الإمارات.. مأوى المتورطين في الاعتداءات الإرهابية بالهند

الاثنين 4 ديسمبر 2017 07:12 ص

تأوي السلطات في الإمارات، عددا من المتهمين والمتورطين في أحداث عنف وقعت خلال العقدين الماضيين بالهند.

ولا يزال عدد من المتهمين أو المدانين بالتخطيط أو ارتكاب اعتداءات في هذا البلد، يقيمون في الإمارات، خصوصا دبي، أو يزورونها بشكل دوري، رغم المطالبات الهندية الرسمية التي تتصاعد حينا وتخفت حينا آخر لتسليم المطلوبين، بحسب «العربي الجديد».

وتزخر وسائل الإعلام الهندية بتحقيقات صحفية وبشهادات رسمية حول «الملاذ الآمن»، الذي تشكله الإمارات عموما لعدد ممن ترتبط أسماؤهم بهجمات الهند الأكثر دموية.

وكشف نائب المفتش العام السابق في الاستخبارات الهندية (الهيئة المركزية للتحقيق)، المدير المشارك السابق للهيئة «نيراج كومار»: «للأسف بعض المتهمين أو المتورطين في هذه الأحداث ما زالوا موجودين في دبي».

وبحسب تسريبات «غلوبل ليكس»، أو الرسائل المسربة من بريد السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة «يوسف العتيبة»، تم استخدام البنوك الإماراتية في تمويل الهجوم الإرهابي على مومباي عام 2008، عن طريق بنك دبي الإسلامي وبنك الفلاح والبنك المتحد لأبوظبي، لحساب منظمات «عسكر طيبة» و«جماعة الدعوة» التي تتهمهما الهند بالتورط في اعتداءات نوفمبر/تشرين الثاني 2008 على مدينة مومباي التي أودت بحياة 166 شخصا وجرح 300 آخرين.

ومن بين أعنف الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الهند والتي لا يزال المتهمون بها يقيمون في دولة الإمارات، تفجيرات مومباي، في مارس/آذار 1993، والهجوم على المركز الأمريكي الثقافي في مدينة كالكوتا في شرقي الهند، في يناير/كانون الثاني 2002، ثم استهداف مومباي في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وقد قتل في هذه الأحداث المئات من المدنيين.

«داود كاسكر»

وتعتبر الحكومة الهندية أن «داود إبراهيم كاسكر»، هو المتهم الرئيسي في تفجيرات مومباي 1993، وبعض الاعتداءات الأخرى، وهو هندي الجنسية وكان مقيما في دبي كـ«رجل أعمال».

وكان الرجل يدير عصابة إجرامية في مومباي، حتى وقعت هذه التفجيرات، ثم، وبحسب الاستخبارات الهندية، صار يتنقل بين كراتشي في باكستان ودبي. وتقول الحكومة الهندية إنه جعل كراتشي حاليا مقرا له.

«حسين زيدي»، صحفي استقصائي هندي شهير، كان يغطي أخبار العصابات الإجرامية في مومباي لعدد من الصحف الهندية، وهو يعتبر أحد أبرز الخبراء في شؤون هذه العصابات، وألف كتبا عدة حولها، خصوصا الناشطة منها في هذه المدينة التي تعتبر العاصمة الاقتصادية للهند.

في كتابه «من دونغري إلى دبي»، الصادر عام 2012، كتب «زيدي»: «كان إبراهيم قد بدأ في القيام بزيارات إلى دبي، حيث يلتقي شيوخ الإمارة، وكان مندهشا من ثراء هذه المدينة الخليجية».

وفي الثمانينيات، بدأ بتهريب الذهب من دبي إلى مومباي، حتى ألقت الشرطة القبض عليه في الهند في هذه القضية، وتم إطلاق سراحه بعد فترة وجيزة، فوجد فرصة في دبي لاستثمار أمواله.

وبالتعاون مع أفراد عصابته الهنود، حاول «كاسكر»، أن يزداد ثراء ونفوذا في الإمارات، حسب «زيدي».

وكانت شرطة مومباي التي تراقب جميع نشاطاته، حاولت إلقاء القبض عليه مرة أخرى، لكنه تكمن من الهرب من المدينة إلى دبي عبر نيودلهي.

وهذا كان سفره الأخير من حي دونغري في مومباي إلى إمارة دبي، كما كتب «زيدي».

علاقات بحكام الإمارة

كتب «زيدي» أنه لم يكن صعبا للبارزين من جميع الجاليات الموجودة في الإمارات، الوصول إلى حكام دبي.

وأضاف الصحفي الهندي، في كتابه أن «أي هندي أو باكستاني أو إيراني صاحب نفوذ، كان بإمكانه أن يزور شيوخ دبي أو أقاربهم بسهولة أو يناقش معهم الأعمال التجارية».

