رسائل لـ«البغدادي»: ليبيا قاعدة انطلاق نحو مصر وتونس والجزائر

الخميس 30 نوفمبر 2017 08:11 ص

كشفت رسائل وجهها زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية»، «أبو بكر البغدادي»، إلى قادة أتباعه في ليبيا، أنه طلب منهم استغلال التضاريس الوعرة جنوبي هذا البلد كـ«ساحة» لتجميع عناصر التنظيم الفارين من سوريا والعراق، ثم نقطة انطلاق لتنفيذ هجمات في مصر وتونس والجزائر.

ووفقا للرسائل، التي صادرتها أجهزة الأمن من مقرات للتنظيم في مناطق متفرقة من ليبيا، واطلعت عليها صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، اعتبر «البغدادي» أن هزائم التنظيم في العراق وسوريا جاءت ضمن «حرب فرضتها متغيرات على العالم». 

ودعا مساعديه إلى السعي لتعويض هذه الهزائم عبر التوجه إلى جنوب ليبيا، وتجميع الفارين هناك، معتبرًا أن «الساحة القادمة هي ليبيا (...)، ومنها تُرفع رايتنا في مصر وتونس والجزائر».

وتكشف الرسائل ذاتها أن «البغدادي» ما زال على قيد الحياة، وأنه أصيب إصابة طفيفة أثناء المعارك في مدينة الموصل، شمالي العراق، في وقت سابق من العام الجاري.

ومعظم رسائل «البغدادي» مكتوبة باللغة العربية، ومع كل منها نسخ مترجمة بلغات منها الإنجليزية والفرنسية.

كنز من المعلومات

وتعد تلك الرسائل، التي تركها تنظيم «الدولة الإسلامية» في الأوكار التي انسحب منها في ليبيا، بمثابة «كنز من المعلومات»، التي حصلت عليها قوى مختلفة في بلد منقسم على نفسه، منها قوات الجنرال «خليفة  حفتر» في مدينة بنغازي (شمال شرقي ليبيا)، وقوات «البنيان المرصوص» التي دحرت «تنظيم الدولة» في مدينة سرت (شمال وسط)، إضافة إلى قوى أخرى في طرابلس. وتوجد تلك الرسائل محفوظة في الوقت الراهن لدى جهات أمنية عدة.

واعتمدت أدبيات بعض رسائل «البغدادي» على كتب مُنظِّر تنظيم «الجهاد» المصري، «سيد إمام»، الذي يكني بـ«الدكتور فضل».

وزاد «البغدادي» في نصوص نقلها من «شروح فضل»، فقرات تحث أنصاره في ليبيا على تجنيد الأطفال، أو «الأشبال» لتعويض النقص المتوقع في عدد المقاتلين، قائلًا إن «المعركة طويلة وصعبة».

ومن بين تلك الرسائل خطابات من «البغدادي» إلى 13 من كبار مساعديه في ليبيا، ويعود تاريخ بعضها إلى نهاية العام الماضي، فيما لا يتجاوز عمر أحدثها بضعة أسابيع. 

وفي رسائله، سعى زعيم  تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى قمع خلافات في صفوف أنصاره الليبيين، داعيًا إلى مواجهة «المرتجفين الخانعين بينكم» بـ«ضرب الأعناق وتدحرج الرؤوس».

«أنصار بيت المقدس» و«الردة»

كما يحذر أتباعه في ليبيا من عناصر تنظيم «أنصار بيت المقدس» المصري (ولاية سيناء)، الذين فروا  سيناء إلى ليبيا.

إذ يقول في إحدى رسائله: «بلغني أن سلوكًا غير سوي انتشر بينكم. نشره فيكم القادمون من سرايا بيت المقدس، وهو سلوك أربك صورة الجهاد لديكم، وهذا الخلل أصابكم في مقتل، وعليكم تداركه».

وأضاف أن معركة «بيت المقدس» في مصر «ليست في معزل منا، لكن عليكم الانتباه إلى أن أفكار إخوتنا في بيت المقدس تتناقض في بعض منها مع أفكارنا، وهي قد لا تكون صالحة في ليبيا؛ فهم لم يتموا معركتهم في مصر، وقدومهم إلينا ليس بروح جهاد كاملة، ولكن هروبًا من حرب أشعلوها، وفشلوا في كسبها».

وتابع: «إذن هم عُصبة تحمل بداخلها بوادر هزيمة وَرِدَّة. نساعدهم في العودة إلى ساحتهم. لهم ذلك، لكن أن يزرعوا بينكم روح الهزيمة، فيجب أن يُعاملوا كالعدو الواجب قتاله».

ويذكر في رسالة أخرى أنه نظرا «لِمَا آلت له ظروفنا، وضعف الدعم، فعلى القادة (في داخل ليبيا) البحث عن موارد دعم في إمارة ليبيا، ولبقية المجاهدين، فهناك الإخوة في مالي يعانون من قلة الدعم، وتمكن العدو منهم».

«المرجفين الخانعين»

وفي الفترة التي شهدت خسارة التنظيم لمدينة سرت في ليبيا وبداية خسارته مناطق واسعة من العراق وسوريا، كانت هناك رسائل أخرى لـ«البغدادي» تصل إلى أتباعه في ليبيا، وتضمنت تعليمات بالتركيز على الانتقال إلى الجنوب الليبي، والاستعداد لاستقبال عناصر أخرى من التنظيم من العراق وسوريا، إلا أن الطابع العام للرسائل يحمل بين طياته مخاوف زعيم التنظيم من الانشقاقات والخلافات في تفسير الكثير من الأسس التي يعمل التنظيم وفقًا لها.

