي» العالمي

في عام 1961، أصدر «عبدالناصر» قرار التأميم، الذي كان يعني ضم كل شركة مملوكة لأفراد إلى ممتلكات الدولة بقوة القانون، دون سند من شريعة سوى التمسك بالاشتراكية في جانبها المساوي بشريعة الغابة، وبالطبع لم تتم مصادرة كل الأموال والشركات التي كانت تخص الفنانين الكبار مثل الراحلين: «أم كلثوم» التي غنت «يا جمال يا مثال الوطنية»، و«عبدالحليم حافظ» الذي غنى «يا جمال يا حبيب الملايين»، و«محمد عبدالوهاب» الذي رد عليهما بغنائه «يا جمال النور والحرية».

وكان «عبدالحليم حافظ» و«محمد عبدالوهاب»، وقتها، يمتلكان شركة «صوت الحب»، المُنافسة لشركة «فوزي» «مصرفون»، أو «صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات»، فلم يقترب منها ولا منهما أحد؛ فهؤلاء كانوا يُكثرون من الغناء لـ«عبد الناصر»، واختيار الكلمات المُتقاربة، وكأنهما في منافسة لتجييش الحس الشعبي معه؛ ما جعلهما في مأمن من الهزات المالية جميعها وكان مما غنيا:

«عبدالناصر حبيبنا قايم بينَّا يخاطبنا

 نجاوبه ويجاوبنا

 قائد ومُجنَّدين».

وأيضًا:

«ردِّينا عليك يا جمال

وإيدينا في إيديك يا جمال

 وطلعنا معاك يا جمال

 نبني ويَّاك يا جمال

 حيُّوا معايا قولوا معايا:

 عاش عبد الناصر عاش».

ولم يكن «فوزي»، وهو المساند للثورة من الأساس ليفعل.

بدأ مرض «فوزي» بعد تأميم شركة الأسطوانات التي كان يمتلكها «مصرفون»؛ إذ دخل في حالة نفسية بالغة السوء، وتدهورت صحته ليُصاب بمرض نادر تم تشخيصه لاحقًا بـسرطان العظام، ثم تم تشخيصه حديثًا على أنه «التهاب في الغشاء البروتوني الخلفي»، وقيل أنه أُطلقَ عليه عالميًا «مرض فوزي»؛ لأنه أشهر وربما أول الذين أُصيبوا به.

كان مرضه العضوي يستفحل مع زيادة حالته النفسية، حتى نقص وزنه من 77 كغم إلى 40 فحسب خلال شهور قليلة، نفذ معها رصيده المالي من الحياة، وارتفعت الأصوات بعلاجه على نفقة الدولة لكن بعد فوات الأوان، وتوفي «فوزي»، في العاصمة الألمانية برلين، بعدما أنهكه المرض.

بداية قصة النهاية

أما عن اليوم الذي بدأ المرض فيه يغزو جسد «فوزي»، فيروي كثير من المقربين منه أنه حكى لهم أنه لاحظ حينما ركن سيارته إلى جوار شركة «مصرفون» وجود كثيف للعساكر في محيطها.

لكنه لم يأبه لهم وسار حتى مكتبه وهناك كانت المفآجأة التي تسببت في القضاء على حياته وإعلان يوم وفاته الحقيقي قبل 5 سنوات من موته الجسدي، وهو ما نتعرف عليه في الجزء الثاني من هذا التقرير بإذن الله.

  كلمات مفتاحية

مصر محمد فوزي جمال عبدالناصر عبدالحليم حافظ أم كلثوم محمد عبدالوهاب تأميم