«بي بي سي»: لماذا لن يجلب مقتل «صالح» الاستقرار لليمن؟

الأربعاء 6 ديسمبر 2017 04:12 ص

سوف يتذكر التاريخ «علي عبدالله صالح» بأنه الرجل الذي شكل اليمن الحديث وأعطاه هويته التي أصبح عليها، ولكن سيتذكره كذلك بأنه الرجل الذي كان أكثر استعدادا لحرق البلاد عن بكرة أبيها بدلا من التخلي عن السلطة.

لكنه بفقدان مهاراته في صنع الصفقات، فإن الحرب الأهلية التي ساعد في إشعالها، والأزمة الإنسانية المدمرة التي كان من أسبابها، من المرجح أن تزداد سوءا.

وجاء مقتل «صالح» بمثابة صدمة لمعظم اليمنيين، وكان الرجل يتمتع بنفوذ كبير في البلاد، ويستخدم ذكاءه للبقاء في السلطة، ويشبه حكم اليمن «بالرقص فوق رؤوس الثعابين»، وكان مدبر صفقات بارع يتجاوز كل التوقعات.

وبعد فترة وجيزة من اعتلاء «صالح» رئاسة اليمن الشمالي، في يوليو/تموز عام 1978، توقع مسؤول بارز بالاستخبارات المركزية الأمريكية أنه سيقتل خلال 6 أشهر كآخر القادة اليمنيين الذين سقطوا ضحايا الاقتتال الداخلي.

لكنه استمر في الحكم لمدة 33 عاما، وظل على قيد الحياة رغم عدد من محاولات الاغتيال - بما في ذلك تفجير منزله عام 2011 - ولم تترك مخالبه السلطة حتى بعد الإطاحة به خلال انتفاضات الربيع العربي في ذلك العام.

وكان «صالح» قد أشرف على اندماج اليمن الشمالي والجنوبي، وخاض حربين أهليتين، وشكل وتنقل بين عدد من التحالفات في هذه العملية، وتنوعت تحالفاته بين رجال القبائل والإسلاميين والتكنوقراط والجهاديين والحوثيين في الآونة الأخيرة، وهم مجموعة من الشيعة الزيديين المتمردين، الذين أمضى ما يقرب من عقد من الزمن يحاول سحقهم.

وخلال مناورة جريئة كعادته، تحول عن الحوثيين، وعرض التحالف مع المملكة العربية السعودية، الذي كان يقاتلها جنبا إلى جنب مع الحوثيين، لكنها كانت المناورة التي أودت بحياته.

ومن المفارقات أنه كان قريبا من إنجاز صفقة كانت قيد التحضير من شأنها أن تسمح له أو ابنه، «أحمد علي صالح»، بالعودة إلى السلطة، لكن أفلتت زمام الأمور من يده أخيرا، للمرة الأولى في عمر طويل من المقامرات المحفوفة بالمخاطر.

وفي يوم الجمعة، أعلن «صالح» انشقاقه عن الحوثيين، الذي ساعدهم في الاستيلاء على صنعاء، في سبتمبر/أيلول عام 2014.

وعرض «فتح صفحة جديدة» مع السعودية التي تدخلت في اليمن منذ مارس/آذار عام 2015، على أمل الإطاحة بالحوثيين الذين تعتبرهم وكيلا لإيران، وإعادة الرئيس «عبدربه منصور هادي» إلى السلطة.

وساعد «صالح» في سيطرة الحوثيين على السلطة، على أمل التوصل إلى اتفاق لإعادة نفسه أو ابنه إلى السلطة من جديد، وهو الخيار الأقل سوءا لدى اللاعبين الإقليميين مثل السعودية والقوى الدولية مثل الولايات المتحدة، حيث كان قد عمل معها عن كثب في العقد الأول من القرن العشرين بشأن مبادرات مكافحة الإرهاب.

وعندما بدأت الحرب، ألقى «صالح» بثقله خلف الحوثيين، لكنه استمر في إبداء الرغبة في التعامل مع السعودية والإمارات العربية المتحدة، الشريك الأكثر أهمية للسعوديين في الحرب.

لكن ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» رفض في البداية تصريحات «صالح»، مؤملا أن يتمكن من الفوز في الحرب بدون مساعدة الزعيم السابق.

لكن يبدو أن اتفاقا كان قد تم التوصل إليه بين الطرفين، الأمر الذي دفع «صالح» لإعلان انفصاله عن الحوثيين.

ومع هيمنة الحوثيين على الأرض بشكل كبير، كانت تلك لعبة خطرة، لكنها في البداية بدت كأنها تؤتي ثمارها.

واستولى حلفاء «صالح» على جنوب صنعاء بسرعة نسبيا، وأعلن السعوديون دعمهم لما أسموه «الثورة» ضد الحوثيين.

وتحولت وسائل الإعلام الموالية للرياض من وصف صالح بأنه «الديكتاتور المخلوع» إلى «الرئيس السابق» لليمن، ولكن هذه الانتصارات تراجعت.

وبحلول يوم الأحد، كانت ميليشيات الحوثي تسيطر على جزء كبير من صنعاء، وكانت معارك ضارية تجري حول منازل أفراد عائلة صالح الرئيسيين.

وتناثرت شائعات بأن القوات اليمنية المدعومة من السعودية سوف تعبر قريبا خطوط الجبهة بالقرب من العاصمة لمساعدة «صالح»، لكن ثبت أنها كانت مجرد شائعات كاذبة.

ويبدو أن «صالح» الذي استشعر بأنه أصبح محاصرا هرب من العاصمة عندما تم توقيف سيارته عند نقطة تفتيش للحوثيين.

وقد قتل إما في تبادل إطلاق نار، أو كما يؤكد بعض من أنصاره، أعدموه على الفور.

ويبدو أن مستقبل الصراع اليمني أصبح قاتما بشكل أكبر مع مقتل «صالح».

وبعد محاولة سحب البساط من تحت أقدام الحوثيين، يجب على السعوديين الآن أن يقرروا ما إذا كانوا سيشاركون في جهود الوساطة في مناخ من انعدام الثقة، أو سوف يعززون حملتهم العسكرية التي لم تحرز نجاحات ملحوظة على مدى عامين ونصف العام حتى الآن.

وكان «صالح» شخصية مثيرة للانقسام، لكنه كان أيضا الشخص الأكثر احتمالا أن يكون قادرا على التوسط في نوع ما من التسوية، ولن تؤدي وفاته إلا إلى استقطاب أعمق في هذا الصراع.

  كلمات مفتاحية

مقتل علي صالح اليمن الحوثيين السعودية