ناجون من مجزرة «الروضة» يروون تفاصيل جديدة

الأربعاء 29 نوفمبر 2017 08:11 ص

روى ناجون من «مجزرة الروضة»، بمحافظة شمال سيناء، الجمعة الماضية، تفاصيل جديدة عن الهجوم الدموي الذي أودى بحياة 305 أشخاص، بينهم 27 طفلا.

وقال شاهد عيان يدعى «سليمان»، ناظرا إلى باب المسجد الخلفي: «هذا دم أبوي، وهذا عِقاله، وهذه عَقدته، وهذه طاقيته، وهذا عكازه، أبوي انقتل هنا».

وأضاف، راويا تفاصيل المجزرة لـ«مدى مصر»،: «حضرت للمسجد قبل الخطبة بقليل وجدته ممتلئًا، اضطررت للجلوس في الخارج مقابل الباب الخلفي بعد فترة قصيرة شعرت بحرارة الشمس ما دفعني لمزاحمة المصلين في الداخل، ومع بداية الخطبة سمعنا إطلاق رصاص عنيف في الخارج، حسبنا أن دورية الجيش حضرت وتطلق الرصاص بشكل احترازي، ولكن بعد لحظات انقلب الأمر رأسًا على عقب».

وتابع: «حالة من الهرج والفوضى عَمت المكان، إطلاق الرصاص في كل ناحية ومن كل اتجاه، اقتحم ثلاثة مسلحين ساحة المسجد في البداية، وأطلقوا الرصاص بشكل عشوائي على كل المصلين، سقط بجانبي أحد المصلين قتيلا، بعدها بدأت بالتسلل زحفًا ناحية الشباك الجانبي للمسجد الذي كان قريبًا لموقع جلوسي، نظرت ناحية جلوس والدي وجدته وسط بركة دماء وقد قُتل، بعدها قفزت من النافذة واستمريت في الركض بشكل متواصل لا أعلم أين أذهب».

أثناء الهجوم كان «محمد»، الرجل الأربعيني، يجلس في منتصف المسجد ينظر صوب الإمام أثناء إلقائه الخطبة، عندما فتح المسلحون نيران أسلحتهم الآلية على جميع المصلين. يقول: «خفضت جسدي بالكامل على الأرض ووضعت راحتي فوق رأسي، لحظات وسقط فوقي من كان يجلس على جانبي الأيمن وسالت دمائه عليّ، لحظات أخرى وسقط من كان على جانبي الأيسر. بقيت ثابتًا أسفلهما لا أتحرك نهائيًا».

ظل «محمد» محتميًا بالجثث، لما يقرب من 45 دقيقة، مضيفا: «كنت بموت مع كل طلقة تنضرب، وكنت مستني دوري في الموت».

لا تترك أحد يهرب

«ما تترك حد يهرب اقتلوهم كلهم»، جملة قالها أحد المسلحين أثناء تنفيذ المذبحة، حسب «محمد»، ويضيف: «حصلت حالة تزاحم شديد في مقدمة المسجد، جميع المصلين يريدون الهروب عبر غرفة المكتبة التي تحتوي على شباك يطل على الشارع وعلى ساحة المسجد القديمة، ولكن المسلحين ألقوا على التجمع قنابل يدوية سقط على إثرها عدد كبير من القتلى، وداخل غرفة المكتبة باغتهم أحد المسلحين من الشُرفة بعبوات ناسفة صغيرة قتلتهم جميعًا، حتى أن سقف المسجد تصدع من شدة الانفجارات».

وعن لهجة منفذي الهجوم، يشير «محمد» إلى أن لهجة القتلة ليست مصرية ولا سيناوية، ولكنها أقرب إلى الشامية، وأن أجسامهم ضخمة عكس أجسام السيناويين الصغيرة، «ليسوا سواركة، ولا بياضية، ولا أرميلات، ولا ترابين، ولاعرايشية(قبائل سيناوية)»، لافتًا إلى أنهم متمرسون جدًا في عمليات القتل، ولديهم مهارة عالية في التصويب، حيث كانوا يطلقون الرصاص من بعيد فتصيب هدفها في مقتل.

