«العمودي».. المليونير السعودي الذي أربك اعتقاله اقتصاد دولة أفريقية

الأحد 26 نوفمبر 2017 08:11 ص

ما إن ورد اسمه بين المعتقلين، إلا وتجاهلت جميع الصحف الصادرة في ذلك البلد الأفريقي أسماء الأمراء والوزراء وراحوا يتلقفون أخباره، ويتلمسون كل ما يرد عن مستقبل استثماراته، كيف لا وهو أغنى مستثمر فيها.. ليس فيها فقط؛ بل في كل بلدان القرن الأفريقي، ومن شأن المساس باستثمارته المهمة هناك أن تربك اقتصاد الدولة كلها، وبلغت أهميته إلى حد اضطرار رئيس الوزراء هناك إلى الخروج بتصريحات صحفية تطمئن الجميع عما بتعلق باستثماراته.

ومنذ اعتقاله، لم يشغل رجل الأعمال السعودي «محمد حسين العمودي» الصفحات الأولى لكبرى مجلَّات إثيوبيا فقط، بل وغطَّت وكالات الأنباء هُناك تطوُّرات احتجازه -بما في ذلك الشائعات المنتشرة على الشبكات الاجتماعية- بصفتها أخبارا عاجلة.

ولا يزال من غير الواضح تحديداً سبب إقحام «العمودي» في حملة الاعتقالات السعودية التي ترفع شعار مكافحة الفساد، وشملت أمراء ووزراء ورجال أعمال أثرياء.

ففي إثيوبيا، وهي إحدى أفقر الدول في العالم، بلغت قيمة استثمارات «العمودي» كما يلقبونه قرابة 3.4 مليار دولار، ما يمثِّل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي بإثيوبيا، ما يعني إرباك الاقتصاد، والذي بدا واضحا من تصريحات مسؤولين هذا البلد.

والد الفقراء

ولـ«العمودي» في إثيوبيا شهرة كبيرة بين سكان هذا البلد، لما له من استثمارات في مجال الزراعة وإنتاج الإسمنت وتعدين الذهب في شركة «ميدروك» للتعدين، إضافة إلى شركة «ستار سعودي» للتنمية الزراعية والمسؤولة عن زراعة آلاف من الهكتارات من الأراضي بمختلف أنواع الفواكه والخضراوات والحبوب والبن والشاي والزهور وحقول الأرز موفرة بذلك احتياجات إثيوبيا إضافة إلى تصدير كميات كبيرة إلى الخارج.

وليس هذا فقط، بل يمتلك «الشيخ» مجموعة واسعة من الشركات في قطاع البناء، والطاقة، والفنادق أهمها شيراتون أديس أبابا الذي أقيم على أنقاض المساكن الشعبية، وقد وصل عدد هذه الشركات إلى قرابة 60 شركة.

وكل تلك الشركات تعني تأمين وظائف لأكثر من 100 ألف شخص في مختلف القطاعات لذلك وبحسب ما ذكر أحدهم لـ«هاف بوست عربي» أطلقوا عليه في إقليم «ولو» شمال البلاد ومسقط رأس والدة العمودي أطلقوا عليه لقب «والد الفقراء».

المواطنة الإثيوبية «تقست وندموا» أشارت بدورها إلى أنّ لقبه كـ«والد للفقراء» جاء بسبب «المساعدات التي قدّمها للمحتاجين».

وتضيف: «لرجل الأعمال هذا له جهود في تطوير البلاد فقد وقف إلى جانب الحكومة والشعب في العديد من المواقف».

الحكومة تطمئن

وبعد أيامٍ من اعتقال «العمودي» اليمني الأصل بتهمة الفساد في السعودية وزجه إلى جانب عشرات الأمراء والمسؤولين في السجن، شعر رئيس الوزراء الإثيوبي، «هايلي ماريام ديسالين»، بضرورة إقامة أوَّل مؤتمرٍ صحفيٍّ يعقده منذ شهرين، وأجاب فيه عن أسئلة متعلقة بـ«العمودي»، وأكَّد أنَّ الحكومة لا تعتقد أنَّ ذلك سيؤثر على استثماراته في إثيوبيا.

