تداعيات مجزرة «الروضة» .. هل يتكرر السيناريو العراقي في مصر؟!

السبت 25 نوفمبر 2017 12:11 م

حينما وقع تفجير الكنيسة البطرسية، وسط القاهرة، 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عبر تفجير بحزام ناسف، مسفرا عن 29 قتيلا، كان ذلك إيذانا بدخول مصر حزام العمليات الانتحارية، لكن مع مجزرة «مسجد الروضة»، التي سطرت الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كواحد من أكثر الأيام دموية في تاريخ مصر، فإن البلاد ربما تدخل إلى مستنقع «العرقنة».

الجمعة الدامية، التي شهدت هجوما عنيفا استهدف مسجدا، بمدينة «بئر العبد»، بمحافظة شمال سيناء، شمال شرقي البلاد، وأسفر عن سقوط 305 قتلى و128 مصابا، بحسب بيانات رسمية، يحمل من الدلالات والتداعيات، ما يؤكد حدوث تحول نوعي في المعارك الدائرة في سيناء، ربما يدفع البلاد إلى استنساخ السيناريو العراقي، على الأقل في تلك البؤرة الملتهبة على خارطة مصر.

مشهدد الجثث المتراصة على أرضية المسجد، ممزوجة بالدماء، وفوارغ الطلقات، دون الإشارة إلى كون الهجوم على أرض مصرية، كان أشبه بمشاهد تفجير المساجد في بغداد والأنبار والموصل وديالي وسامراء، والتي طالت تجمعات سنية في العراق.

الهجوم لم تعلن بعد أي جهة مسؤوليتها عنه، لكن بالنظر إلى طريقة تنفيذه، وحجم الخسائر الناتجة عنه، فإنه يحمل بصمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي سبق أن استهدف مساجد في العراق والبحرين والسعودية والكويت، وليس أخيرا مصر.

وسبق أن استهدف التنظيم دور عبادة كنسية، مكبدا الأقباط خسائر فادحة في 9 أبريل/نيسان الماضي، حينما استهدف انتحاريان بأحزمة ناسفة، كنيستين في مصر، بمحافظتي «الغربية»، وسط الدلتا، و«الإسكندرية» شمال البلاد، موقعين أكثر من 41 قتيلا، و118 جريحا.

وفي مايو/أيار 2017 قتل 29 شخصًا وأصيب أكثر من 20 آخرين، في هجوم مسلح تبناه التنظيم، واستهدف حافلة كانت تقل أقباطاً، كانوا يتجهون لزيارة أحد الأديرة بمحافظة المنيا، جنوب القاهرة.

روايتان مختلفتان

حتى كتابة هذه السطور، أمامنا روايتان، أو تفسيران لهجوم «الروضة» الدامي، الأول أرجع المجزرة إلى دوافع انتقامية من القرية التي تحتضن أكبر مساجد الطرق الصوفية في المنطقة، وتشهد عداء شديدا بين قيادات الطرق الصوفية والتنظيمات المسلحة في سيناء.

ويقدر عدد المنتمين للطرق الصوفية في المحافظة الصحراوية الحدودية بما يزيد على 10 آلاف، ونحو 25% من إجمالي سكان قرية الروضة (الرجال) قتلوا في مذبحة الجمعة، وفق تقديرات حكومية رسمية.

وسبق أن هدد ما يسمى بـ«أمير الحسبة» بـ«ولاية سيناء» الفرع المحلي بمصر لتنظيم «الدولة الإسلامية»، قبل عام، ذاكرا بالاسم مسجد «الروضة» باعتباره مسجد رئيسي لأتباع الطرق الصوفية في سيناء، قائلا: «ما زالت هناك بعض الزوايا الشركية في سيناء، وستكون من أهداف جنود الخلافة متى ما تمكنوا منها بالحسبة والجهاد».

ووقتها، وجه «أمير الحسبة»، عبر صحيفة «النبأ» المقربة من التنظيم (لم تحدد اسمه)، رسالة إلى جميع الزوايا الصوفية وأتباعها قائلا: «اعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدورة نجسة، ولكننا ندعوكم، ونستتيبكم، ونرجو لكم الإسلام والهداية»، على حد قوله. (طالع المزيد)

والعام الماضي، اختطف التنظيم أحد كبار قادة الطرق الصوفية بسيناء، الشيخ الضرير «سليمان أبو حراز» (98 عاما)، وكان له تأثير كبير في أوساط القبائل البدوية، ونشر التنظيم فيديو يظهر إعدامه ذبحا، برفقة الشيخ الصوفي «اقطيفان المنصوري»، قائلا: إنهما «طاغوتان يدعيان علم الغيب».

اتحاد قبائل سيناء عزز ذلك التفسير، بالقول في بيان له على «فيسبوك»، إن «المتطرفين أرادوا عقاب القرية على وقوفها في وجههم ومقاطعتها لهم».

وأعلن الاتحاد إغلاق كامل المناطق الشرقية في سيناء، داعيا الجيش لبدء عملية مشتركة مكبرة تمتد من الشرق حتى البحر لتطهير سيناء من الإرهابيين، والثأر لضحايا هجوم مسجد الروضة.

