كيف خرج «الحريري» فائزا بعد احتجازه في السعودية؟

السبت 2 ديسمبر 2017 07:12 ص

سوف يتضح كل شيء مع الوقت، ولكن قد تحصد المملكة العربية السعودية ثمار مقامرتها في لبنان للضغط على حزب الله، الميليشيات الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران، من خلال إجبار «سعد الحريري»، رئيس وزراء البلاد، على الاستقالة، على الرغم من التصورات التي خرجت على نطاق واسع حول أن المناورة قد تأتي بنتائج عكسية.

وبعد الدعم الدولي الواسع للحريري بعد إعلان استقالته من الرياض، في الخطاب الذي ندد فيه بحزب الله، كأداة إيرانية تعيث فسادا في الشرق الأوسط، ثم قراره بتعليق الاستقالة بعد أن عاد إلى بيروت، والترحيب الضخم به في بلاده كبطل، يسري اعتقاد بأن السعودية كانت وراء تلك اللعبة.

إلا أن قرار «الحريري» فتح الباب أمام المفاوضات الخلفية، التي يجد فيها حزب الله نفسه مضطرا لتقديم تنازلات لتجنب حدوث انهيار سياسي في لبنان، ولضمان تحقيق أهدافه الأكثر إلحاحا.

وينتظر أن يطالب «الحريري» حزب الله بوقف دعمه للمتمردين الحوثيين في اليمن والانسحاب من سوريا، حيث دعم مقاتلوه نظام الرئيس «بشار الأسد»، تمشيا مع سياسة الحكومة اللبنانية بعدم المشاركة في الصراعات التي اندلعت في أماكن أخرى من المنطقة.

وأبدى حزب الله استعدادا لتقديم تنازلات من خلال حث «الحريري» على سحب استقالته، داعيا الى الهدوء، وقدم المشورة إلى أنصاره بعدم النزول إلى الشوارع، وأعلن سحب بعض وحداته من سوريا والعراق.

وكان «الحريري» قد أشار هذا الأسبوع إلى أنه قد يسحب استقالته، بعد أن علقها في وقت سابق بناء على طلب الرئيس اللبناني «ميشال عون»، الحليف المسيحي لحزب الله. وفي الوقت نفسه، اتهم حزب الله السعودية بإجبار «الحريري» على الاستقالة.

وكان «الحريري»، الذي يلقي باللوم على حزب الله في حادثة اغتيال والده ورئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، عام 2005، قد وافق على انتخاب «عون» رئيسا وأن يصبح هو رئيسا لحكومة يهيمن عليها حزب الله، اعتقادا بقدرة «عون» على ضمان عدم تورط ميليشيات حزب الله في الحرب الأهلية المستعرة في سوريا المجاورة.

ويبدو أن «الحريري» قد استطاع تعويض بعضا من شعبيته، التي خسرها بسبب عدم قدرته على فرض الانضباط على حزب الله، من خلال تهديده بالاستقالة، وعزز أيضا حظوظه في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ورغم نهج المملكة المكلف في حروبها بالوكالة مع إيران في لبنان وفي أماكن أخرى، فقد تتمكن من الوصول لصفقة تفرض على حزب الله التركيز على هدفه الهام، المتمثل في تأمين العلاقات اللبنانية السورية، على حساب الحوثيين في اليمن.

الهدف الحقيقي

ولكي نكون منصفين، يرى حزب الله وإيران في الحوثيين فرصة لتعقيد الحياة في الفناء الخلفي للمملكة، لكن ذلك لا يعد أولوية استراتيجية. والأهم من ذلك هو ضمان أن تقيم لبنان علاقات وثيقة مع حكومة «الأسد». وفي نفس الوقت، يعد كبح جماح الحوثيين، الذين أطلقوا مؤخرا صاروخا باليستيا على مطار الرياض الدولي، على قمة جدول أعمال المملكة.

ويحتاج حزب الله وسوريا وإيران إلى أن يكون لدى لبنان علاقات طبيعية، إن لم تكن وثيقة، مع حكومة «الأسد»، بمجرد الوصول إلى تسوية، نظرا لأن العقوبات الدولية والأمريكية على سوريا وكذلك على «الأسد» وشركائه من المرجح تبقى لبعض الوقت. وكانت لبنان منذ فترة طويلة وسيلة سوريا للتحايل على العقوبات.

ويصبح ذلك أكثر أهمية في ظل إشارة الصين إلى استعدادها للإسهام في إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب، وقد تصبح سوريا عقدة مهمة في مبادرة «حزام واحد - طريق واحد»، التي تعتزم به الصين ربط أوراسيا بشبكة من البنية التحتية والنقل والاتصالات، التي من شأنها ربط أوروبا وجزء كبير من آسيا بالصين.

وكما هو الحال في الأعوام الأخيرة، كان حزب الله العقبة الكؤود بالنسبة للسعودية في جهودها للحد من النفوذ الإيراني وكسب انتصارات تكتيكية في ألعاب الشطرنج الإقليمية الخطيرة.

ويعد «الحريري» بطاقة رابحة لدى المملكة لإبرام صفقة من شأنها إضعاف النفوذ الإيراني في اليمن، إجبار حزب الله على العمل أكثر كلاعب لبناني وليس إقليمي. وإذا تم ذلك فسوف يكون نجاحا كبيرا للاستراتيجية الإقليمية لولي العهد، الأمير «محمد بن سلمان».

يذكر أن الملحق العسكري السابق في لبنان، وأول سفير للمملكة في العراق منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، «ثامر السبهان»، هو من نصح «بن سلمان» بتبني نهج لا هوادة فيه تجاه حزب الله.

واتهم المسؤولون الأمريكيون، وفقا لوكالة أسوشييتد برس، «السبهان»، عندما زار واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، بتقويض السياسة الأمريكية في لبنان، التي تتضمن تعزيز القوات المسلحة اللبنانية لتمكينها من مواكبة القوة العسكرية لحزب الله، ودعم استضافة لبنان لأكثر من مليون لاجئ سوري.

واعترف زعيم حزب الله حسن نصر الله بنفوذ «السبهان»، من خلال وصفه في خطابه الأخير بـ «القرد المشعر» وأنه «رجل يتصرف كالأطفال».

ورد «السبهان» على ذلك ببيت من شعر المتنبي يقول فيه: «وإذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادة لي بأني كامل».

ومن غير المرجح أن يسعد «السبهان» بالاتفاق المحتمل بين «الحريري» وحزب الله، لأن ذلك سيواصل إضفاء الشرعية على الحليف الإيراني. ومع ذلك، فقد يساعد ذلك المملكة في ملف تدخلها المدمر في اليمن، الذي أثار أزمة إنسانية ضخمة وكلف المملكة سمعتها في العالم.

  كلمات مفتاحية

السعودية لبنان حزب الله محمدبن سلمان سعد الحريري