«ديلي بيست»: هجوم سيناء الدموي يظهر خطورة إعجاب «ترامب» بالحكام المستبدين

الأربعاء 29 نوفمبر 2017 12:11 م

شهدت مصر الكثير من المجازر على أيدي الإرهابيين خلال الربع الأخير من القرن الماضي، لكنها لم تشهد في ذلك الوقت شيئا في فظاعة ذلك المشهد الذي ظهر أثناء صلاة الجمعة في مسجد الروضة في شمال سيناء.

وفي ما يطلق عليه عسكريا بـ«الهجوم المركب»، تم تفجير قنبلة واحدة على الأقل، وعندما حاول المصلون الفرار، قام العديد من المسلحين، ربما العشرات منهم، بإطلاق النار عليهم. فيما تجاوز عدد الوفيات 300 شخص، بينهم 30 طفلا.

ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها حتى الآن، ولكن المدعي العام المصري أعلن السبت أن المسلحين كانوا يحملون أعلام تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويقال إن المصلين كانوا صوفيين، ويدينهم التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة كمبتدعين. وينتمي الكثيرون من الضحايا إلى قبيلة يقال إنها دعمت العمليات العسكرية للنظام في المنطقة. وقيل إن بعض من قتلوا كانوا مجندين من الجيش المصري. ولا تزال العديد من الحقائق ذات الصلة غامضة.

لكن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» كان سريع الرد. ويكون حاضرا دائما عندما يكون هناك مسألة إرهاب تتعلق بالمسلمين في أي مكان في العالم. وكان أول تصريح له معقول، حيث ندد «بالهجوم الإرهابي الرهيب والجبان على المصلين الأبرياء والعزل في مصر»، وهو ما حدث بالتأكيد. وقال إن «العالم لا يمكن أن يتسامح مع الإرهاب، ويجب أن نهزمهم عسكريا، وأن نشوه سمعة الأيديولوجية المتطرفة التى تشكل أساس وجودهم»، الأمر الذي سيكون جيدا إذا استطعنا ذلك.

ولكن في تغريدته التالية، بعد 3 ساعات، تحول «ترامب» النقي إلى شخص قبيح حقا وشرير واستغلالي، حيث قال: «سوف ندعو رئيس مصر في وقت قصير لمناقشة الهجوم الإرهابي المأساوي، الذي خلف الكثير من الخسائر في الأرواح. ويجب علينا أن نكون أكثر صرامة وأكثر ذكاء من أي وقت مضى. وسوف نحتاج إلى الجدار، نحتاج إلى قوانين الحظر! بارك الله شعب مصر».

وفي الواقع، لا يتعلق هجوم شمال سيناء بأي شكل من الأشكال بالحاجة إلى جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. لكن تشير تغريدة «ترامب» إلى أنه يحاول يائسا تنفيذ هذا المشروع مرة أخرى، وكان جميع الضحايا في مسجد سيناء مسلمين، فهل ينبغي أن يكونوا على قائمة الحظر؟ أما بالنسبة لهذه الجملة الأخيرة، حسنا، نعم، بارك الله شعب مصر، وليساعدهم الله طالما يعبث «ترامب» في شؤونهم.

غارق في الأزمات

ولقد كان الشرق الأوسط منذ فترة طويلة غارقا في المشاكل التي كثيرا ما تزعج العالم. وهناك استياء دفين من التاريخ الاستعماري، وهناك كراهية متجذرة بسبب التنافس القبلي، مع الثروات الهائلة التي تعتمد على كميات كبيرة من النفط والغاز. وهناك عدد كبير من السكان الشباب الذين يشعرون بالإحباط الشديد من حكوماتهم بسبب ندرة الوظائف.

وقد عرف عن القادة الحكماء في الولايات المتحدة وأوروبا تعاملهم بحذر مع الشرق الأوسط. فأي تحرك خاطئ قد يخلق الكوارث. وكان أبرز مثال على ذلك الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، عندما أطاح الرئيس الأمريكي «جورج بوش» بالطاغية «صدام حسين»، دون خطة تفكير واضحة لمن يحل محله.

وربما لا يعتقد «ترامب» أو ربما لم يفكر في أن عملية بوش في العراق كانت حماقة. إنه يقول إنه كان ضده، ولكن من الصعب التأكد من هذا، لأنه يدعي كل ما هو مناسب في تلك اللحظة، ولا يعرف أحد في تلك الأيام ما فكر فيه «دونالد ترامب» بشأن الشرق الأوسط.

ولكن علينا أن نرى ذلك اليوم، وما رأيناه حتى الآن من سياساته غير مشجع. فقد دفعته رغبته في فرض النظام إلى التقارب مع قادة المنطقة الذين يقدمون أنفسهم كرجال قساة أقوياء، ويقولون إنهم يحاربون الإرهاب، سواء كانوا ناجحين أم لا.

وفي مصر، ذهب «ترامب» إلى التودد للرئيس «عبدالفتاح السيسي»، الذي حكم منذ الإطاحة بالرئيس «محمد مرسي» المنتخب ديمقراطيا وأعلن الجماعة التي فاز عنها «مرسي» في الانتخابات، -جماعة الإخوان المسلمون- منظمة «إرهابية».

