«الطريق الثوري».. فيلم إرشادي أمريكي يجنبك مخاطر انفجار أحبابك

الخميس 30 نوفمبر 2017 05:11 ص

الفيلم الأمريكي «الطريق الثوري Revolutionary Road» للمخرج «سام ميندس» إنتاج 2008 في قرابة الساعتين، والذي نتعرض له اليوم إن تعددت قراءاته لدى نقاد متخصصين أشادوا جميعًا به، بقي لدينا أنه درس سينمائي بالغ الأهمية، ومنظومة رائقة لتصوير النفس البشرية في انقلابها من النقيض إلى النقيض التام، أو الرغبة والتطلع إلى مغادرة الحياة عبر القرار الأصعب في حياة أي إنسان: الانتحار، وهي ليست رغبة محدودة بالفيلم في تدمير الذات فحسب؛ بل تحول مرضي عارم لدى البطلة «آبريل ويلر» أو «كيت وينسلت» إلى الرغبة في معاقبة جميع المحيطين بها.

نجح الفيلم بجدارة في التعبير عن تحول شخصية البطلة من محبة الحياة والرغبة في إسعاد الذات، والأخذ بيد الزوج نحو التميز، وإسعاد الابن والابنة إلى التدبير المُحكم لمغادرة الحياة على نحو تراجيدي لا يكتفي بقتل نفسها؛ بل يقتل قبلها جنينًا في أحشائها نُفخت الروح فيه، أو تعدى أربعة أشهر.

الثورة طريق طويل وحلم قصير

اسم فيلم اليوم حمل اسم الشارع المُفترض أن الزوجين الأمريكيين أقاما فيه في الخمسينيات من القرن الماضي، والفيلم كله مقتبس عن رواية صدرت عام 1961 حاملة نفس العنوان لـ«ريتشارد يايتس»؛ وكتب سيناريو الفيلم عنها «غاستن هيث»، وقام ببطولته «ليوناردو دي كابريو» و«كيت وينسلت» في ثاني تعاون بينهما بعد الفيلم الأشهر «تايتانيك-Titanic»، وفي الفيلم الأول (إنتاج 1998) كانت مأساة السفينة ملء أحداثه، فلم يكن لـ«وينسلت» الحضور الآخاذ ولا حتى لـ«دي كابريو»، لكن عشر سنوات كفاصل زمني بين الفيلمين كانت كافية لجعل الممثلين الأخيرين بالغي الشهرة وليقتحما أحداث فيلم اليوم في شكل سينمائي جديد.

إننا أمام فيلم سينمائي عن رواية أدبية من ناحية، وأيضا أمام عمل ثان لاثنين من الممثلين حققا نجاحا في العمل الأول، على نحو ما بيناه في الفيلم الذي تناولناه مؤخرا «غير قابل للكسر»، أما عن الأفلام المأخوذة عن روايات فالاهتمام بالتفاصيل المهمة من مثل اسم الفيلم متوفر بها، ومن ناحية أخرى فإن الفيلم إما أن ينجح نجاحا مبهرا في التعبير عن الرواية أو أن يسقط .. والمرتبة المتوسطة قليلة.

«الطريق الثوري» فيلم يأخذ بيد المشاهد رويدا فرويدا وبالتدريج غير كاشف عن مفرداته دفعة واحدة، فالبداية مع اللقاء العابر بين «آبريل» و«فرانك» (وينسلت ودي كابريو) في حانة، لقاء عابر يبدو رومانسيا وكلاهما لم يتعد العشرينيات من العمر إلا بقليل، بحسب الفيلم، ولأن البطلة «آبريل» (وينسلت)، ووقع عليها عبء الفيلم بالفعل لأدائها الشخصية المركبة فيه، بدورها البالغ الطموح، والمرأة التي جسدتها إذ تريد من الحياة ما لم ينله أحد، أو تركيبة: الشهرة والمجد، بالإضافة إلى السعادة والاستقرار الأسري وبالطبع الشباب والمال؛ لذلك يعجبها من رفيقها «فرانك» تصريحه لها بأنه يعيش الحياة كما الربان أو البحار لا يحب الاستقرار في ميناء أو الاعتراف بعمله الحالي.

صخرة تحطم الأحلام

المشهد التالي مباشرة يصور الحبيبين وتزوجا وأنجبا فيما تحاول «آبريل» تحقيق حلمها بالعثور على نفسها كممثلة مسرحية، مشهد يختصر أحداث الفيلم، إذ يفشل دورها والعرض فشلا شديدا، ولأنها شخصية بالغة الحساسية، ولأن زوجها «فرانك» يتصف بالانتهازية والرغبة في إذلال الآخرين ثم أسرهم والتجكم فيهم عبر تذكيرهم بخطاياهم، فإنه يضغط على زوجته في السيارة لتقر من طرف خفي بأنها معدومة المواهب، وهو ما جعلها تنتفض متهمة إياه في رجولته، محاولة الهرب.

وفي تتابع ممل للفيلم وبأزياء وقبعات أمريكية العصر الذي جسده الفيلم تمضي الأحداث، وتتصاعد شجارات الزوجين، في حين يختفي طفلاهما كل مرة في تعمد من مخرج الفيلم (وهو زوج البطلة وينسلت بالمناسبة) للتركيز على خواء حياتيهما رغم وجود صغار، وترى «آبريل» أن الحل لهذه الحياة المُملة أن تنسحب وزوجها إلى باريس أو الجنة الموعودة في نظرها، وهناك تعمل مساعدة او سكرتيرة لهيئة دولية، فيما يصقل الزوج مهارته في البيت لفترة، وفيما يقتنع «فرانك» ظاهريًا بالأمر، حتى أنه ليحضر أحد كتب تعلم الفرنسية الرخيصة ليطالعها أمام زوجته .. يتمادى في خياناته الزوجية لها كعقاب نفسي على عدم رضاها بحياته ، التي لا يرضاها هو نفسه.