«كاسكر»، كان على علم بذلك عندما كان هو وزميله «خالد بهلوان»، يهربان الذهب من ولاية غوجارات الهندية، وقررا استغلال هذه الفرص للوصول إلى الأسرة المالكة، حسب قول «زيدي».

أراد «كاسكر» أن يسيطر على جميع الأعمال التجارية المشروعة باستثماراته، على الأقل في دبي، من نشاطات نجوم عالم السينما الهندية بوليوود، وسباقات الخيل، إلى سوق الأسهم المالية.

مع ذلك بدأ مساعدوه «تشوتا راجان» و«شوتا شكيل» و«سونيل ساوانت» (سوتيا)، و«مانيش لالا» و«علي عبد الله أنطولواي»، وغيرهم من رجاله من العصابة، دخول دبي وزيارتها باستمرار.

وبمساعدتهم، عملت عصابته التي تعرف باسم «شركة دي» وكانت تضم 5 آلاف شخص في بداية التسعينيات.

وعلى ذمة «زيدي»، بكل هذه القوة أصبحت عصابة «كاسكر» أقوى عصابة في العالم ومقرها دبي.

تفجيرات مومباي 1993

في هذه الأثناء، وقع حادث هدم المسجد البابري، في 6 ديسمبر/كانون الأول عام 1992، على أيدي القوميين الهندوس.

تلته الاضطرابات الطائفية والعنف ضد المسلمين على طول الهند وعرضها، ومنها مدينة مومباي.

وقال «زيدي» في كتابه، الذي يستند إلى معلومات الاستخبارات الهندية، إن الاستخبارات الباكستانية استغلت هذا الوضع للهجوم على مومباي.

وأشار إلى أنه تم التخطيط لتفجيرات مومباي تحت إشراف «كاسكر» وشقيقه «أنيس» وآخرين من عصابته.

وفي يوم الجمعة 12 مارس/آذار 1993، شهدت العاصمة الاقتصادية للهند سلسلة من عشرة تفجيرات، أدت إلى مقتل 257 شخصا وإصابة 700 آخرين.

وفي حين تم القبض على كثير من المتورطين في هذه التفجيرات، فإن آخرين تمكنوا من الوصول إلى باكستان، لتتهم نيودلهي «داود إبراهيم» بالتخطيط للتفجيرات من دبي.

بين دبي وكراتشي

وطالبت الحكومة الهندية، بترحيل «كاسكر» من دبي، وبدأت تمارس الضغوط على حكومة الإمارات في هذا الاتجاه.

وكان الضغط كبيرا، لدرجة أن «شيوخ الإمارات الأقوياء شعروا به».

لكن مع ذلك، فشلت الهند في تسلم المتهم و«أدركت سلطات الإمارات العربية المتحدة أن الضغط من الهند بدأ يضعف، لذلك أعلنت على الفور أن إبراهيم لم يكن مقيما على أرضها، وهذا ادعاء لا أساس له من الصحة»، وفق ما كتب «زيدي».

ورغم نفي الإمارات وجود «كاسكر» على أراضيها، تم رصد الأخير، الذي كان يملك اتصالات واسعة في عالم السينما الهندية، مع الممثلة الشهيرة حينها «مانداكيني»، أثناء مباراة كريكيت.

وفي 25 يوليو/تموز 2005، بثت وكالة الأنباء «رويترز»، خبرا عن زواج هندي - باكستاني في دبي. ولم تكن العروس سوى ابنة هندي ثري اسمه داود إبراهيم، تتهمه واشنطن بأن له صلات مع تنظيم القاعدة، في حفل ضم صفوة المجتمع، حسب الخبر الصحفي في حينها.

لكن يقال إن «إبراهيم» لم يحضر حفل زفاف ابنته يومها، بما أنه رسميا «مجهول الإقامة».

وبدأت الحكومة الهندية ممارسة الضغط على حكومة الإمارات للتوقيع على اتفاقية ثنائية لتسليم المجرمين.

وقد أدى ذلك إلى انتشار حالة من الذعر وانعدام الأمن بين الهاربين الهنود المقيمين في الإمارات.

وحسب «زيدي»، أدرك «كاسكر» أن حكومة الإمارات لن تكون قادرة على مقاومة الضغط لفترة طويلة. لذا كان لا بد أن ينتقل ومساعدوه إلى الخارج. وتم ذلك في نهاية عام 1994، إذ انتقل إلى كراتشي في باكستان.

