استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

افعلها يا سيد البيت الأبيض فقومنا في شغل عظيم!

الاثنين 4 ديسمبر 2017 08:12 ص

في الوقت الذي حبس العرب أنفاسهم انتظارا لما ستسفر عنه قرعة كأس العالم روسيا  2018، كانت وكالات أنباء عالمية تنقل عن مسؤولين أمريكيين، أن ترامب سوف يعلن قريبا أن القدس عاصمة لدولة الاحتلال، تمهيدا لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.

وسواء أعلنها ترامب في الأيام القليلة المقبلة، أو كان الأمر مجرد تهيئة للنفوس لإعلان قبلة المسلمين الأولى كعاصمة لدولة الاحتلال، فإن الرجل سوف يفي لا محالة بوعده الذي قطعه إبان الحملة الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس، وقد صرح في أكثر من مناسبة بأن المسألة تتعلق فقط بالتوقيت.

ويزيد من تلك الاحتمالات تعرضه لضغوط متجددة من قبل الحزب الجمهوري والمسيحيين الإنجيليين، كما عبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت». لكن المتغافلين من القوم لن يتعلموا الدرس، ولن يقروا بأن ترامب ليس طرفا نزيها في المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية، وسوف يستمرون في سياسة الانبطاح والاستخذاء والرضى بالابتزاز.

أين العرب من تلك الأحداث؟ ربما دخلوا في موت «إكلينيكي»، وعما قريب ستجيب الأحداث عن سؤال نزار قباني «متى يعلنون وفاة العرب»، ذاك الذي صدق شعره في قومنا:

أنا منذ خمسين عاما

أراقب حال العرب

وهم يرعدون، ولا يمطرون.

وهم يدخلون الحروب، ولا يخرجون.

وهم يعلكون جلود البلاغة علكا

ولا يهضمون.

وماذا لو أعلن ترامب نقل العاصمة إلى القدس وضرب القضية الفلسطينية في العمق؟ ما الذي يمكن أن يقدمه العرب في ظل حالات الهزال والكساح التي أصابتهم؟

سنكون متفائلين إذا قلنا بأن ردة الفعل لن تجاوز قمة عربية أو إسلامية تدين إجراءات ترامب. عندما قام الصهاينة بحرق المسجد الأقصى عام  1969، قالت رئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير:

«لم أنم ليلتها وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجا أفواجا من كل حدب وصوب، لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء، أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة».

تمت الجريمة في وقت كان فيه حكام العرب يظهرون أو يتظاهرون بأن فلسطين هي قضيتهم المركزية، ويتنافسون في ما بينهم في رفع شعارات زائفة لنصرة القضية الفلسطينية، كجرعات مخدرة إضافية يحقنون بها شعوبهم.

أما وقد أصبحوا لا حاجة بهم للأقنعة والمبررات، وسبحوا مع تيار التطبيع، فإن السياق يقول لسيد البيت الأبيض: تفضل، إفعلها مطمئنا. قومنا ارتعدت فرائصهم لعنتريات ترامب منذ البداية، وآثروا الاحتماء منه به، واسترضوه بمئات المليارات التي حملها إلى بلاده وهو ينفجر ضحكا من السخرية بالعرب.

لم تعد فلسطين هي قضيتهم الأم، وانسحب ذلك على الشعوب فانطفأت الجذوة في معظمها، وتم تهميش حلم التحرير، وإنك لتلحظ في قراراتهم وتصريحاتهم أنهم كادوا أن يقولوها علانية: «فلسطين شأن خاص بالفلسطينيين وحدهم» إنهم عنها لفي شغل عظيم.

انشغلوا عن تحرير فلسطين بالتفكير الجدي في حلول بديلة، فتارة يروجون للخيار الأردني، الذي يقضي بتوطين الفلسطينيين في الأردن، ومن جهة أخرى يتعاظم القول بأن سيناء يتم تفريغها من أجل «صفقة القرن» التي تقضي بإقامة وطن للفلسطينيين في غزة وسيناء، ابتغاء تصفية نهائية للقضية الفلسطينية.

انشغلوا بإلهاء الشعوب عن القضية الفلسطينية بملف الصراع مع إيران، وإبرازها على أنها العدو الأوحد، الذي ينبغي الاصطفاف لمواجهته، وكأنهم لم يتبينوا خطورة المد الإيراني سوى الآن.

