«و.بوست»: كيف أصبحت قرية مصرية هدفا لإرهاب تنظيم الدولة؟

الأربعاء 29 نوفمبر 2017 05:11 ص

قبل أن تصبح قريتهم ساحة للقتل، كانت ملاذا للمهجرين.

وأعلن شهود عيان أن العديد من الأشخاص الـ 305 الذين قتلوا في مسجد في قرية الروضة، يوم الجمعة، كانوا قد انتقلوا إلى هناك هربا من الاشتباكات بين تنظيم الدولة الإسلامية وقوات الأمن المصرية، في أماكن أخرى من شبه جزيرة سيناء المصرية.

وأصبحت القرية نوعا من الوطن والملاذ لسكانها المسلمين في الغالب.

ولكن في الأشهر الأخيرة، نزح المسلحون إلى الروضة. وأمروا الصوفيين بالتخلي عن طقوسهم أو مواجهة الموت. وقال سكان القرية إن التهديدات التي تعرضوا لها تم إبلاغ الجيش عنها، ولكن لم يتم التوصل إلى فرض حماية إضافية.

لذلك أقام السكان حواجز رملية على ارتفاع أربعة أقدام حول المسجد والطرق المجاورة، في جهد يائس لحماية أنفسهم.

وقال «يوسف مصطفى»، ويبلغ 37 عاما، وهو موظف حكومي خسر ثلاثة أشقاء في الهجوم: «بعد التهديدات، كنا نتوقع هجوما، ولكن ليس بمثل تلك الوحشية».

وتلقي مجزرة الروضة الضوء على ضعف المجتمعات المحلية المحاصرة في صراع بين قوات الأمن المصرية وأحد أكثر فروع الدولة الإسلامية شراسة. ويعد هذا الهجوم، وهو الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث، آخر علامة على عجز الحكومة عن احتواء التمرد المنتشر في سيناء، والذي أصبح أكثر جرأة وطموحا.

ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن إراقة الدماء يوم الجمعة. لكن الفرع التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم ولاية سيناء، ينشط في هذه المنطقة، وقال شهود إن بعض المهاجمين كانوا يحملون علم الدولة الإسلامية الأسود.

واعتمدت ولاية سيناء منذ فترة طويلة على تعاطف قبائل سيناء الساخطة من تجاهل الحكومة. واعتمدت على اختيار قادتها ومقاتليها من المجتمعات المحلية. لكن معظم ضحايا الهجوم الأحدث يوم الجمعة ينتمون إلى عشيرة واحدة من أقوى القبائل في سيناء.

تحول هام

ويشير ذلك إلى تحول مهم للتنظيم، حيث أنه على الرغم من أن معظم القيادات لا تزال تحظى بالترحيب في سيناء، إلا أن التنظيم يضم في عضويته ​​الآن العديد من الغرباء الذين لا علاقة لهم بالمنطقة، وفقا للمحللين والسكان.

وقال «زاك غولد»، الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي، في واشنطن، إنه تم تعزيز الأعداد من قبل العائدين الذين قاتلوا مع تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضا باسم داعش، في سوريا والعراق.

وقال: «هؤلاء المقاتلون الذين أتوا من الخارج، حتى لو كانوا مصريين، فهم أجانب في شمال سيناء. أي لا يهتمون بالمصالح القبلية ولا يعتبرون للخطوط الحمراء».

وكانت مذبحة الجمعة جزءا من تحول أوسع نحو الطائفية من قبل فرع الدولة الإسلامية في سيناء، وكذلك في البر الرئيسي المصري. وفي حين كانت الهجمات الطائفية سمة مميزة لتكتيكات المسلحين في سوريا والعراق، فقد اكتسبت مكانة بارزة في مصر فقط خلال العام الماضي.

وفي الماضي، كانت معظم أهداف تنظيم الدولة الإسلامية من الشرطة وجنود الجيش. ولكن في الآونة الأخيرة، استهدف المسلحون الأقلية المسيحية القبطية في البلاد، مع عمليات مستمرة لتفجير الكنائس في القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن، فضلا عن الاغتيالات، مما اضطر الآلاف من المسيحيين إلى الفرار من سيناء.

وقال «يعقوب غرين»، وهو باحث في سياسات الشرق الأوسط في معهد التحرير: «إن هجوم مسجد الروضة وغيره من الحوادث الكبيرة التي توجه أصابع الاتهام فيها لتنظيم الدولة الإسلامية يجعل التنظيم دائما أحد محاور اهتمام وسائل الإعلام، وتساهم في نزع الشرعية عن جهود الحكومة المصرية، ويزيد من طموحات التنظيم العالمي الطائفية».

وكان صوفية الروضة قد فهموا أن وجودهم غير مستقر.

