استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حادثة سيناء.. مصر والانحدار نحو الجزأرة

الخميس 30 نوفمبر 2017 06:11 ص

حالة الصدمة العنيفة لوحشية الهجوم الذي استهدف مسجد الروضة في سيناء بمصر، كانت الأعنف على الوجدان المصري منذ مذبحة ميدان رابعة بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، والرابط بينهما ليس فظاعة القتل ومصير الضحايا فقط، ولكنّه مسارات مهمة لفهم كيف يتداخل الأمني مع السياسي، وكيف يكون الشعب الأعزل هو الضحية، ومن أهمها مسار التقدير السياسي الخاطئ الذي اجتهد به الإخوان المسلمون ومكّن النظام من جرهم إلى هذا الواقع.

فيما كان الانسحاب الذي سبق أن نفذه نجم الدين أربكان أمام الجيش التركي -ثلاث مرات- لتجنب مصادمة الجيش وقيادته العلمانية المتطرفة، هو الخيار الأفضل والأسلم لإعادة تمكين التجربة السياسية والكفاح الديمقراطي للحركة الإسلامية، التي تحتاج اليوم في مصر لمراجعات كبرى لا تزال معلقة، وإن بدأت فيها كما أشار إلى ذلك الباحث في جناح الإخوان الإصلاحي د. عصام تلّيمة.

ولا نعرف إلى أي مستوى وصلت هذه المراجعات أمام الواقع السياسي الوطني والانقلاب الإقليمي الذي يجتاح المنطقة، من الأزمة الخليجية وحتى قرار تسوية الثورة السورية الذي أُعلنت مباشرته تنفيذيا في قمة سوتشي.

ولكن قبل العودة إلى الظرف الإقليمي والوطني؛ لا بد من أن نعيد تفكيك الصورة التي قُدمت في فاجعة مسجد الروضة، وهذا التقييم يقوم على حقيقتين لن يوصل إغفالُ أي منهما المراقبَ إلى تصور دقيق:

1- الأول أن هناك دورا لصناعة الاستبداد وتكريس القمع الأمني في زرع حواضن التطرف والإرهاب، وهذا عادة يغطّى في حديث المعارضة المصرية وربما يبالغ فيه، حين تُحجب الأسباب الأخرى.

2-  الثاني هو أن حالة الشرق الإسلامي والمشرق العربي قد تم اختراقها فكرياً لصالح السلفية الطائفية وتطرفها المسلح، بل وأضحى تأثير ذلك في اطراد متزايد، وأن قاعدة الفكر الإسلامي تعرضت لحصار من فقه الغلاة، أنتج أرضية خصبة لتولد التطرف، ونقله إلى حالة العمل المسلح الوحشي.

هاتن الحقيقتان لا يمكن صرف النظر عنهما، إذا ما أراد المراقب الوصول إلى مسببات تزايد الغلو المسلح، كما أن تأكيد استخدام المخابرات العربية والأجنبية لمجموعات عديدة -بل وتجمعات فكرية- في دعم صناعة التطرف المسلح، دون أن يعلم بعض من اشتركوا في ذلك، لا يُلغي حقيقة وجود تراث فكري اقتحم على منهج أهل السنة، واستغل الصورة القهرية الظالمة ضد المجتمع السني ليُبرر اختراقه ويوسّع جمهوره.

وهنا -وكما نكرر دائماً- لا نقصد حالات السلفية العلمية المنضبطة، ولكن نقصد المادة الخام التي صُنعت زمن التراضي الأميركي الخليجي قبل أن ينقضه الأميركيون، وصُدّر دعاتها بين الغلو المدني والمسلح، والذي أنتج بنية دينية منحرفة عن الإسلام، وبثتها مصادر الدعم في قواعد ومنصات للتكفير والتضليل، والتشريع للمواجهة مع من يختلف معهم دينيا وسياسيا، ثم تشريع مقاتلته.

وهو ما حصل في الجزائر، فعاشت خلاله العشرية السوداء التي استنزفت الدماء والأبرياء، وسخرّت من خلالهم قاعدة صناعة استخبارية، استخدمت هذه المادة الخام وإعادة تصديرها لدفع مناطق الصراع إلى الهاوية الكبرى.

وبالتالي؛ فالقول بأن الصناعة الاستخبارية هي المسؤولة وحدها خطأ فادح، فمهمة سحب الشباب من مظلة التكفير والتضليل التشريعي -الذي دُعم من نفط الخليج العربي في زمن سابق أو من السياسة الأمنية لدولة الصراع- لن يعالج المأزق.

أضف إلى ذلك الانجرار إلى معركة ما أُطلِق عليه "الإسلام الأميركي"، الذي تتبناه دول خيارا فكريا يُلغي حقيقة الشريعة بمقاصدها وفقهها، وبالتالي وقع بعض من واجهه في خطأ آخر حين سمح أو تسامح مع الغلو والتطرف، بحجة أنه مواجهة للمشروع الأميركي والاستبداد العربي.

وهذه المرحلة -التي انطلقت من 2003 وحتى سقوط الثورة السورية- أضرت كثيرا بخطاب الفكر الإسلامي، بعد أن دفعت بعض منصاته لبروباغندا إعلامية، تبنّت لغة متشددة لمجرد التنفيس العاطفي عن مظالم المسلمين، ثم قُلبت الطاولة عليها.

واستخدم ضعف خطاب الترشيد الإسلامي الذي يقوم على اعتدال حقيقي نص عليه الشارع، وحدده الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم حين أوصى أن يُفقه هذا الدين برفق، في حين حوّل التعامل مع فكر وفقه الإسلام إلى نزع متشدد، حتى تقلصت خطابات الاعتدال الحقيقي وجاء زمن الاعتداء الأميركي على المفاهيم.