أما التفسير الثاني للمجزرة، فتبنته مصادر قبلية، مؤكدة أن «15 مسلحا يرتدون زيا عسكريا ويحملون أعلاما سوداء، اقتحموا المسجد وألقوا عبوات ناسفة في داخله، قبل أن يحاصروه بـ 3 سيارات دفع رباعي، ويطلقوا النار على الفارين من المصلين، الذين كان معظمهم ينتمون لقبيلة السواركة».

النائب في البرلمان المصري عن محافظة شمال سيناء، «حسام الرفاعي»، أكد أيضا أن «معظم ضحايا تفجير مسجد الروضة، الذي وقع ظهر الجمعة، من قبيلة السواركة، التي أعلنت مساندتها للجيش والشرطة».

وهناك تماس تجدر الإشارة إليه يجمع بين الطرق الصوفية والسواركة، كون الطريقة «الجريرية»، وهي إحدى أكبر الطرق الصوفية المنتشرة في شمال سيناء، منسوبة إلى الشيخ «عيد أبو جرير»، وهو أحد أبناء قبيلة «السواركة».

و«السواركة» تتمركز في قرى عدة بمحافظة شمال سيناء، منها قرية «الروضة»(موقع الهجوم)، وسبق أن أعلنت القبيلة حمل السلاح ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، بالتعاون مع الجيش والشرطة، في تكرار للسيناريو العراقي؛ عبر استنساخ ظاهرة «الصحوات» التي تشكلت لمساندة السلطات ضد جماعات متشددة.

نتيجتان

أيا كان الفاعل، فإن المجزرة الكبرى التي استهدفت مسجد الروضة، تدفع مصر إلى النفق الأخطر، الذي انتقل من مرحلة استهداف الأقلية القبطية في الكنائس والأديرة، إلى استهداف الأغلبية المسلمة في المساجد والأضرحة، وهو تطور نوعي يعني اتساع النطاق العملياتي للتنظيمات المسلحة، وضم المسلمين لبنك الأهداف الذي تستهدفه تلك التنظيمات.

وفق المعطيات المتوافرة على أرض الواقع، فإن مصر بصدد مشاهدة اتساع جديد ونوعي لافت لخارطة العنف، من خلايا «الأحزمة الناسفة»، و«العمليات الانتحارية»، إلى «كنائس الموت»، و«مساجد الدم».

وتبدي دوائر استخباراتية، قلقها من مخططات لنقل أرض المعركة مع تنظيم «الدولة الاسلامية» من العراق وسوريا، إلى أجزاء من مصر، بما يعني «عرقنة» المشهد المصري، وربما تحويل «سيناء» إلى مسرح عمليات دولي بدعوى مواجهة التنظيم.

خطورة مجزرة «الروضة»، التي جاءت بعد نحو شهر من مجزرة دامية في «الواحات» غربي البلاد، راح ضحيتها 58 ضابطا وجنديا من قوات الداخلية المصرية، تكمن في أن الأمن المصري بات عاجزا عن ملاحقة التهديدات الأمنية، وأن المواجهة التي يخوضها منذ سنوات ضد تنظيمات مسلحة باءت بالفشل، وأن سيناء خرجت بالفعل عن سيطرة الدولة المصرية. (طالع المزيد)

ويمثل تحقيق الأمن أحد المحاور الرئيسية للدعاية للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، وكان وقتها وزير للدفاع عقب الانقلاب العسكري على «محمد مرسي» مننتصف العام 2013، ونال بموجب ذلك ما أسماه الإعلام المصري وقتها بـ«تفويض شعبي» لفض اعتصامي «رابعة والنهضة» 14 أغسطس/آب 2013، موقعا مئات القتلى والجرحى في صفوف أنصار جماعة الإخوان المسلمين.

وتعهد «السيسي»، الذي يستعد للترشح لولاية رئاسية ثانية تمتد حتى العام 2022، بـ«استعادة الأمن والاستقرار بمنتهى القوة خلال الفترة القليلة القادمة»، و«الثأر لضحايا الهجوم»، دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، كما لم تصدر وزارة الداخلية، أو الجيش المصري أية إفادة بشأن المجزرة.

ومنذ وقت طويل، تمثل محافظة «شمال سيناء» التي تمتد شرقا من قناة السويس إلى قطاع غزة، صداعا لقوات الأمن المصرية، رغم تمديد حالة الطوارئ بها 14 مرة، منذ أكثر من 3 سنوات، وعلى الرغم من إخضاع المحافظة لسيطرة عسكرية شبه تامة، وتحت إشراف أجهزة سيادية واستخباراتية، فإن السيناريو العراقي بات قريبا من المثول والتكرار على الساحة المصرية، جراء فشل عسكري ذريع، وتجاوزات أمنية خطيرة، وانتهاكات حقوقية وإنسانية، وتدهور اقتصادي حاد، قد يعيد مستقبلا تكرار «مجزرة الروضة» من جديد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر هجوم الروضة العريش سيناء العرقنة الدولة الإسلامية الصوفية السيسي بئر العبد