وأضاف هايلي «أتمنى أن يخرج بسلام، وإلى حينها ستبقى مشاريعه وأمواله في الحفظ والصون حتى يعود سالما».

ولم يلق اعتقال «العمودي» اهتماماً فقط من الوسط الرسمي، بل الشعبي أيضا، وذلك يعود لكونه «لطالما كان حاضراً في العمل الإنساني»؛ يقول الإعلامي «إبراهيم صالح»: لقد «شارك بأموال كبيرة بدرء كوارث تعرّضت لها البلاد منذ عامين».

ويضيف «صالح» «لقد تعرّضت مناطق جنوب العاصمة أديس أبابا لانزلاق الأراضي وحينها ساهم العمودي بتعويض المتضررين، أما آخر أعماله في المجال الإنساني فكانت لنازحين من المواجهات الحدودية بين إقليمي الصومال الإثيوبي والأرومو»، بحسب ما نقله عنه «هاف بوست عربي».

ممول «سد النهضة»؟

وبدأت تتردد مؤخراً أنه ممول مشروع «سد النهضة» الإثيوبي المقام على نهر النيل، لكن الحقيقة أنّه واحد من رجال الأعمال الذين قدّموا تبرّعات في المراحل الأولية من بناء السد، وذلك عقب تقديم الحكومة الإثيوبية دعوة لرجال الأعمال للتبرّع لبناء السد.

وحينها تبرّع العمودي بملايين الدولارات، ما دفع وسائل الإعلام الإثيوبية تطلق عليه لقب «ممول سد النهضة الإثيوبي الكبير» يقول الإعلامي الإثيوبي «محمد شافي».

ويضيف «شافي» إن «العمودي كأي مواطن كان له دور في تبرعات مالية مثله مثل أي إثيوبي مقيم في البلاد، وهو ليس كما يشاع الممول الرئيسي لسد النهضة».

الإعلام المصري مرتاح

الإعلام المصري بدوره اهتم باعتقال «العمودي» ضمن الحملة السعودية بسبب دوره في تمويل سد النهضة، لكنه على خلاف الإعلام الإثيوبي بدا مرتاحا للقرار.

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب المصري «السيد فليفل» إن القاهرة تملك العديد من أوراق الضغط على إثيوبيا في حال تعنت الأخيرة في الموافقة على الطلبات المصرية، مشيراً إلى أنها تملك ملفاً قانونياً بالإضافة إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية، وكذلك الاستعانة بالقوى الإقليمية، زاعمًا أن ما فعلته الرياض باعتقال رجل الأعمال السعودي «محمد العمودي» الذي يعتبر من أكبر المساهمين والمستثمرين في سد النهضة يأتي في هذا الإطار.

«مجرد محتكر»؟

وفي الوقت الذي تغزّل فيه عدد من الإثيوبيين بما قدّمه «العمودي» لهذا البلد، بدا أن لآخرين رأيا آخر في «الشيخ» الذي لا يعدو –بنظرهم- كونه «مجرد محتكر» وليس كما يشاع عنه صاحب المشاريع التي تعتبر «حلم المواطن الإثيوبي».

واستطاع «العمودي» أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم بفضل تسهيلات قدمها المسؤولون له، على «حساب الشعب» بحسب قولهم؛ وخاصة أن أغلب مشاريع شركات مجموعة «ميدروك» أقيمت في مناطق و«مزارع تم تهجير سكانها» منها لتقام عليها تلك المصانع والمؤسسات.

فللشيخ «العمودي» العديد من العلاقات من كبار الشخصيات في الدولة تصل لأرفع الشخصيات ويقال إنه قدّم العديد من المساعدات للحكومة الإثيوبية وتبنى العديد من البرامج الحكومية.