ومن هنا تظهر شخصية زميلته الحديثة في العمل التجاري «إيرن» أو «زوي كازان»، وكذلك الجارة «ميللي كامبل» أو «كاثرين هان»، لتجسدا وقائع الخيانة على الشاشة خفية ومُعلنة، وفي مقابل تجاهل «آبريل» لخيانات زوجها تقرر مقاطعته في الفراش؛ ومع إعلانه راية الاستمرار في الخيانة تجد الزوجة نفسها أمام اختبار مرير إذ إن الجارة المُسنة «هلين» أو «كاثي بيتس» تصارحها بأنها إنسانة مميزة مما يشعل حلمها في التغير والمجد من جديد.

ومع دخول أسرة «هيلن» إلى بيت «آبريل» تتصاعد المعاناة إذ تحضر معها ابنها المريض النفسي الحاصل على دكتوراة في الرياضيات «جون» أو «مايكل شانون»، والذي يعاني من العلاج الخاطئ لنوبات الطموح لديه في مواجهة مجتمع يعشق الرتابة، وبالتالي تناله 37 جلسة مكثفة من الصعق الكهربائي.

ويصل الصراع إلى ذروته بفضح «جون» لـ«فرانك» وأنه عديم الطموح يتخفى وراء حمل زوجته بطفل ثالث ليقيدها في حياة اجتماعية فاشلة مكتفيا بجعلها عاملة تنظف وتعد الطعام.. وتحمل منه آخر الليل.

ومع عدم وجود داعم إيماني عقدي لدى الزوجة تنفجر التطلعات بداخلها، فتحاول الهرب من البيت الفاخر إلى الغابة، وهناك يحاول زوجها إقناعها بتضحياته من جديد .. فتتمادى في التدخين والهرب طول الليل .. وفي الصباح تكون قررت أمرًا قاسيًا ترد به على إهانات المجتمع وزوجها ردًا بالغ المرارة.

الخيانة بداية طريق النهاية

دمر الزوجة نفسيًا في الفيلم مزاولتها للرذيلة مع الجار «جيب كامبل» أو «ديفيد هاربز»، فيما كان زوجها يبادلهما الخيانة مع زوجة الأخير«كاثرين»، ورغم أن المجتمع من حولها قائم على البغاء بلا ثمن والرذيلة المُقنعة، فالجميع يخون الجميع في السر لكنه يبادر ليبدو شريفًا نقيًا بل صالحًا في العلن .. إلا أن « آبريل» لما (تفعلها) ـ وهي النقية النفس التي ترغب في تصدر المجتمع بجهدها رغم خواء روحها ككثير من الأمريكيين ـ لكن «آبريل» لما تنجرف إلى الخطيئة تستشعر أنها ستستمر في هذا الطريق وأن زوجها لن يهمه أمرها ليصيرا زوجين «وقحين» في منزل فاخر يحسدهما الجميع عليه؛ مع وجود مأساة جديدة تضاف لحياتها بإنجابها لطفل ثالث شقي المصير.

ومن هنا تأتي نهاية الفيلم بانتحار «آبريل» بعد إجهاضها نفسها، ووقوفها بالدماء المتقاطرة عنها مرتبكة وعنيدة وخائفة وثابتة .. في مشهد أبرز قدرات «وينسلت» التمثيلية بعيدًا عن المكياج ودوران الكاميرا الذي يُجمل الممثليين.

تم تصوير الفيلم بالتتابع بالطريقة المسرحية لا السينمائية، أو بتصوير المشاهد وفق تصاعد أحداث الفيلم، ولا وفق الأماكن (من المعروف أن التصوير السينمائي يجمع المشاهد التي في مكان واحد مع بعضها فيؤدي الممثل دوره وفق المكان، لا وفق الأحداث بحيث تجيء النهاية أحيانًا قبل المنتصف وهلم جرًا، فيما التمثيل المسرحي يراعي التسلسل الزمني للأحداث مع تعدد الأماكن والعودة  إليها إن لزم الأمر)، وهو ما أفاد الفيلم في إبراز مشاعر الممثلين المتصاعدة مع أدائهم لها بصورة تصاعدية حقيقية.

كذلك لعبت الموسيقى التصويرية دورًا حاسمًا في إيصال رسالة الفيلم، مع حركة الكاميرا بخاصة في المشاهد الخارجية القليلة في الفيلم وأبرزها مشهد الغابة في نهايات الفيلم، وقد جاء مؤثرًا في ذاته وفي دلالته على توحش نفس الزوجة مقابل زوجها الأكثر توحشًا والمجتمع الأكثر فتكًا بأفراده.

فيلم «الطريق الثوري» درس رائق في علم نفس التوازن البشري وضرورة الحفاظ على الذين نحبهم وحمايتهم حتى من تطلعات أنفسنا الهادئة والعارمة معًا، والفيلم لوحة تعبيرية من طرف آخر عن بوادر وحشية المجتمع الأمريكي الحالية .. لولا تعدد مشاهد جنسية به .. وأخطاء مونتاج قليلة .. بالإضافة إلى رتابة أحداثه في البداية.

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي الطريق الثوري Revolutionary Road وينسلت دي كابريو وحشية اجتماعية جذور الخمسينيات