وهم يؤمنون بنسخة معتدلة من الإسلام تشجع على التسامح والتعددية. لكن الدولة الإسلامية وغيرها من المتطرفين السنة اعتبروا التصوف ابتداعا منذ فترة طويلة. وفي مالي وباكستان وأماكن أخرى، استهدف تنظيم الدولة الإسلامية المساجد والأضرحة الصوفية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، اختطف تنظيم الدولة الإسلامية «سليمان أبو حراز»، وهو رجل دين صوفي بارز، كان عمره يناهز 100 عام. واتهمته الدولة الإسلامية بممارسة السحر. كما تم إعدام أحد طلاب «حراز».

وفي مقابلة أجرتها صحيفة تابعة لـ «تنظيم الدولة الإسلامية» بعد شهرين، كشف أحد كبار القادة المسلحين في سيناء عن مسجد «الروضة» والمنطقة حوله، باعتبارها واحدة من ثلاث مناطق صوفية تأمل المجموعة في «القضاء عليها». وقال القائد إن الصوفية يستحقون أن يقتلوا «إذا لم يتوبوا»، واتهمهم «بالتعاون مع الطاغوت».

وكان أفراد الجيش المصري يقومون بعمليات في المنطقة، لكن لم يبقوا أبدا. وقال السكان إنهم لم يأتوا خلال صلاة الجمعة هذا الأسبوع.

وفي الوقت نفسه، يقترب مقاتلو الدولة الإسلامية من القرية التي تقع على الطرف الشمالي من شبه جزيرة سيناء، غرب العريش، عاصمة المحافظة.

وتقاتل القوات المصرية بالدبابات والعربات المدرعة والأسلحة التقليدية الأخرى، بينما ينفذ مقاتلو الدولة الإسلامية الهجمات المفاجئة، وتكون معظمها على نقاط التفتيش والكمائن.

ودفعت العمليات العسكرية المجموعة من وسط سيناء إلى العريش. إلا أن المقاتلين انتقلوا غربا إلى الجبال القريبة من منطقة الروضة في الأشهر الأخيرة.

وقبل أسبوعين، قام عضو من تنظيم الدولة الإسلامية بتوزيع منشورات في القرية يأمر العلماء الصوفيين بوقف «أعمال الابتداع»، وفقا لصحفيين محليين. وقال أحد الصحفيين: «لذلك أغلق الناس الطريق الرئيسي المؤدي إلى المسجد».

لكن رجال القرية واصلوا حياتهم اليومية.

بلا مستقبل

وكان «خالد سليمان»، الذي يبلغ 22 عاما، وأسرته الكبيرة الصوفية، قد وصلوا إلى القرية قبل ما يقرب من عامين، بعد الاشتباكات بين المسلحين والجيش في مدينة الشيخ زويد البدوية جنوب شرق العريش. وقال «سليمان»، الذي يدرس ليكون صيدلانيا: «كان من غير الآمن العيش هناك».

ويوم الجمعة الماضي، كان في طريقه إلى المسجد لصلاة الجمعة. وتجمع مئات الرجال والفتيان داخل المبنى وخارجه. ولم تكن النساء حاضرات، كما هو الحال في العديد من المجتمعات المحافظة.

ومع اقتراب «سليمان» من المسجد، وصل أكثر من 20 مسلحا فوق عدة شاحنات صغيرة. وخرج بعضهم من السيارات وأطلقوا النار على المصلين، بينما دخل آخرون المسجد لقتل المزيد. وكان الميكروفون يعمل في الداخل أثناء المذبحة.

ويقول «سليمان»، الذي اختبأ وراء منزل: «سمعنا الناس يصرخون. استطعت سماع المسلحين يقولون: اقتلهم جميعا. الشاب والمسن. لا تترك منهم أحدا».

وحاول «سليمان» الهروب من وراء المنزل. ولكن عندما ركض، أصابته رصاصة في ساقه قبل أن يستتر في قن للدجاج في منزل آخر.

وقام بعض المسلحين بإعدام الجرحى وكل من حاول الاستسلام.

وقال إن معظم المقاتلين كان لديهم لهجات مصرية. وقال إن بعضهم يمتلكون لحى حمراء، مما يوحي له بأنهم أجانب. وبعد حوالي نصف ساعة، ركب المسلحون سياراتهم وخرجوا إلى الجبال. وكانت الجثة الأولى التي وجدها «سليمان» في المسجد لعمه. قبل أن يجد جثث 17 أقارب آخرين.

وبحسب بعض التقديرات، فإن ما لا يقل عن ربع السكان الذكور من الروضة قد قتلوا.

وقال «سليمان»: «ليس هناك مستقبل للقرية. ما لم ننتظر أن يكبر الأطفال ويبدأوا أسرهم».

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

مجزرة مسجد الروضة ولاية سيناء السيسي