وحتى أنه ساهم في علاج كبار الشخصيات في البلاد من مسؤولين وفنانين، وقدّم دعماً للحكومة في إقامة قاعة الألفية الشهيرة في العاصمة من حر ماله، والتي تعتبر أهم قاعات الاحتفالات والمهرجانات، وأنشأ أيضاً ملعباً في مدينة ولديا شمالي البلاد والتي لاقت قبولاً من الدولة.

ففي خلال افتتاح هذا الملعب تحدّث حينها رئيس الوزراء الإثيوبي قائلاً «أود أن أقدم امتناني نيابة عن الحكومة ونفسي لهذه الهدية الجميلة لشعب مدينة ولديا».

وأضاف «أود أن أتقدم بالشكر للدكتور الشيخ محمد حسين العمودي لما تحمله من أعباء ومسؤولية اجتماعية وذلك بإنفاقه أكثر من نصف مليار بر لدعم المبادرة الشعبية من أجل بناء هذا الملعب العملاق».

احتكار وحجز أراض شاسعة

وأثيرت العديد من القضايا حول امتلاك عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين في إثيوبيا لأراضي واسعة وسط العاصمة وفي مواقع مهمة بهدف تنميتها وإقامة المشاريع الاستثمارية، ولكنها لم تستخدم.

وظلت محجوزة ومغلقة دون تنفيذ أي مشاريع عليها وتم تأجيل الموضوع عدة مرات، ومن هذه الأراضي ما منح لـ«العمودي»، حتى أن أحد الصحفيين حاول إجراء تحقيق فيما يخصّ تلك الأراضي المهجورة والتي توجد في مواقع مهمة وتم تحويل الملف لرئاسة الوزراء لتتم متابعة الملف من قبل مسؤول رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي.

وهذه المشاريع أدخلت الحكومة في موقف محرج مع العديد من الجهات التنفيذية وتعتبر من أكثر القضايا التي أدت لتصعيد الخلافات في عدد من المناطق حول العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

إضافة إلى تلك الأراضي احتكرت مجموعة «العمودي» العديد من الأعمال والمشاريع التي كان يعمل فيها المواطن كحرف تدر له العديد من الدخل مثل تعدين الذهب الذي كان يتم العمل فيه بالطرق التقليدية في عدد من المناطق والأحجار الكريمة وبعض المشاريع التي تم منح العمل فيها مجموعات ميدروك وصارت حكراً لشركاتها.

في إقليم قامبيلا بجنوب غرب إثيوبيا ثار المواطنون بسبب تمليك بعض الأراضي والمشاريع من قبل الحكومة لعدد من مشاريع «ميدروك».

وقامت العديد من الأحداث والخلافات وتعرضت المنطقة لفترة من الوقت لإيقاف نشاطات المستثمرين وتعرض العديد منهم لمضايقات واحتجاجات من قبل المواطنين الذين تم استملاك أراضيهم فكان الاحتكار للأراضي التي أقيمت عليها العديد من المشاريع الزراعية لزراعة الأرز واحدة من الأسباب للأحداث التي قامت في المنطقة.

وقال مصدر مطّلع على النشاط التجاري لـ«العمودي» إن الكثيرين تفاجأوا حين ورد اسمه ضمن قائمة المعتقلين لأنّه، وبخلاف آخرين كثر، قام بجهودٍ طيلة مسيرته المهنية للالتزام بقواعد النظام المصرفي الإسلامي.

وقال المصدر إن احتجازه أوحى بأن الاعتقالات كانت تركز حصراً على مصادرة الأصول من أجل مملكة تواجه تحديات أسعار النفط المتراجعة وتزايد نسبة السكان الشباب.

المصدر | هاف بوست عربي + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

والد الفقراء العمودي مجرد محتكر سد النهضة