وفي واحدة من هذه الرسائل كان حديث «البغدادي» موجهًا إلى جدل يبدو أنه عصف بأتباعه في ليبيا حول السياق الذي وردت فيه تعليمات تحث على مواصلة القتال، وطريقة تفسير هذا الموضوع.

يقول «البغدادي»، وقد وضع تفسيره الخاص والمغاير لرغبة بعض القيادات في إعادة النظر في أعمال القتل والتفجير: «هذا الوهم ليس له أدنى نصيب من الحقيقة، وهو استنتاج مغلوط؛ لأنه مبني على فرضية مغلوطة».

ويضيف في موضع آخر كأنه يبعد أتباعه عن أي تفكير في الاستراحة من الحرب: «أعلم أن الأعداء كانوا يحيطون بنا من كل الجهات. الحرب حالة طوارئ خاصة، تستدعي شحذًا للهمم، وتحريضًا على القتال بكل الوسائل المعنوية والمادية، فلا يمكن أن استقبل عدوي الذي يريد قتلي بالورود وعبارات الترحيب».

ويقول محذرا من الاستسلام ومحرضا على قتل من أسماهم «الخانعين»: «كثُر الكلام بين المرتجفين الخانعين بينكم، وما كان حاسمًا لذلك إلا أن تُضرب الأعناق، وتتدحرج الرؤوس بيننا، قبل الأعداء، فما هزمنا وأفقدنا أخوتنا إلا الخيانة بين صفوفنا».

ويقول في رسالة أخرى بعنوان «الحرب التي فرضتها المتغيرات»، إن «ما يتم الآن ضدنا في سوريا والعراق حرب فرضتها متغيرات على العالم، كان علينا أن نعرف أن حدوث التغيير ظاهرة كونية؛ فلا ثبات في موقف، ولا صعود دائمًا، ما يأتي صعب التنبؤ به، وحصوله ظاهرة تغيب عنا في توقعها. الساحة القادمة لجهادنا ليبيا، فهي إمارة الإسلام القادمة، ومنها ترفع راية الجهاد في مصر وتونس والجزائر».

بينما يدل نص رسالة أخرى على التواصل بين «البغدادي» وخلايا التنظيم في أوروبا، إذ يقول: «مجاهدونا في تركيا وفرنسا يعرفون ما عليهم فعله، فإن انقطع تواصلنا معهم فلهم في تقدير وضعهم. ونتيجة ما يتوقعونه تعود لهم».

ويضيف: «نهاجر من بلاد العراق والشام، لا حبًا في هجرتها، ولا خوفًا من الموت فيها، وإنما استمرارًا للجهاد ولرفع رايتنا».

الشورى مستحبة.. وليست ملزمة

وفي ملف آخر يحتوي على بضع رسائل قصيرة، ما عدا واحدة طويلة، بعنوان «واجبات الخليفة ومسؤولياته»، يركز «البغدادي» على مهام منصبه ويحاول إقناع أتباعه بطريقته في الحكم بعيدًا عن أي مراجعة له.

ويقول في الرسالة الطويلة في هذا الملف إن «الشورى ليست واجبة، بل هي مستحبة، وأقصى ما يقال فيها إنها سُنّة، ولا نرى إلزامية الشورى، فهي لاستطلاع الآراء».

واعتبر أن له «أن يأخذ بها أو يدعها، واختيار من يشاورهم. ومن قال إن الشورى ملزمة، فاعلم أنه مخالف للكتاب والسُّنّة».

وبعد ذلك يورد «البغدادي» في رسالة من رسائله ثمانية أصول يراها «عاصمة للمنهج من الانحراف والزلل»، لكن يلاحظ أن هذه الأصول التي أشار إليها في بقية الرسالة مأخوذة أساسًا من نظريات قديمة تخص مُنظّر تنظيم «الجهاد» المصري «الدكتور فضل».

إلا أن رسالة «البغدادي» أضافت فقرات جديدة لافتة النظر إلى ضرورة تجنيد الأطفال، واصطحابهم أيضًا لمشاهدة تنفيذ عمليات القتل في إطار «التربية الإيمانية العامة... وخلق الشدة والقوة وصلابة العود، ليكونوا عماد» التنظيم في المستقبل.

وأضاف: «ما لم نهتم بالنشء وصناعته بهذه الروح... فسوف تختفي الجماعة. فقد نال العدو منا الكثير، ولزامًا تجهيز جيل جديد لحمل الراية».

وفي الأسابيع الأخيرة، كشفت مصادر في المخابرات العسكرية في العاصمة الليبية طرابلس عن أن قادة تنظيم «الدولة الإسلامية» الجدد تمكنوا من استقبال مئات من العناصر الفارين من العراق وسوريا، عبر طرق معقدة، منها دروب في جنوب شرقي ليبيا في بلدات قريبة من الحدود مثل القطرون والكفرة وواحة سليمة وجبل عوينات، وطرق في الشمال، من خلال التسلل من الحدود مع تونس، أو عبر البحر إلى سواحل في شرق طرابلس وغربها.

كانت حكومة «الوفاق الوطني» في ليبيا أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2016 استعادة مدينة سرت من تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد معركة بدأتها في مايو/أيار من العام ذاته، بينما أعلنت الحكومة العراقية في يوليو/تموز 2017 استعادة الموصل من التنظيم.

  كلمات مفتاحية

ليبيا الدولة الإسلامية البغدادي أنصار بيت المقدس مصر تونس الجزائر

مسؤول أمني كردي: «البغدادي» ما زال حيا