ولكن السلطات الباكستانية، ظلت تنفي وجود «داود إبراهيم» على أراضيها، وقد تناقش رئيس الوزراء الهندي آنذاك، «أتال بيهاري فاجبايي»، مع الجنرال «برويز مشرف» حول هذا الموضوع، حين زار الأخير الهند عام 2001.

كما ظهر اسم «داود إبراهيم» في قائمة الـ20 إرهابيا المطلوبين للمحاكمة في الهند.

وفي حديث مفصل مع «العربي الجديد»، قال «زيدي»، إن جميع المواد التي جمعها في كتابه (من دونغري إلى دبي) مصدرها تحقيقات شخصية خاصة به ونتائج تحقيقات الاستخبارات والشرطة الهنديتين ومصادره المطلعة في الإمارات.

وفي كثير من الحالات، تحدث الكاتب مع بعض أعضاء العصابة الذين ذكرهم في كتابه للتأكد من المعلومات.

ويعتبر «زيدي» من أكبر الصحفيين الاستقصائيين في الهند، وقد أنتج أخيرا فيلما وثائقيا في مومباي.

في أحد كتبه بعنوان «بلاك فرايداي» (الجمعة الأسود)، كتب «زيدي»: «كان لا بد أن تسبق تفجيرات مومباي (مارس/آذار 1993)، تدريبات مكثفة».

لذلك قرر المتورطون، ومنهم «تايغر ميمون»، إرسال الشباب إلى باكستان على ثلاث دفعات من الهند إلى دبي ثم إلى باكستان بين 13 فبراير/شباط و19 من الشهر نفسه.

وقال «زيدي» إن هؤلاء اجتمعوا في شقة لشركة طاهر ميرتشانت في دبي قبل مغادرتهم إلى باكستان.

وبعد دورة مكثفة في استعمال الأسلحة والمواد المتفجرة، عادوا إلى مومباي من دبي، في 4 مارس/آذار.

وبعد حصول التفجيرات، كانت عائلة أحد المخططين، «تايغر ميمون»، موجودة في دبي، وكانت الحكومة الهندية تمارس ضغوطا على حكومة الإمارات لإعادتها إلى الهند. في البداية، رفضت الإمارات هذه المطالب، لكنها طلبت من أفراد أسرة ميمون في نهاية المطاف مغادرة الإمارات.

وفي مطلع أبريل/نيسان 1993، قام أحد عناصر الاستخبارات الباكستانية بمرافقة الأسرة إلى كراتشي، وتم تزويد كل شخص بجواز سفر باكستاني وبطاقة هوية وطنية وفرت لهم في الإمارات، حسب «زيدي».

ملاذ آمن

وفي السياق، نشر نائب المفتش العام السابق في الاستخبارات الهندية «نيراج كومار»، مذكراته التي تضمنت تفاصيل عن بعض جوانب عملياته الاستخباراتية والتعاون مع السفارة الهندية في الإمارات، للوصول إلى الذين جعلوا دبي ملاذهم الآمن للتورط في الأعمال الإرهابية في الهند واستهداف بلده.

وفي حوار مع «العربي الجديد»، أبدى «كومار» إعجابه وتقديره لعمل «زيدي» حول التحقيق والعمل الاستقصائي حيال الموضوع.

وقال: «رغم الكثير من الجهود التي بذلت لاستعادة المتورطين في الأعمال الإرهابية، لا يزال بعض العناصر من المجموعات الإرهابية التي تستهدف الهند موجودين في الإمارات».

وعندما سأل إن كان يعتبر ما حصل فشلا دبلوماسيا للهند؟ أجاب «كومار»: «كلا؛ بل هذا فشل للأجهزة الأمنية الهندية».

وفي مذكراته هذه، سرد «كومار» تفاصيل اعتقال «يعقوب ميمون»، أحد متهمي تفجيرات مومباي الذي تم إعدامه بأمر من المحكمة العليا الهندية.

وقال «كومار» في هذا الكتاب إن «ميمون أخبر الشرطة الهندية أن جميع أفراد أسرته موجودون في دبي ويتنقلون بين الإمارات وباكستان».

وذكر «كومار» أسماء المتهمين الآخرين الذين كانوا أو ما زالوا موجودين في الإمارات، منهم آفتاب أنصاري، المتهم في قضية الهجوم على المركز الأمريكي في مدينة كالكوتا في إقليم بنغال الغربية شرقي الهند.

وفي هذا الهجوم الإرهابي، قتل 4 أفراد من الشرطة وجرح 20 آخرون، وكان «أنصاري» المشتبه به الرئيسي في هذا الهجوم.

وقد نجح «كومار» في إقناع سلطات الإمارات بتسليمه.

  كلمات مفتاحية

الإمارات الهند هجمات إرهابية الإرهاب تسريبات