ولطالما كتبت عن خطر المشروع الإيراني (الفارسي)، وما زلت على قناعة راسخة بأن إيران لها مشروع قومي محمل على رأس طائفي يسعى لابتلاع المنطقة، إلا أن مواجهة ذلك الخطر ينبغي أن لا يصرفنا عن العدو الصهيوني الذي تتضافر من أجل إنجاحه جهود أطراف دولية وإقليمية.

انشغلوا بكيفة إدراج حركة المقاومة الإسلامية حماس على قوائم الإرهاب، وتنكروا لها، ودفعوها باتجاه التقارب مع إيران، ثم يحاسبوها على ذلك التقارب، يحدث ذلك في الوقت الذي تخفق فيه رايات التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى انبعث أشقى القوم يدافع عن الاحتلال على حساب إخوانه الفلسطينيين.

انشغلوا بحصار قطر، والتجييش ضدها باعتبارها سبب كوارث الأمة، وصنفوا المنطقة إلى معسكرين حول ذلك المحور، متبعين مبدأ بوش الابن (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، بينما تنعدم لديهم أي إشارة للإرهاب الصهيوني.

انشغلوا بمصطلح الإرهاب الفضفاض، وكيفية طرح هذا التهمة فوق رأس كل معارض ومخالف، فاتسع المفهوم في حس الكثيرين، حتى صار يشمل الأمة بأسرها. انشغلوا بتأمين العروش عن طريق ممارسة الاستبداد والبطش والاعتقالات العشوائية والممنهجة، وقمع الحريات وتكميم الأفواه.

إنهم في غفلة يعمهون، كما قال الكواكبي: يقتضي لإيقاظهم الآن بعد أن ناموا أجيالا طويلة، أن يسقيهم النطاسي (الطبيب) البارع مرا من الزواجر والقوارس علهم يفيقون، وإلا فهم لا يفيقون، حتى يأتي القضاء من السماء: فتبرق السيوف، وترعد المدافع وتمطر البنادق، فحينئذ يصحون، ولكن صحوة الموت!

لذلك أعيد ما قلت، سياق الأحداث وخريطة الأوضاع السياسية، تسمح لترامب بتوجيه هذه الطعنة لقلب القضية الفلسطينية، بل تسمح بأكثر من ذلك، فظني أنه لو صبحتنا وسائل الإعلام بنبأ هدم الأقصى، لما خرج المشهد عن استنكار رسمي من الحكومات، وتظاهرات غاضبة للشعوب المقهورة، تقمعها الأنظمة.

لقد عودونا على هذه الفرقعات التي تميت فينا الحذر، وتقتل فينا استعظام الهول، يذكرنا بما جاء في بعض كتب التراث من أمر دهاء الثعلب، حيث أتى إلى جزيرة فيها طير فاعمل الحيلة وجاء بضغث من حشيش وألقاه في مجرى الماء نحو الطير، ففزعت منه،  فلما عرفت أنه حشيش رجعت إلى أماكنها، فعاد لذلك مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتى تواظب الطير على ذلك وتألفه، فعمد إلى جرزة أكبر من ذلك فدخل فيها، وعبر إلى الطير. فلم تشك الطير في أنه من جنس ما قبله، فلم تنفر منه فوثب الثعلب على طائر منها وعدا به.

ليست نظرة تشاؤمية لأوضاع القضية الفلسطينية، بقدر ما هو تأكيد على حقيقة باتت واضحة، أن على الفلسطينيين عدم التعويل على غيرهم في حل القضية، فالشعوب مغيبة مغلوبة على أمرها، وحكامها خلصوا إلى حتمية التعايش السلمي مع الاحتلال ولو على حساب فلسطين، وودوا لو أن هذه البقعة ابتلعتها الأرض وأراحتهم من عناء الإحراج.

وفي سبيل ذلك يلزم أن تكون هناك مصالحة فلسطينية حقيقية، تتفق على خيار المقاومة بشكل أو بآخر، فهي الضامن الوحيد لسير المفاوضات بشكل يخدم الفلسطينيين. هي بلا شك أمنيات لن يترجمها سوى أهل فلسطين وحدهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

* إحسان الفقيه - كاتبة أردنية

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب وضع القدس قضية فلسطين التطبيع مع العدو الأنظمة العربية إسرائيل حصار قطر