ويُجمع أهالي القرية أن المذبحة استمرت لقرابة 45 دقيقة كاملة، ولم يكتف المسلحون بقتل المصلين في المسجد، ولكنهم اقتحموا المنازل القريبة للبحث عن الرجال الذين لم يذهبوا للصلاة بَعد، وأخرجوهم من منازلهم وقتلوهم أمام أسرهم. حتى أن كل رجل أو شاب كان يسير في طرقات القرية تمّ قتله. وقبل رحيلهم أحرقوا جميع سيارات الأهالي في وسط القرية للحيلولة دون إسعاف المصابين ونقلهم للمستشفيات.

نجا «عطية» وابن عمه «عاطف» من موت محقق، بسبب تأخّر الأول في دورة مياه المسجد للوضوء، بعد بداية خطبة الجمعة. كان «عاطف»، الشاب الذي يعمل مدرسًا، يطالب ابن عمه بالتعجل في الوضوء داخل دورة المياه للحاق بالخطبة، ولكن تأخّر «عاطف» أنقذ حياة الشابين.

بعد بدء إطلاق النار اختبأ الإثنان داخل إحدى كبائن دورة مياه المسجد لمدة ساعة، بحسب «عاطف»، الذي أضاف: «سمعنا خطوات أحد المسلحين تقترب منا، وأطلق الرصاص على أحد المصلين في دورة المياه، ولكنه رحل بعد أن طلب منه مسلح آخر اتباعه لمكان ما».

تأكد الشابان من توقف صوت الرصاص، فخرجا من مخبئهما. بكلمات مختلطة بالدموع يصف لنا «عاطف» المشهد كما رآه: «الجثث في كل مكان خارج المسجد، لا تكاد تُدير وجهك إلا وتقع عيناك على جثة، وبرك الدماء في كل مكان، أما داخل المسجد وفي ساحته الرئيسية لا مكان لتضع قدمك، الأرض ممتلئة بالكامل بالجثث، والمصابين».

تقصير أمني وطبي

يقول الأهالي إن هناك منازل في القرية قُتل كل رجالها، لدرجة أنهم لم يجدوا من يدفنهم، وعائلة «المنصوريين» فقدت 50 شخصًا، فيما كان عدد القتلى الأكبر من أبناء عشيرة «الجريرات»، السكان الأصليين للقرية.

وانتقد شهود العيان، تأخّر وصول سيارات الإسعاف وقلتها في البداية، وحتى الفقر الشديد في استعدادات مستشفى بئر العبد العام وعدم جهوزيتها للحالات الطارئة، وعدم وجود أكياس دم كافية، وتمّ الطلب من المساجد أن تدعوا الأهالي للتبرع، ولكن عندما اصطف الأهالي للتبرع خارج المستشفى، فوجئوا بعدم وجود أكياس دم فارغة ليتم التبرع فيها.

أما الجثث فلم تنقل للمستشفيات وتم تجميعها داخل المسجد، ما دفع المحافظة لإرسال الإداريين في مديريتي التضامن الاجتماعي والصحة إلى المسجد في القرية ومعهم أوراقهم الرسمية، حيث تمّ استخراج شهادات الوفاة على باب المسجد، وفي أول يوم استُخرج 300 وثيقة وفاة.

ولم تعلن بعد أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الأعنف الذي تشهده مصر عبر تاريخها الحديث، لكن النيابة المصرية قالت إن منفذي الهجوم كانوا يحملون رايات تنظيم «الدولة الإسلامية».

وتتكتم السلطات المصرية حول تفاصيل الحادث، وأسباب تأخر الدعم الأمني للتصدي للمهاجمين، ومنعت المصابين من الإدلاء بأي أحاديث متلفزة، كما منعت الصحفيين من زيارة موقع الحادث.

المصدر | الخليج الجديد + مدى مصر

  كلمات مفتاحية

مجزرة الروضة بئر العبد العريش سيناء الدولة الإسلامية الجيش المصري