وكما أنه لا يوجد إسلام أميركي ولا عربي، ولا متشدد ولا معتدل، بوصفها "إسلامات" متنوعة، وهذا صحيح؛ فإن هناك وسطية ونهجا معتدلا ندب إليه الشرع وأنذر بمخالفته، وهو يوقظ العقل المسلم المعاصر على مساحة الاجتهاد الواسعة وطبائع الشعوب.

كم أنه لا يجعل الدين بازاراً تجاريا، يربط به كل عمل سياسي ثم انتكاسته بعد فشله، وإنُما يفرز هذه الأعمال في أحوال السياسة التي ليس الإسلام مسؤولاً عنها، بل إشكاليات المسلمين وصراعاتهم سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين.

وغياب تحرير هذه المسألة في منصات العلماء والفكر الإسلامي المعاصر أو ضعفها منح مساحة توظيف كبيرة، وقد رأينا كيف تتحول المواجهة المسلحة من النظام العسكري المناهض للإسلاميين والديمقراطية، ثم قطاعه المدني، ثم دور العبادة والجماعات الدينية، ثم الشارع العام، وهو نزف لا يزال يجري في باكستان وأفغانستان والصومال والعراق وغيرها.

خلال الزمن السابق؛ فتَرت المواجهة الفكرية للتطرف التي ظنت أنها -بمواجهة هذا الفكر بالكّم والكيف المطلوب- ستُضعف قضية ضحايا الاستبداد، فكانت حصيلة الواقع أن الغلو ضرب في الشارع ووسع الاستبداد قمعه، فأصبح الشعب ضحية مزدوجة.

ولذلك، وحين تظهر الصورة بوضوح بالغ اليوم أمام المشهد المصري؛ فهي تتجه إلى أسئلة وطنية وإنسانية كبرى، يُدركها فقه الشريعة والحياة ومنظور الضرورات الكبرى بين الناس، وهي تُطرح أمام قادة المعارضة الوطنية في مصر، كما تُطرح أمام قادة الجيش المصري.

ليس لخلو الجانب الثاني من المسؤولية، ولكن لكون دخول مصر في عهد "جزأرة" أسود يتزامن مع انهيار نظام إقليمي وولادة آخر؛ فلا يُعرف إلى أين يتجه هذا الشرق وأين تقف خسائر مصر، وهنا تبرز للطرفين وللمراقب السياسي عدة حقائق على الأرض:

1- ماذا يعني تسعير هذه الحرب ومفهومها الديني في ديمغرافية الشعب المصري، وما هو المصير الأخير لها.

2- هل هناك مشروع وطني سياسي قوي موحد بين المعارضة، وهل الحالة الإخوانية المصرية متماسكة ومشروعها واضح، وخططه تتقدم لإنجاز مشروع وطني يُعيد السيادة للشعب؟

3- ما هو الواقع الإنساني لأبناء مصر والمعتقلين ومستقبلهم تحت القمع الوحشي؟ وماذا عن أسرهم وذويهم؟

4- ماذا عن مستقبل الهجرة الجماعية المصرية في المهجر، وهل من الصالح الاستمرار في ذلك؟ فقد يتوطن بعض الناس وتتحسن ظروفهم في المهجر، لكن ماذا عن البقية؟

5- هل الوصول إلى مصالحة ستنهي العنف من النظام، وتجفف مصادر الغلو المسلح، وتطلق المعتقلين؟ مما يعني إعلان نهاية فكرية لثورة 25 يناير المصرية، أم إعطاء متنفس للشعب وصناعة جيل الفكرة الجديد، في ظل واقع دولي وعربي وإقليمي شرس.

6- ماذا يعني إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه قرار تسوية الثورة السورية دون رحيل بشار الأسد، وأن الهدف -كما قال في تصريحاته التي نقلتها وكالة الأناضول يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني- هو عودة الناس إلى سوريا وتأمينهم (بعد رحلة العذاب والتضحيات الكبيرة).

ما هو موقف قادة الرأي المعارض في مصر من ذلك؟ وهل المطلوب تعقد الوضع حتى الوصول إلى مستوى مقارب لما حصل في سوريا أو الجزائر، أو حتى أقل منه دون ثمرة؟ أم فتح بوابة مخرج للشعب المصري، ثم هو يعيد إنتاج مشروع حريته وكفاحه السياسي والمدني، بعد تحييد التطرف ومعركة التدخلات الكبرى التي تعيشها المنطقة.

وحينما تجاوب بعض قيادات الجيش مع دعوة الشيخ متولي الشعراوي، ووافق نظام مبارك عليها، كان السقف حرية المعتقلين ورفع العنف من الشارع الوطني في مصر، حتى لا تنهار في مستنقع أمني، واليوم باتت ظروف المستنقع أخطر.

وفي ذات الوقت؛ إن العقل الحر للشباب المصري، الذي  خرج في 25 يناير 2011، لا يزال حياً، لكن ليس من الحكمة ترك أبواب النار تفتح على الشباب، حتى ينهار العقل والرأي العام الوطني؛ فلتتحد مصر على مشروع إنقاذ لا يسامِح تاريخ الاستبداد والإرهاب، ولكن يحقن الدماء ويزرع للمستقبل الحر الأمل في الحياة.

* مهنا الحبيل مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي باسطنبول.

المصدر | الجزيرة نت

  كلمات مفتاحية

مصر سيناء مجزرة مسجد الروضة الإرهاب الاستبداد مشروع إنقاذ الإخوان المسلمون الانسحاب الاستراتيجي نجم الدين أربكان مصادمة الجيش العلمانية