وكانت إحدى السبل التي حشد بها «السيسي» الدعم بين زملائه الضباط، في انقلابه عام 2013، قوله إن الإرهابيين قد استولوا على سيناء، وأنه سيعيد النظام هناك. ولكن خلال 4 أعوام، لم تكن منطقة شمال سيناء أبدا أكثر خطورة من اليوم، وخاصة بالنسبة لقوات «السيسي». وقد كتب «ترامب» على ضرورة أن يكون «أكثر صرامة وأكثر ذكاء»، ولكن الصلابة كانت حاضرة دائما، لكن يبدو أن «أكثر ذكاء» تتجاوز قدرة «السيسي» في هذا الشأن.

وكانت شمال سيناء مسرحا لعمليات اعتقال جماعية وتعذيب في معظم هذا القرن، في ظل تعتيم وسائل الإعلام لأعوام، كما أشارت «منى الطحاوي» في صحيفة «نيويورك تايمز».

وقال معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، في سبتمبر/أيلول، إنه منذ يوليو/تموز عام 2013، عندما استولى «السيسي» على السلطة، «قتل ما يقرب من 1000 من أفراد الأمن في أكثر من 1700 هجوم إرهابي عبر شبه جزيرة سيناء المضطربة في مصر، حيث قتل أكثر من 200 من أفراد الأمن هذا العام وحده. وقد أعلنت «ولاية سيناء»، وهي الجماعة الإرهابية الأكثر نشاطا في مصر، عن مسؤوليتها في أكثر من 800 هجوم في جميع أنحاء البلاد، منذ أن أعلنت الولاء لـ«الدولة الإسلامية» في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014.

ووفقا لموقع المعهد على الإنترنت فإن «الهجمات مستمرة رغم جهود قوات الأمن المصرية للقضاء على الإرهاب في الإقليم. ووفقا للأرقام المجمعة من التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارتي الداخلية والدفاع، قتلت قوات الأمن المصرية أكثر من 2500 من المشتبه بهم كإرهابيين في عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء منذ عام 2013، مع أعداد غير رسمية أعلى بكثير ذكرتها وسائل الإعلام».

النهج الخطر

وكانت رحلة «ترامب» الخارجية الأولى إلى المملكة العربية السعودية، حيث ادعى ولي العهد الشاب «محمد بن سلمان»، البالغ 32 عاما، القيام حاليا بتصحيح المجتمع المحافظ، ومحاربة الفساد، وإعادة الإسلام المعتدل إلى المملكة. وهو تأكيد مشكوك فيه حيث لا يظهر ما إذا كان يقود حملة اجتماعية أخلاقية، أم أنها حملة لتعزيز وتوطيد هيمنة فرع ضيق واحد من العائلة المالكة السعودية على السلطة والمال. وفي الوقت نفسه، تمت الإطاحة بولي العهد السابق الأمير «محمد بن نايف»، الذي كان الحليف الرئيسي للغرب في الحرب على الإرهاب.

وقد أدت رغبة إدارة «ترامب» في فرض «رجال أقوياء» على النظام في الشرق الأوسط إلى الميل حتى نحو الموافقة السلبية على إعادة سيطرة «بشار الأسد» على جميع أنحاء سوريا، بعد أن تم تدمير ما يسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية» هناك.

لكن «الأسد» ليس رجلا قويا على الإطلاق. وهو طاغية ضعيف وقاتل، كان يدعم في السابق مقاتلي «الدولة الإسلامية» الأصليين عندما كانوا يقتلون الأمريكيين في العراق، قبل أن ينتقلوا إلى سوريا بعد الانتفاضة الشعبية، حتى يتمكن من تصوير هجومه على المعارضين كحرب ضد الإرهاب. وهو الآن في السلطة لأنه مدعوم من روسيا، التي ليست صديقة للولايات المتحدة (مهما كان ما يعتقده ترامب)، وإيران، التي يرى «ترامب» أنها مصدر كل الشر في المنطقة.

وفي بداية هذا القرن، بعد الهجوم الذي شنه تنظيم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن، سألت عناوين الصحف الأمريكية: «لماذا يكرهوننا؟» ولكن هذا كان السؤال الخاطئ، فإذا أراد المرء أن يبدأ في فهم العلاقات المضطربة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، فإن السؤال الجوهري، في الحقيقة، هو «لماذا يعتقدون أننا نكرههم؟». وإذا أراد المرء «تشويه سمعة الأيديولوجية المتطرفة التي تشكل أساس وجود التطرف»، فيجب أن تكون تلك هي نقطة البداية.

وفي عام 2001، كان بإمكان المرء أن يبحث عن إجابات معقدة نسبيا يفسر بها سبب شعور العرب والمسلمين بأن أمريكا تكرههم. لكن اليوم، فكل ما يحتاجه المرء لفهم ذلك هو فقط قراءة تغريدات «دونالد ترامب» على موقع «تويتر».

  كلمات مفتاحية

ترامب السيسي ولاية سيناء هجوم مسجد الروضة